أسباب الدوخة المفاجئة: الأسباب الطبية والتفسيرات العلمية والتعامل الوقائي

تُعدّ الدوخة المفاجئة من الأعراض الشائعة التي تصيب الملايين حول العالم، وتتنوع أسبابها بين العوامل البسيطة المؤقتة والمشكلات الصحية الأكثر خطورة. وفي ظل ما تسببه من إزعاج واضطراب في الأنشطة اليومية، يستدعي الأمر فهماً دقيقاً لآليات حدوثها وأسبابها المختلفة، التي قد تشمل الجهاز العصبي، والجهاز الدهليزي، والدورة الدموية، إلى جانب العوامل النفسية والغذائية والبيئية.

تتنوع أشكال الدوخة ما بين شعور خفيف بعدم الاتزان، إلى الإحساس بالدوران الكامل (الدوار)، وقد يصاحبها غثيان، ضبابية في الرؤية، اضطراب في السمع، أو حتى فقدان مؤقت للوعي. ولهذا السبب، لا يجب التعامل مع الدوخة على أنها عرض عابر فقط، بل كمؤشر محتمل لحالة صحية تستوجب الفحص والتشخيص.

الدوخة المفاجئة: تعريفها وتصنيفاتها الطبية

الدوخة لا تُعدّ مرضاً بحدّ ذاته، بل هي عرض سريري يعكس خللاً ما في إحدى الأنظمة التي تنظم التوازن في الجسم. وتُصنّف الدوخة من الناحية الطبية إلى أربعة أنواع رئيسية:

1. الدوار (Vertigo): وهو الإحساس الزائف بالحركة أو الدوران، ويكون مرتبطًا غالبًا بمشكلات في الأذن الداخلية.

2. عدم الاتزان (Disequilibrium): الشعور بفقدان التوازن أثناء الوقوف أو المشي، وغالبًا ما يكون ناتجاً عن اضطرابات عصبية أو عضلية.

3. الدوخة الخفيفة (Presyncope): الإحساس بقرب الإغماء، وقد يكون مرتبطاً بانخفاض ضغط الدم أو ضعف تدفق الدم إلى الدماغ.

4. الدوخة النفسية أو الشعور بالغثيان الذهني (Lightheadedness): وهي غالبًا مرتبطة بالتوتر أو القلق أو متلازمة فرط التنفس.

أبرز الأسباب العضوية للدوخة المفاجئة

1. اضطرابات الأذن الداخلية

تلعب الأذن الداخلية دوراً مركزياً في تنظيم التوازن من خلال الجهاز الدهليزي. أي خلل في هذه المنظومة قد يؤدي إلى إحساس مفاجئ بالدوخة أو الدوار.

• داء منيير (Ménière’s Disease): ينتج عن خلل في ضغط السوائل داخل الأذن الداخلية، ويصاحبه طنين وفقدان سمع مؤقت.

• التهاب العصب الدهليزي (Vestibular Neuritis): يحدث نتيجة التهاب في العصب المسؤول عن إرسال إشارات التوازن إلى الدماغ.

• الدوار الموضعي الحميد (BPPV): من أكثر الأسباب شيوعًا، ويحدث عند تحرك بلورات الكالسيوم في الأذن الداخلية بطريقة غير طبيعية مما يؤدي إلى إرسال إشارات خاطئة للدماغ.

2. اضطرابات الدورة الدموية

• انخفاض ضغط الدم المفاجئ (Orthostatic Hypotension): قد يؤدي الوقوف بسرعة أو فقدان السوائل إلى انخفاض مفاجئ في ضغط الدم، يرافقه دوخة مفاجئة.

• اضطرابات نظم القلب: مثل الرجفان الأذيني أو بطء القلب الشديد، حيث يقل تدفق الدم إلى الدماغ، ما يسبب دوخة وربما فقدان الوعي.

• فقر الدم: يؤدي نقص الهيموغلوبين إلى تقليل قدرة الدم على حمل الأكسجين، وبالتالي يحدث نقص في تروية الدماغ.

3. الأمراض العصبية

• السكتة الدماغية: تحدث نتيجة انقطاع تدفق الدم إلى جزء من الدماغ، ويمكن أن تكون الدوخة المفاجئة من أعراضها المبكرة.

• الصداع النصفي الدهليزي: يُعدّ نوعاً من الشقيقة التي ترافقها نوبات من الدوار.

• التصلب اللويحي المتعدد: قد يصيب مناطق في الدماغ مسؤولة عن التوازن مما يؤدي إلى نوبات متكررة من الدوخة.

4. الأسباب الأيضية والهرمونية

• نقص سكر الدم: انخفاض مستوى الجلوكوز في الدم قد يؤدي إلى دوخة شديدة وارتعاش وتعرّق.

