أسباب اضطراب المعدة: فهم شامل للاضطرابات الهضمية وأسبابها العضوية والنفسية

تُعد اضطرابات المعدة من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا، حيث يعاني منها ملايين الأشخاص حول العالم يوميًا. تتراوح أعراض اضطراب المعدة بين الألم الخفيف إلى الحاد، وقد تترافق مع الغثيان، القيء، الانتفاخ، أو حتى فقدان الشهية. وعلى الرغم من أن اضطراب المعدة يُعتبر في كثير من الأحيان عابرًا وغير خطير، إلا أن تكراره أو شدته قد يشير إلى وجود حالة صحية مزمنة أو خطيرة تتطلب تدخلًا طبيًا. تكمن أهمية دراسة أسباب اضطراب المعدة في فهم الخلفيات العضوية، الوظيفية، والنفسية التي تقف وراء هذه الظاهرة، وهو ما يساعد على الوقاية منها وتحسين نوعية الحياة.

أولاً: الأسباب العضوية لاضطراب المعدة

تشمل الأسباب العضوية لاضطراب المعدة العوامل المتعلقة بوظائف الأعضاء، البنية التشريحية للجهاز الهضمي، والعدوى البكتيرية أو الفيروسية. وتعتبر هذه الأسباب من أكثر العوامل الملموسة التي يمكن تحديدها بالفحوصات الطبية.

1. العدوى البكتيرية والفيروسية

أحد أكثر الأسباب شيوعًا لاضطراب المعدة هو الإصابة بعدوى فيروسات الجهاز الهضمي مثل نوروفيروس (Norovirus) والروتا (Rotavirus)، أو بكتيريا مثل Helicobacter pylori التي تُعد مسؤولة عن تقرحات المعدة والاثني عشر. تنتقل هذه الميكروبات غالبًا عبر تناول طعام أو ماء ملوث أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة.

2. التسمم الغذائي

يحدث التسمم الغذائي نتيجة تناول أطعمة ملوثة بالسموم البكتيرية مثل Staphylococcus aureus أو Salmonella. وتُسبب هذه السموم اضطرابات حادة في المعدة تشمل القيء الحاد، الإسهال، تقلصات شديدة في البطن، وارتفاع درجة الحرارة في بعض الأحيان.

3. التهاب المعدة (Gastritis)

يُشير مصطلح التهاب المعدة إلى تهيج أو التهاب يصيب بطانة المعدة، وقد يكون ناتجًا عن تناول بعض الأدوية (مثل مضادات الالتهاب غير الستيرويدية)، أو بسبب العدوى البكتيرية، أو استهلاك الكحول بشكل مفرط. يؤدي هذا الالتهاب إلى ألم في المنطقة العليا من البطن، وقد يترافق مع غثيان أو تقيؤ.

4. القرحة المعدية والاثني عشرية

تنتج القرح الهضمية عن تلف في بطانة المعدة أو الاثني عشر، غالبًا بسبب زيادة إفراز الأحماض المعدية أو بسبب الإصابة ببكتيريا Helicobacter pylori. هذه القرح قد تسبب ألمًا مزمنًا في البطن، خصوصًا بين الوجبات أو في الليل، وقد تتفاقم الحالة عند تناول بعض الأطعمة أو المشروبات.

5. الارتجاع المعدي المريئي (GERD)

تحدث هذه الحالة عندما يرجع حمض المعدة إلى المريء مسببًا شعورًا بالحرقان أو ما يُعرف بحرقة المعدة، وقد يصاحبها شعور بالغثيان وألم في الجزء العلوي من البطن. تتفاقم الحالة عند الاستلقاء أو بعد تناول وجبة دسمة.

6. أمراض الكبد والمرارة والبنكرياس

أحيانًا ما تكون اضطرابات المعدة عرضًا ثانويًا لأمراض أخرى تصيب الكبد، المرارة، أو البنكرياس. فمثلًا، يمكن أن يؤدي التهاب البنكرياس الحاد إلى ألم بطني شديد، غثيان، وتقيؤ. كما أن الحصى في المرارة قد تسبب ألمًا في الجزء العلوي من البطن يمتد أحيانًا إلى الكتف أو الظهر.

ثانيًا: الأسباب الوظيفية

ترتبط الأسباب الوظيفية لاضطراب المعدة بخلل في طريقة عمل الجهاز الهضمي دون وجود تغيرات عضوية واضحة في البنية التشريحية للأمعاء أو المعدة.

1. عسر الهضم الوظيفي (Functional Dyspepsia)

يُصنف عسر الهضم الوظيفي كأحد اضطرابات الجهاز الهضمي الشائعة، ويُعرف بوجود أعراض مثل الألم أو عدم الراحة في الجزء العلوي من البطن، الشعور المبكر بالشبع، أو الانتفاخ بعد الأكل دون وجود سبب عضوي واضح. وغالبًا ما يكون نتيجة خلل في حركة المعدة أو في حساسية الأعصاب الموجودة فيها.

