أسباب آلام أسفل الظهر

تعتبر آلام أسفل الظهر من أكثر المشكلات الصحية شيوعاً بين مختلف الفئات العمرية، وتؤثر بشكل كبير على جودة الحياة بسبب تأثيرها المباشر على القدرة الحركية والوظائف اليومية. إن منطقة أسفل الظهر، التي تشمل الفقرات القطنية والعضلات المحيطة والأعصاب، تُعد من المناطق الأكثر تعرضاً للإجهاد والضرر نتيجة لعدة عوامل متنوعة، تتراوح بين أسباب ميكانيكية بسيطة إلى أمراض مزمنة ومعقدة. في هذا المقال سنستعرض بالتفصيل أهم أسباب آلام أسفل الظهر، مسلطين الضوء على التشريح الوظيفي لهذه المنطقة، والعوامل المؤثرة، بالإضافة إلى التداخلات المرضية التي تؤدي إلى هذه الآلام.

التشريح الوظيفي لمنطقة أسفل الظهر

تتكون منطقة أسفل الظهر من خمسة فقرات قطنية (L1-L5) وهي أكبر الفقرات وأكثرها تحملاً للوزن مقارنةً بالفقرات العلوية. بين هذه الفقرات توجد أقراص غضروفية تسمى الأقراص بين الفقرات تعمل كوسائد امتصاص للصدمات، بالإضافة إلى عدد كبير من العضلات، الأربطة، والأعصاب التي تدعم الحركة وتحافظ على الاستقرار. تلعب عضلات الظهر السفلية دوراً مهماً في دعم العمود الفقري وتحريك الجسم، كما تمر الأعصاب الشوكية في هذه المنطقة متجهة نحو الأطراف السفلية.

تتعرض هذه المنطقة لكثير من الضغوط الميكانيكية نتيجة الوقوف، الجلوس، رفع الأوزان، أو الحركة غير الصحيحة، مما يجعلها معرضة للتمزقات، الالتهابات، أو التآكل التدريجي.

الأسباب الميكانيكية لألم أسفل الظهر

تُعد الأسباب الميكانيكية أكثر الأسباب شيوعاً لآلام أسفل الظهر، وتتضمن عدة حالات منها:

1. إجهاد العضلات والأنسجة الرخوة

يحدث إجهاد العضلات نتيجة لرفع أوزان ثقيلة بطريقة خاطئة، أو الحركات المفاجئة والعنيفة، أو الجلوس لفترات طويلة بوضعيات غير صحيحة. هذا الإجهاد يؤدي إلى تمزقات صغيرة في العضلات والأربطة المحيطة، مما يسبب الألم والتصلب.

2. التغيرات التنكسية في الفقرات والأقراص

مع التقدم في العمر، تتعرض الأقراص بين الفقرات لفقدان محتواها المائي ومرونتها، ما يؤدي إلى تآكل تدريجي وفقدان ارتفاع القرص. هذا التغير التنكسي قد يسبب انزلاقاً غضروفياً (انزلاق غضروفي) وضغطاً على الأعصاب المحيطة، مما ينتج عنه ألماً حاداً أو مزمناً في أسفل الظهر.

3. الانزلاق الغضروفي (الديسك)

يحدث عندما يخرج النواة اللبية الداخلية للقرص من مكانها الطبيعي بسبب تمزق الغلاف الخارجي، ويضغط هذا الجزء المنزلق على الأعصاب الشوكية المجاورة. هذا الضغط يسبب ألماً يمتد أحياناً إلى الأرداف والأطراف السفلية، ويصاحبه غالباً خدر وتنميل.

4. تشوهات العمود الفقري

مثل الانحناءات الشديدة (الجنف)، أو زيادة التقوس (الانبساط القطني) التي تؤدي إلى تحميل غير متوازن على الفقرات والعضلات، ما يسبب آلاماً مزمنة.

الأسباب المرضية لألم أسفل الظهر

تتعدد الأسباب المرضية التي قد تكون وراء آلام أسفل الظهر، وتشمل:

1. التهاب المفاصل التنكسي (التهاب المفاصل الفقري)

ينتج عن تآكل الغضاريف في المفاصل الفقرية، ويصاحبه تورم والتهاب، مما يؤدي إلى ألم مزمن وتصلب في الظهر.

2. التهابات العمود الفقري

مثل التهابات الفقرات أو الأقراص (التهاب الفقار)، والتي قد تحدث بسبب عدوى بكتيرية أو فيروسية نادرة لكنها خطيرة، وتسبب ألمًا شديدًا مع أعراض أخرى كالحمى وفقدان الوزن.

3. أمراض العظام والكسور

كالهشاشة التي تؤدي إلى كسور دقيقة في الفقرات (كسور الانضغاط)، وتسبب ألمًا شديداً ومستمرًا.

