أسباب ارتفاع كريات الدم البيضاء

أسباب ارتفاع كريات الدم البيضاء عند الأطفال

يُعد ارتفاع كريات الدم البيضاء عند الأطفال من الموضوعات الطبية التي تثير القلق لدى الكثير من الأمهات والآباء، خصوصًا عندما يظهر ذلك في نتائج فحوصات الدم الروتينية. فارتفاع مستوى كريات الدم البيضاء قد يكون دليلاً على وجود حالة صحية تستدعي الانتباه والعلاج. في هذا المقال، سنتناول بشكل مفصل الأسباب المتنوعة لارتفاع كريات الدم البيضاء، ونوضح كيف يمكن تفسير هذه الزيادة وكيفية التعامل معها.

أولاً: ما هي كريات الدم البيضاء؟

كريات الدم البيضاء، المعروفة أيضًا باسم الكرات البيضاء، هي خلايا تلعب دورًا حيويًا في جهاز المناعة، حيث تكون مسؤولة عن حماية الجسم من العدوى والأمراض. تنتج هذه الخلايا في نخاع العظام، ويختلف نوعها وتركيبتها بناءً على وظائفها المناعية. توجد عدة أنواع من كريات الدم البيضاء، بما في ذلك الخلايا الحبيبية مثل العدلات والحمضات والقعدات، بالإضافة إلى الخلايا اللمفاوية والخلايا الوحيدة.

في الحالات الطبيعية، يتراوح عدد كريات الدم البيضاء في الجسم بين 4,000 إلى 11,000 خلية لكل ميكرولتر من الدم. وعندما يرتفع هذا العدد عن المعدل الطبيعي، يعرف هذا بزيادة كريات الدم البيضاء أو فرط الكريات البيضاء.

ثانياً: أسباب ارتفاع كريات الدم البيضاء عند الأطفال

ارتفاع كريات الدم البيضاء عند الأطفال يمكن أن يكون ناتجًا عن مجموعة من الأسباب تتراوح بين العدوى البسيطة إلى الحالات المرضية المعقدة. وفيما يلي تفصيل لأهم الأسباب المحتملة:

1. العدوى البكتيرية والفيروسية

العدوى هي السبب الأكثر شيوعًا لزيادة كريات الدم البيضاء عند الأطفال. عندما يدخل فيروس أو بكتيريا إلى الجسم، يُطلق جهاز المناعة استجابة دفاعية لصد العدوى، مما يؤدي إلى زيادة إنتاج كريات الدم البيضاء لمحاربة الميكروبات.

• العدوى البكتيرية: من الأمثلة على العدوى البكتيرية التي تؤدي إلى زيادة كريات الدم البيضاء عند الأطفال هي التهاب الأذن الوسطى، الالتهاب الرئوي، التهاب السحايا، والتسمم الدموي. وهذه العدوى تسبب زيادة ملحوظة في العدلات (أحد أنواع كريات الدم البيضاء)، وهي الخلايا المسؤولة بشكل رئيسي عن محاربة العدوى البكتيرية.

• العدوى الفيروسية: الفيروسات مثل فيروس الإنفلونزا، الفيروسات المعوية (مثل فيروس الروتا)، وفيروسات الجهاز التنفسي قد تؤدي أيضًا إلى ارتفاع مستوى كريات الدم البيضاء. في هذه الحالات، قد تزداد الخلايا اللمفاوية، التي تكون الخلايا المناعية الرئيسية لمكافحة الفيروسات.

2. التفاعلات المناعية والتهاب الأنسجة

في بعض الأحيان، قد يرتفع عدد كريات الدم البيضاء بسبب التهاب الأنسجة أو تفاعلات جهاز المناعة التي لا تكون مرتبطة بعدوى مباشرة. وتشمل الأسباب المرتبطة بالتهاب الأنسجة والتفاعلات المناعية ما يلي:

• التهاب المفاصل الروماتويدي عند الأطفال: يمكن أن يحدث هذا عندما يُهاجم جهاز المناعة أنسجة المفاصل، مما يؤدي إلى التهاب مستمر قد يؤدي إلى زيادة في عدد كريات الدم البيضاء.

• الحساسيات (Allergies): يمكن أن تسبب الحساسية المفرطة، مثل الحساسية تجاه الأطعمة أو المواد البيئية (مثل حبوب اللقاح أو الغبار)، زيادة في عدد الحمضات، وهي نوع من كريات الدم البيضاء المتورط في استجابة الحساسية.

3. الأمراض السرطانية

زيادة كريات الدم البيضاء يمكن أن تكون أيضًا نتيجة للأورام السرطانية. من أكثر السرطانات التي قد تتسبب في ارتفاع عدد كريات الدم البيضاء لدى الأطفال هي اللوكيميا (سرطان الدم)، حيث يحدث تكاثر غير طبيعي لخلايا الدم البيضاء في نخاع العظام. في بعض الحالات، قد يؤدي سرطان العقد اللمفاوية أو سرطان الغدد اللمفاوية أيضًا إلى زيادة عدد كريات الدم البيضاء.

