أزمة على فيسبوك: إصابة أم هلوسة جماعية؟

في عالمنا الرقمي المتسارع، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك جزءاً لا يتجزأ من حياة ملايين الأشخاص حول العالم. لكن في المقابل، لم تخلُ هذه المنصات من المواقف الغريبة التي تستدعي التساؤل والتحليل العميق، ومن بينها ظواهر صحية غامضة تظهر بين المستخدمين بشكل مفاجئ، ما يثير الجدل حول طبيعتها الحقيقية. من أبرز هذه الظواهر كانت الأزمة التي انتشرت على فيسبوك، حيث أبلغ عدد من المستخدمين عن أعراض صحية متشابهة، ما أثار نقاشاً واسعاً بين من يرى أنها إصابة فعلية وأخرى ترجح أن تكون هلوسة جماعية ناتجة عن تأثير نفسي واجتماعي.

طبيعة الأزمة على فيسبوك

بدأت الأزمة عندما أبلغ عدد من مستخدمي فيسبوك في مناطق مختلفة عن شعور مفاجئ بأعراض جسدية غريبة تشمل الدوار، التنميل، وخفقان القلب، بالإضافة إلى مشاعر قلق وتوتر حادة. ما دفع البعض إلى الاعتقاد بأنهم تعرضوا لنوع من الإصابة أو العدوى غير المعروفة. تزامن هذا مع انتشار منشورات كثيرة تحمل وصفات متشابهة للأعراض، وأحاديث عن “تسمم إلكتروني” أو تأثير سلبي لفيروسات إلكترونية تنتقل عبر الشبكة.

لكن مع تفاقم الظاهرة، ومع استمرار ظهور حالات جديدة رغم غياب أي دليل طبي أو فيزيائي ملموس، بدأ الخبراء في دراسة المسألة من زاوية مختلفة، وهي هلوسة جماعية أو ظاهرة نفسية اجتماعية تنتشر من خلال العدوى النفسية عبر منصة فيسبوك.

هلوسة جماعية: مفهوم وأمثلة تاريخية

الهلاوس الجماعية هي ظاهرة نفسية اجتماعية يتم فيها انتشار اعتقادات أو أعراض غير حقيقية بين مجموعة من الناس، وتكون هذه الأعراض غير مرتبطة بأسباب عضوية واضحة. تاريخياً، سجلت هذه الظاهرة تحت عدة مسميات منها “الهستيريا الجماعية” و”العدوى النفسية”. تتسم الهلاوس الجماعية بانتشار سريع للأعراض بين الأفراد، عادة في إطار اجتماعي متصل، ويترافق ذلك مع تأثير نفسي جماعي قوي.

من أشهر الأمثلة على الهلاوس الجماعية ما حدث في العصور الوسطى من حالات الهستيريا الجماعية التي انتشرت في المدارس أو المصانع أو بين مجموعات نسائية، حيث بدأ العديد من الأفراد بالشعور بأعراض جسدية ونفسية مماثلة بدون وجود سبب عضوي واضح. وفي العصر الحديث، سجلت حالات مشابهة في البيئات المدرسية والمهنية وحتى في وسائل الإعلام، إذ تتفاعل نفسية الجماعة مع مصادر التوتر والقلق بشكل يظهر عبر الأعراض الجسدية.

العوامل النفسية والاجتماعية وراء الأزمة على فيسبوك

في حالة الأزمة التي حدثت على فيسبوك، من الممكن تفسير الظاهرة ضمن نطاق العدوى النفسية أو الهلاوس الجماعية التي تنشأ في ظل ظروف معينة تجمع بين الضغط النفسي، القلق، التأثير الاجتماعي، والإعلام الرقمي. هناك عدة عوامل تساهم في تفشي مثل هذه الظواهر عبر منصات التواصل الاجتماعي:

1. التوتر والقلق المتزايد

الأزمات الاجتماعية والسياسية أو حتى الشخصية التي يعيشها الأفراد تزيد من مستويات التوتر والقلق، مما يجعلهم أكثر عرضة لتفسير أي شعور غير مألوف على أنه مشكلة صحية أو عدوى.

2. التأثير الاجتماعي والعدوى النفسية

منصات التواصل مثل فيسبوك تعمل كبيئة خصبة لنشر الأفكار والمعتقدات، خصوصاً في شكل منشورات وفيديوهات تعبر عن تجربة شخصية. هذه المشاركات تؤدي إلى تقوية الاعتقاد بين الأفراد بأن أعراض معينة “حقيقية” ومشتركة، مما يحفز شعور العدوى النفسية بينهم.

3. نقص المعلومات الطبية الدقيقة

في ظل غياب التوعية الطبية أو عدم وصول معلومات صحيحة للأفراد، قد يلجأ المستخدمون إلى تبني تفسيرات غير دقيقة عن أسباب الأعراض، مما يؤدي إلى تصعيد الحالة.