4. الأورام والسرطانات

يمكن أن تؤثر الأورام الحميدة أو الخبيثة على العمود الفقري أو الأنسجة المحيطة، مسببة آلامًا في الظهر قد تكون مستمرة ومتزايدة.

5. أسباب غير هيكلية

مثل أمراض الأعضاء الداخلية المجاورة (الكلى، الرحم، الأمعاء) التي قد تسبب إحساسًا بالألم في منطقة أسفل الظهر.

العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بآلام أسفل الظهر

هناك عدة عوامل تزيد من احتمالية تعرض الشخص لآلام أسفل الظهر، ومنها:

• السمنة: زيادة الوزن تضغط بشكل كبير على الفقرات والعضلات.

• قلة النشاط البدني: تؤدي إلى ضعف عضلات الظهر والبطن، مما يقلل الدعم الهيكلي للعمود الفقري.

• العمل البدني الشاق: رفع الأوزان الثقيلة أو العمل في وضعيات غير صحيحة.

• الجلوس لفترات طويلة: خاصة في أماكن العمل المكتبي أو أثناء قيادة السيارات.

• التدخين: يؤثر سلباً على تدفق الدم إلى الأقراص الفقرية، مما يسرع تآكلها.

• العمر: التغيرات التنكسية تظهر غالبًا مع التقدم في السن.

• التاريخ العائلي: وجود مشاكل في العمود الفقري لدى الأقارب قد يزيد من احتمال الإصابة.

تأثير نمط الحياة على صحة أسفل الظهر

تتأثر صحة أسفل الظهر بشكل كبير بعادات ونمط الحياة اليومية، حيث يؤدي نمط الحياة غير الصحي إلى تفاقم مشاكل الظهر أو ظهورها مبكراً. الجلوس الخاطئ، عدم ممارسة التمارين الرياضية، النوم على فراش غير مناسب، والضغط النفسي، كلها عوامل تؤثر سلباً.

ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، خصوصاً تمارين تقوية عضلات الظهر والبطن، تعزز من استقرار العمود الفقري وتقلل من فرص الإصابة. بالإضافة إلى ذلك، تبني تقنيات رفع صحيحة، واستخدام أدوات مساعدة عند الحاجة، تساعد في الوقاية.

تشخيص آلام أسفل الظهر

يبدأ تشخيص آلام أسفل الظهر بجمع التاريخ المرضي والفحص السريري الدقيق، مع التركيز على موقع الألم، طبيعته، ومدى تأثيره على الحركة. يعتمد التشخيص التفريقي على استبعاد الأسباب الخطيرة مثل الأورام أو الالتهابات.

تستخدم الفحوصات التصويرية مثل الأشعة السينية، الرنين المغناطيسي (MRI)، والأشعة المقطعية (CT scan) لتقييم حالة الفقرات والأقراص، والكشف عن الانزلاقات الغضروفية أو الكسور أو الأورام.

علاج آلام أسفل الظهر

تتنوع طرق علاج آلام أسفل الظهر بناءً على السبب وشدة الحالة، وتشمل:

العلاج المحافظ

• الراحة النسبية: تجنب الأنشطة المجهدة لفترة قصيرة.

• الأدوية: مسكنات الألم، مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، وأحياناً مرخيات العضلات.

• العلاج الطبيعي: تمارين تقوية ومرونة، وتقنيات تدليك.

• تعديل نمط الحياة: تحسين وضعيات الجلوس والوقوف، وتخفيف الوزن.

العلاج الجراحي

يُستخدم في الحالات المتقدمة مثل الانزلاق الغضروفي الشديد، تضيق القناة العصبية، أو الكسور غير المستجيبة للعلاج المحافظ.

جدول يوضح مقارنة بين أهم أسباب آلام أسفل الظهر

خلاصة

آلام أسفل الظهر هي مشكلة متعددة الأوجه تتداخل فيها العوامل الميكانيكية والمرضية، وتتفاوت في شدتها وأسبابها. الفهم العميق لتشريح المنطقة والعوامل المؤثرة يساعد في التشخيص السليم واختيار العلاج المناسب. الوقاية من خلال تحسين نمط الحياة والالتزام بممارسات صحية تقلل من احتمالية الإصابة وتخفف من حدة الآلام. كما أن اللجوء إلى الفحوصات الطبية المبكرة عند ظهور أعراض مزمنة يساهم في تفادي المضاعفات وتحسين النتائج العلاجية.

المصادر والمراجع

• ‏“Low Back Pain: Pathophysiology and Treatment,” The New England Journal of Medicine, 2018.

• ‏“Principles of Orthopedic Practice,” Orthopedic Clinics of North America, 2020.