2. متلازمة القولون العصبي (IBS)

على الرغم من أن القولون العصبي يرتبط بشكل رئيسي بالأمعاء الغليظة، إلا أن المرضى يعانون غالبًا من أعراض معدية مثل الانتفاخ، الغثيان، وألم المعدة، خاصة بعد تناول بعض الأطعمة. ويُعتقد أن هناك علاقة وثيقة بين المعدة والقولون عبر ما يُعرف بمحور الدماغ-الأمعاء (Gut-Brain Axis).

3. تأخر تفريغ المعدة (Gastroparesis)

تُعرف هذه الحالة بتباطؤ حركة المعدة في تفريغ محتوياتها نحو الأمعاء الدقيقة، مما يؤدي إلى شعور مستمر بالامتلاء، الغثيان، والتقيؤ. وغالبًا ما ترتبط هذه الحالة بمرض السكري، أو ببعض الأدوية التي تؤثر على الجهاز العصبي.

ثالثًا: الأسباب النفسية والعصبية

يُشكل العامل النفسي أحد المحاور الرئيسية في اضطرابات المعدة، حيث تلعب الحالة النفسية دورًا كبيرًا في تحفيز أو تفاقم أعراض الجهاز الهضمي.

1. القلق والتوتر

يؤثر القلق المزمن والتوتر النفسي على إفرازات المعدة وحركتها، مما يؤدي إلى ظهور أعراض مثل الحموضة، الغثيان، الإسهال، أو الإمساك. يرتبط التوتر أيضًا بزيادة الحساسية للألم في الجهاز الهضمي، مما يجعل الشخص يشعر بألم مضاعف من تهيج بسيط.

2. الاكتئاب واضطرابات المزاج

يُظهر العديد من المرضى المصابين بالاكتئاب أعراضًا جسدية، من أبرزها اضطرابات المعدة. وقد يكون السبب هو التغيرات الكيميائية في الجهاز العصبي التي تؤثر بدورها على الأمعاء والمعدة. كما أن بعض أدوية الاكتئاب تؤثر مباشرة على الجهاز الهضمي.

3. اضطرابات الأكل

مثل فقدان الشهية العصبي أو الشره المرضي، وتؤدي هذه الحالات إلى اختلال في وظائف المعدة بسبب الأكل غير المنتظم أو القيء المتكرر، مما يؤدي إلى ضعف عضلات المعدة وتفاقم الاضطرابات الهضمية.

رابعًا: نمط الحياة والعادات اليومية

تُساهم العادات الغذائية السيئة ونمط الحياة العصري في تفاقم اضطرابات المعدة، وهو ما يجعل تعديل هذه العوامل خطوة أساسية في العلاج والوقاية.

1. الإفراط في تناول الأطعمة الدهنية أو الحارة

يؤدي تناول الأطعمة الغنية بالدهون، أو التي تحتوي على توابل قوية، إلى تهيج بطانة المعدة وتحفيز إفراز الأحماض المعدية. كما تزيد هذه الأطعمة من احتمالية حدوث الارتجاع الحمضي والانتفاخ.

2. تناول الطعام بسرعة أو في أوقات متأخرة

تُعتبر عادة تناول الطعام بسرعة سببًا شائعًا لابتلاع الهواء الزائد، ما يسبب الانتفاخ واضطراب المعدة. كما أن الأكل في وقت متأخر من الليل، خاصة قبل النوم مباشرة، يزيد من احتمالية الارتجاع المعدي المريئي واضطرابات النوم المتعلقة بالجهاز الهضمي.

3. التدخين والكحول

يؤدي التدخين إلى إضعاف عضلة المصرة السفلية للمريء، مما يسهل ارتجاع الأحماض. كما أن الكحول يُسبب تهيجًا مباشرًا لبطانة المعدة ويُضعف من وظائف الجهاز الهضمي عمومًا.

4. قلة النشاط البدني

يساهم الخمول الجسدي في بطء حركة الأمعاء، مما يؤدي إلى الشعور بالامتلاء، الغثيان، والإمساك. في المقابل، يساعد النشاط البدني المنتظم على تحفيز حركة الجهاز الهضمي وتحسين الهضم.

جدول توضيحي لأبرز الأسباب الشائعة لاضطراب المعدة وتأثيرها

الخلاصة العلمية

تشير الأدلة الطبية إلى أن اضطراب المعدة حالة متعددة الأسباب، تجمع بين العوامل العضوية، الوظيفية، النفسية، والسلوكية. التداخل بين هذه العوامل يعقّد من عملية التشخيص، ويتطلب منهجًا شموليًا في التقييم والعلاج يشمل التعديلات الغذائية، العلاج الدوائي، والعلاج النفسي إذا لزم الأمر. ويُوصى دائمًا بمراقبة الأعراض بدقة واستشارة المختصين في حال استمرارها أو تفاقمها لتفادي المضاعفات المحتملة مثل القرحة أو الالتهابات المزمنة.

المراجع

1. Talley NJ, Ford AC. Functional Dyspepsia. N Engl J Med. 2015;373(19):1853-1863. doi:10.1056/NEJMra1501505

2. Walker MM, Talley NJ. The role of psychosocial factors in gastrointestinal disorders. Nat Rev Gastroenterol Hepatol. 2013;10(7):415-424. doi:10.1038/nrgastro.2013.76