أسباب الإصابة بالفصام وعوامل الخطر

ما الذي يتسبب في الإصابة بالفصام؟

الفصام هو اضطراب عقلي معقد يؤثر في الطريقة التي يفكر بها الشخص ويشعر ويتصرف. قد يصاب الشخص المصاب بالفصام بمشاعر غير حقيقية تجاه الواقع، مثل الهلاوس والأوهام، وقد يجد صعوبة في تنظيم أفكاره أو التعبير عنها بشكل منطقي. تعد أسباب الفصام متعددة ومتنوعة، تشمل العوامل البيئية والوراثية والدماغية. في هذا المقال، سنستعرض مختلف العوامل التي قد تساهم في الإصابة بالفصام، مع تسليط الضوء على الدراسات الحديثة والنظريات المختلفة المتعلقة بهذه الحالة.

العوامل الوراثية

تعد الوراثة أحد العوامل الرئيسة التي تساهم في زيادة احتمالية الإصابة بالفصام. إذا كان أحد الوالدين أو أحد الأقارب يعاني من الفصام، فإن الشخص قد يكون أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب. تشير الدراسات إلى أن الشخص الذي لديه والد مصاب بالفصام يكون لديه فرصة تبلغ حوالي 10% للإصابة بالفصام، بينما تصل النسبة إلى 40% في حالة وجود إصابة في التوأم المتماثل.

ومن المهم الإشارة إلى أن الوراثة لا تعني بالضرورة أن الشخص سيتطور لديه الفصام، بل هي مجرد عامل خطر يرفع من احتمالية الإصابة. تعود هذه الظاهرة إلى تأثير الجينات على تطور الدماغ واستجابته للبيئة المحيطة. ومع ذلك، قد يحدث الفصام دون وجود تاريخ عائلي للإصابة بالاضطراب، مما يعكس دور العوامل الأخرى.

التغيرات الدماغية والبيولوجية

الفصام يرتبط بتغيرات في البنية والوظيفة الدماغية. من أبرز هذه التغيرات وجود خلل في مستوى بعض المواد الكيميائية في الدماغ مثل الدوبامين والسيروتونين. يشير البحث العلمي إلى أن الزيادة المفرطة في الدوبامين، وهي مادة كيميائية تنقل الإشارات بين خلايا الدماغ، قد تساهم في ظهور بعض الأعراض السلبية للفصام مثل الهلاوس والأوهام.

تظهر بعض الدراسات أن الأشخاص المصابين بالفصام قد يعانون من تغيرات في تركيبة الدماغ، مثل ضمور في بعض المناطق المهمة في الدماغ مثل الفصوص الجبهية والوطائية. قد تؤثر هذه التغيرات على عملية التفكير واتخاذ القرارات. ومن ناحية أخرى، تم العثور على وجود نقص في حجم المادة الرمادية في الدماغ لدى بعض المصابين بالفصام، وهو ما يشير إلى أن هذه التغيرات يمكن أن تكون جزءاً من السبب البيولوجي وراء الفصام.

علاوة على ذلك، هناك دلائل على أن تطور الفصام قد يتأثر بالجنين أثناء فترة الحمل. تشير بعض الدراسات إلى أن تعرض الجنين لبعض العوامل البيئية الضارة، مثل العدوى الفيروسية أو سوء التغذية، قد يؤدي إلى تأثيرات طويلة الأمد على الدماغ ويزيد من احتمال الإصابة بالفصام في المستقبل.

العوامل البيئية

العوامل البيئية تلعب دورًا مهمًا في تطور الفصام، إذ يمكن أن تؤدي بعض التجارب أو المواقف في الحياة إلى تنشيط الجينات التي تساهم في ظهور المرض. على سبيل المثال، تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين نشأوا في بيئات مليئة بالتوتر النفسي أو الذين تعرضوا لتجارب حياتية صادمة، مثل فقدان شخص عزيز أو تعرضهم للإساءة الجسدية أو النفسية في مرحلة الطفولة، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالفصام.