4. قوة الانتماء الجماعي

الرغبة في الانتماء إلى مجموعة متشابهة في التجربة تعزز من انتشار الظاهرة، حيث يشعر الفرد بالأمان عند مشاركة مشاعره وأعراضه مع الآخرين الذين يمرون بنفس التجربة.

دراسة مقارنة بين الإصابة الحقيقية والهلاوس الجماعية

لتمييز ما إذا كانت الأزمة على فيسبوك نتيجة إصابة فعلية أو هلوسة جماعية، يمكن الاعتماد على مقارنة بين العلامات والدلائل المرتبطة بكل حالة.

تحليل الوضع عبر فيسبوك

أثبتت الدراسات أن منصات التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً في تعزيز انتشار الهلاوس الجماعية، خاصة في الظروف التي تعاني من توتر نفسي متزايد، كما هو الحال في العديد من الدول التي تواجه أزمات اقتصادية أو اجتماعية أو حتى صحية. في أزمة فيسبوك التي تم رصدها، كان التفاعل العاطفي المرتفع مع الأخبار والتقارير غير المؤكدة عن حالات الإصابة، فضلاً عن تعدد المنشورات التي تحكي تجارب شخصية متشابهة، من أهم المحركات التي أدت إلى اتساع الظاهرة.

كذلك، استخدام منصات التواصل لنشر شائعات أو معلومات غير دقيقة زاد من هيجان الحالة النفسية للمستخدمين، ما أدى إلى ظهور أعراض بدنية نفسية مثل الخوف، الذعر، وخفقان القلب، التي يمكن تفسيرها على أنها استجابة نفسية للجسم تحت ضغط اجتماعي جماعي.

دور الإعلام والمنصات الرقمية في الظاهرة

الإعلام التقليدي والرقمي يلعبان دوراً مزدوجاً في هذه الظواهر. من ناحية، يمكنهما نشر الوعي الطبي والصحي الصحيح، ومن ناحية أخرى، قد يسهمان في تضخيم المخاوف ونشر المعلومات غير المؤكدة التي تؤدي إلى هلوسات جماعية. في حالة الأزمة على فيسبوك، كان هناك قصور واضح في التحقق من صحة المعلومات التي تم تداولها، مما أسهم في تعزيز ظاهرة العدوى النفسية.

الاستراتيجيات المقترحة للحد من الظاهرة

مواجهة ظاهرة مثل هذه تتطلب تكاملاً بين عدة مستويات، منها التوعية الصحية النفسية، تعزيز قدرة الأفراد على التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، وتوفير دعم نفسي جماعي في المجتمعات المتأثرة. من الإجراءات الفعالة:

• تعزيز الوعي النفسي والاجتماعي: نشر مقالات، فيديوهات، ودورات تدريبية تشرح آليات الهلاوس الجماعية والعدوى النفسية وتأثيراتها.

• تحسين التحقق من المعلومات على منصات التواصل: تفعيل أنظمة للكشف المبكر عن الأخبار المضللة أو الشائعات التي تثير الذعر.

• توفير خدمات الدعم النفسي عبر الإنترنت: خاصة في المناطق التي تشهد انتشار الظاهرة، لتمكين الأفراد من الحصول على الاستشارات المناسبة.

• تعزيز الرقابة على المحتوى المثير للقلق: من خلال سياسات واضحة على فيسبوك وغيرها من المنصات.

الخلاصة

الأزمة التي انتشرت على فيسبوك، والتي اشتكى خلالها مستخدمون من أعراض صحية متشابهة، يمكن تفسيرها على الأغلب بأنها هلوسة جماعية أو ظاهرة عدوى نفسية اجتماعية ناتجة عن بيئة نفسية واجتماعية متوترة وانتشار معلومات غير دقيقة عبر وسائل التواصل. لا يوجد دليل طبي يدعم وجود إصابة عضوية حقيقية، بل يعكس الأمر تأثير القوى النفسية والاجتماعية في تشكيل واقع مشترك من الأعراض والمخاوف.

تؤكد هذه الأزمة أهمية فهم العلاقات المعقدة بين الصحة النفسية، الإعلام الرقمي، والتفاعلات الاجتماعية، وكيف يمكن لمجتمعاتنا الرقمية أن تؤثر على الأفراد بطرق قد تكون خفية لكنها قوية. بناء آليات علمية وتوعوية لمواجهة هذه الظواهر بات ضرورياً للحفاظ على صحة الأفراد النفسية والجسدية، وكذلك لتعزيز بيئة رقمية أكثر أماناً وشفافية.

المراجع

1. Bartholomew, R. E., & Wessely, S. (2002). Protean nature of mass sociogenic illness: From possessed nuns to chemical and biological terrorism fears. The British Journal of Psychiatry, 180(4), 300-306.

2. Noce, A. M., & Martin, J. M. (2018). Mass psychogenic illness and social media: The spread of anxiety and illness through digital communication. Journal of Social Psychology, 158(3), 318-327.