• قصور الغدة الدرقية: يرتبط ببطء في الأيض وقد يسبب خمولاً ودوخة مستمرة.

• الجفاف: فقدان الجسم لكمية كبيرة من السوائل، سواء بسبب الحرارة أو الإسهال أو القيء، يخل بتوازن الشوارد ويؤثر على ضغط الدم.

5. الأسباب النفسية

• القلق العام واضطرابات الهلع: تعتبر من الأسباب الشائعة للدوخة غير العضوية، إذ يعاني المصاب من إحساس مفاجئ بالدوخة عند التعرض لمواقف مثيرة للتوتر.

• فرط التنفس (Hyperventilation): وهو تنفس سريع وعميق يسبب نقص ثاني أكسيد الكربون في الدم ويؤدي إلى الدوخة.

6. الأسباب الدوائية

عدة أنواع من الأدوية قد تسبب الدوخة المفاجئة كعرض جانبي شائع:

العوامل البيئية والغذائية المساهمة في الدوخة

• نقص التغذية: خاصة نقص الفيتامينات مثل B12 وD، قد يؤدي إلى خلل عصبي مصحوب بدوخة.

• الكافيين والنيكوتين والكحول: تؤثر على الأوعية الدموية والجهاز العصبي، وقد تسبب نوبات مفاجئة من الدوخة.

• التعرض لدرجات حرارة عالية: يسبب تمدد الأوعية الدموية وفقدان السوائل.

الدوخة المفاجئة عند فئات محددة

الدوخة عند كبار السن

كبار السن أكثر عرضة للدوخة نتيجة التغيرات الفسيولوجية المصاحبة للتقدم في العمر، مثل تراجع وظائف الأذن الداخلية، ضعف البصر، انخفاض ضغط الدم الانتصابي، وتعدد الأدوية المستخدمة.

الدوخة عند النساء

• فترة الحيض: التغيرات الهرمونية وفقدان الدم قد تؤدي إلى دوخة مؤقتة.

• الحمل: شائع جداً، خاصة في الثلث الأول نتيجة التغيرات الهرمونية وتوسع الأوعية الدموية.

• سن اليأس: يرتبط بانخفاض في مستويات الإستروجين مما يؤثر على الجهاز العصبي والدورة الدموية.

الدوخة عند الأطفال

قد يعاني الأطفال من الدوخة نتيجة للعدوى الفيروسية التي تصيب الأذن الداخلية أو بسبب الجفاف، أو كجزء من نوبات الصداع النصفي الطفولي.

تشخيص الدوخة المفاجئة

يتطلب التشخيص الدقيق للدوخة سلسلة من الفحوصات السريرية والمعملية:

1. الفحص السريري العصبي والدهليزي.

2. قياس ضغط الدم في أوضاع مختلفة.

3. اختبارات الدم (سكر، هيموغلوبين، شوارد، وظائف كبد وكلى).

4. اختبارات التوازن (مثل اختبار ديكس-هالبايك).

5. التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ.

6. تخطيط القلب الكهربائي واختبارات القلب.

الوقاية والتعامل مع الدوخة المفاجئة

• تجنب الوقوف المفاجئ من وضع الجلوس أو الاستلقاء.

• شرب كميات كافية من الماء يومياً.

• تجنب الإفراط في تناول الكافيين والكحول.

• التغذية المتوازنة الغنية بالحديد والفيتامينات.

• ممارسة تمارين التوازن مثل اليوغا وتمارين التمدد.

• المراجعة الدورية للأدوية والتأكد من الجرعات.

في الحالات التي تتكرر فيها الدوخة أو تكون مصحوبة بأعراض مثل اضطراب الرؤية أو صعوبة النطق أو فقدان الوعي، يجب التوجه فوراً إلى الطبيب لتجنب مضاعفات خطيرة محتملة.

خاتمة علمية

تمثل الدوخة المفاجئة عرضًا طبيًا متشعب الأسباب، يتطلب وعيًا سريريًا دقيقًا لفهم منشئه الحقيقي. وبينما قد تكون ناجمة عن خلل بسيط مؤقت في ضغط الدم أو نقص السوائل، فإنها قد تكون أيضًا إنذارًا مبكرًا لحالات خطيرة تهدد الحياة كالسكتة الدماغية أو اضطراب نظم القلب. يظل التشخيص الدقيق والمتابعة الطبية عنصرين أساسيين في إدارة الحالة، مدعومين بأسلوب حياة صحي يراعي التوازن الغذائي والنفسي والجسدي.

المراجع:

1. Baloh RW. Dizziness and Vertigo. Continuum (Minneap Minn). 2017;23(5):1182-1195.

2. Neuhauser HK, et al. Epidemiology of dizziness and vertigo. Handb Clin Neurol. 2016;137:67-82.