واحدة من العوامل البيئية التي تم تحديدها في الأبحاث هي الضغوطات النفسية الحادة التي تحدث في مرحلة الشباب، مثل التعرض للمشاكل الاجتماعية أو الإجهاد المفرط. وقد أظهرت بعض الدراسات أن الانتقال إلى مرحلة البلوغ، والذي يرافقه العديد من التغيرات الهرمونية والضغوطات النفسية، يمكن أن يساهم في ظهور أعراض الفصام لدى بعض الأشخاص.

كما أن العيش في بيئات ذات كثافة سكانية عالية أو في أماكن تتسم بمعدلات الجريمة المرتفعة يمكن أن يعزز من عوامل التوتر ويسهم في ظهور المرض. كذلك، يمكن أن تساهم العوامل الاقتصادية في تطور الفصام، حيث أظهرت بعض الدراسات وجود ارتباط بين العيش في فقر والزيادة في احتمالية الإصابة بالفصام.

التأثيرات النفسية والاجتماعية

من الممكن أن تؤثر العوامل النفسية والاجتماعية بشكل مباشر على تطور الفصام. تشير بعض الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية مثل القلق المزمن والاكتئاب، قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالفصام، خاصة إذا كان لديهم تاريخ عائلي للمرض.

تعتبر الاضطرابات النفسية المزمنة مثل اضطراب ما بعد الصدمة، الذي قد يحدث بسبب التعرض لصدمات حياتية مثل الحروب أو الحوادث، من العوامل المساهمة في تزايد خطر الإصابة بالفصام. في هذه الحالات، قد تتسبب الضغوطات النفسية في تغييرات دائمة في وظائف الدماغ، مما يعزز من ظهور أعراض الفصام.

استخدام المواد المخدرة

من العوامل الأخرى التي قد تساهم في تطور الفصام هو استخدام المواد المخدرة، خاصة المخدرات التي تؤثر في المواد الكيميائية في الدماغ مثل الكوكايين والميثامفيتامين. تم ربط استخدام هذه المواد مع ظهور أعراض مشابهة للفصام، وقد يساهم تعاطي المخدرات في تحفيز حدوث نوبات من الهلاوس والأوهام. علاوة على ذلك، فإن بعض الأدوية التي تحتوي على مركبات مثل الستيرويدات قد تساهم في حدوث اضطرابات عقلية مشابهة لتلك التي تحدث في الفصام.

تأثيرات الهرمونات والتغيرات الجسدية

التغيرات الهرمونية، وخاصة في مراحل مثل المراهقة والبلوغ، قد تؤدي إلى تحفيز تطور الفصام. يظهر الفصام عادة بين سن 18 و25 عامًا، وهذه الفترة العمرية ترتبط بتغيرات هرمونية وجسدية كبيرة في الجسم والعقل. تشير بعض الأبحاث إلى أن التغيرات الهرمونية قد تتفاعل مع العوامل الجينية والبيئية لتسريع أو تحفيز ظهور الأعراض.

علاوة على ذلك، هناك دراسة توضح أن النساء قد يعانين من زيادة في أعراض الفصام خلال فترات معينة من حياتهن، مثل فترة ما بعد الولادة أو فترة انقطاع الطمث، مما يعكس تأثير التغيرات الهرمونية على تطور المرض.

الاستعدادات الوراثية والعوامل البيئية

من المهم أن نفهم أن الفصام لا يرجع إلى سبب واحد فقط، بل هو مزيج من عدة عوامل جينية وبيئية ونفسية. بينما قد يكون الشخص مهيأ وراثياً للإصابة بالفصام، فإن العوامل البيئية قد تكون العامل الحاسم في حدوث المرض. وفقاً لهذه النظرية، يمكن للضغوطات البيئية أو المواقف الصادمة في حياة الشخص أن تؤدي إلى ظهور الفصام في الأشخاص الذين يمتلكون استعدادًا وراثيًا لذلك.

الختام

تظل أسباب الفصام غير مفهومة بالكامل، ولكن من الواضح أن العوامل الوراثية، الدماغية، البيئية والنفسية تشترك جميعها في تطور هذا الاضطراب المعقد. إن فهم هذه العوامل يمكن أن يساعد في تقديم طرق أفضل للتشخيص والعلاج. يتم البحث في هذا الموضوع بشكل مستمر، والأمل في أن يسهم ذلك في تحسين رعاية المرضى ومساعدتهم في مواجهة هذا المرض الشديد التأثير على حياتهم.