في هذه الحالات، يلاحظ الطبيب زيادة في عدد الخلايا البيضاء بشكل غير طبيعي، وهي غالبًا ما تكون غير ناضجة أو غير فعالة في محاربة العدوى، مما يشكل تهديدًا للجسم.

4. التسمم أو تأثيرات الأدوية

بعض الأدوية قد تؤدي إلى زيادة غير طبيعية في عدد كريات الدم البيضاء. الأدوية مثل الكورتيكوستيرويدات، التي تستخدم لعلاج الالتهابات أو بعض أمراض المناعة الذاتية، يمكن أن تسبب زيادة في عدد الخلايا البيضاء.

أيضًا، التسمم الكيميائي نتيجة لبعض السموم أو المواد السامة قد يؤدي إلى تفاعل دفاعي من جهاز المناعة، مما يزيد من إنتاج كريات الدم البيضاء.

5. الأمراض المزمنة والحالات الوراثية

بعض الأمراض المزمنة يمكن أن تساهم في ارتفاع عدد كريات الدم البيضاء. مثلًا، الأمراض التي تؤثر على نقي العظم، مثل التليف النخاعي أو فرط التنسج النقوي، قد تؤدي إلى زيادة غير طبيعية في عدد خلايا الدم البيضاء.

كما أن بعض الحالات الوراثية قد تكون مرتبطة بفرط إنتاج كريات الدم البيضاء. فرط الكريات البيضاء الوراثي هو أحد هذه الحالات التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، حيث يتم إنتاج كميات غير طبيعية من كريات الدم البيضاء بسبب خلل وراثي.

6. الإجهاد البدني أو العاطفي الشديد

في بعض الحالات، يمكن أن يؤدي الإجهاد الجسدي أو العاطفي الشديد إلى زيادة مؤقتة في كريات الدم البيضاء. مثلًا، بعد إجراء جراحة أو إصابة بدنية أو حتى في حالة الإجهاد النفسي الشديد، قد يُظهر اختبار الدم زيادة في عدد كريات الدم البيضاء كرد فعل طبيعي لجسم الطفل للتعامل مع التوتر أو الصدمة.

7. التهيج أو الإصابات الطفيفة

الالتهابات الناتجة عن الإصابات الطفيفة، مثل الخدوش أو الحروق البسيطة، يمكن أن تؤدي إلى زيادة في كريات الدم البيضاء. جهاز المناعة يعزز إنتاج هذه الخلايا لمكافحة الالتهاب الناتج عن الإصابات أو التهيجات الجلدية.

ثالثاً: تشخيص ارتفاع كريات الدم البيضاء عند الأطفال

لتشخيص أسباب ارتفاع كريات الدم البيضاء عند الأطفال، يعتمد الأطباء على إجراء مجموعة من الفحوصات والاختبارات الطبية التي تشمل:

• اختبار الدم الكامل (CBC): هذا هو الفحص الأول الذي يتم إجراؤه لتحديد عدد كريات الدم البيضاء في الدم. هذا الاختبار يسمح للطبيب بتحديد ما إذا كان هناك زيادة في عدد كريات الدم البيضاء وما إذا كانت الزيادة نتيجة لنوع معين من الخلايا (مثل العدلات أو اللمفاويات).

• اختبارات إضافية: في حال كان الارتفاع في عدد كريات الدم البيضاء ناتجًا عن حالة مرضية أخرى، قد يطلب الطبيب المزيد من الاختبارات مثل اختبارات الدم الأخرى لتحديد نوع العدوى (بكتيرية أو فيروسية)، أو خزعات من الأنسجة أو التحليل الوراثي في حالة الاشتباه في أمراض وراثية أو سرطانية.

رابعاً: علاج ارتفاع كريات الدم البيضاء عند الأطفال

تعتمد خطة العلاج على السبب الرئيسي وراء ارتفاع كريات الدم البيضاء. في الحالات التي تكون فيها العدوى هي السبب، قد يتطلب الأمر علاجًا بالمضادات الحيوية أو مضادات الفيروسات. في حالات الأمراض المناعية أو السرطانية، قد يكون العلاج أكثر تعقيدًا ويشمل الأدوية المثبطة للمناعة أو العلاج الكيميائي.

من المهم أن يتم تقييم حالة الطفل بشكل دقيق من قبل أطباء متخصصين، حيث أن العلاج يعتمد على التشخيص الصحيح. في الحالات الخفيفة، قد يعود عدد كريات الدم البيضاء إلى المعدل الطبيعي مع مرور الوقت أو بعد علاج العدوى أو الالتهاب الأساسي.

الخاتمة

ارتفاع كريات الدم البيضاء عند الأطفال يمكن أن يكون مؤشرًا لعدة حالات صحية، تتراوح من العدوى البسيطة إلى الأمراض المعقدة مثل السرطان. لذلك، فإن فهم الأسباب المحتملة لهذه الزيادة يعد أمرًا مهمًا لتقديم العلاج المناسب في الوقت المناسب. من الضروري أن يتم متابعة حالة الطفل من قبل الأطباء المختصين لضمان تشخيص دقيق وبدء العلاج المناسب بسرعة.