أركان الزواج في المذاهب الأربعة

أركان الزواج على المذاهب الأربعة

الزواج في الشريعة الإسلامية هو عقد اجتماعي وديني مهم، يتم بين الرجل والمرأة، ويهدف إلى تأسيس أسرة قائمة على المودة والرحمة. يعتبر الزواج من أسمى العقود التي أحلها الله عز وجل، وفرض لها أحكامًا وشروطًا محددة لضمان نجاح العلاقة الزوجية واستقرار الأسرة. وقد تناول الفقهاء أركان الزواج في مذاهبهم المختلفة، ودرسوا كل ركن من أركان هذا العقد من جوانب متنوعة، وفقًا لما تقتضيه النصوص الشرعية من قرآن كريم وسنة نبوية.

وفي هذا المقال، نستعرض أركان الزواج حسب المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفي، المالكي، الشافعي، والحنبلي، مع إبراز أوجه الاختلاف والتوافق بينهم.

1. ركن الزواج: العاقدان

الركن الأول من أركان الزواج هو العاقدان، أي الطرفين المتعاقدين في عقد الزواج، وهما: الزوج والمرأة. لا يصح عقد الزواج بدون وجود هذين الطرفين.

1.1. الزوج (الرجل)

في جميع المذاهب الإسلامية، يجب أن يكون الزوج حرًا بالغًا عاقلًا. يحق للرجل الزواج بأي امرأة لا يوجد بينها وبينهم عائق شرعي مثل المحارم أو النساء المعتدة من طلاق. لكن هناك بعض الشروط التي تتباين بين المذاهب حول صحة الزواج:

• في المذهب الحنفي: يشترط أن يكون الرجل قادرًا على الوفاء بمسؤوليات الزواج كالرعاية والإنفاق على الزوجة. ولا تجوز ولايته على المرأة إلا إذا كانت الرغبة المشتركة بين الزوجين قائمة.

• في المذهب المالكي: يشترط أن يكون الزوج من أهل الفقه الإسلامي.

• في المذهب الشافعي: يشترط أهلية الزوج في الاختيار وموارد المال، لكنه لا يوجب عليه أن يكون غنيًا.

• في المذهب الحنبلي: يشترط أن يكون الزوج بالغًا عاقلًا، وتعتبر أمانة الرجل في عقد الزواج من الأمور الهامة.

1.2. الزوجة (المرأة)

في جميع المذاهب، يجب أن تكون المرأة كذلك بالغة عاقلة، ويمكن أن تكون بكراً أو ثيبًا (أي سبق لها الزواج)، بشرط أن تكون خالية من موانع الزواج مثل العدة أو كونها من المحارم. غير أن الفقهاء اختلفوا في بعض التفاصيل:

• في المذهب الحنفي: يمكن للمرأة أن تزوج نفسها إذا كانت بالغة عاقلة، وإذا كانت فتاة بكرًا، فهي تحتاج إلى إذن وليها في الزواج.

• في المذهب المالكي: يشترط أن تكون المرأة ذات اختيار حر في عقد الزواج، وأيضًا يستوجب إذن الولي في حالة البكر.

• في المذهب الشافعي: يشترط إتمام المرأة للسن البالغ، ورغم أن الفقه الشافعي يسمح للمرأة البكر بالزواج دون إذن وليها إذا كانت قادرة على الرأي، فإنه يفضل رأي الولي في حال الزواج الأول.

• في المذهب الحنبلي: يشترط أن يكون الزواج برضا المرأة الحرة البالغة العاقلة، أما إذا كانت قاصرًا أو في حالة عدم قدرتها على تقرير مصيرها، فإن الولي يتحمل الدور الأكبر في قرار الزواج.

2. ركن الزواج: الولي

الركن الثاني من أركان الزواج هو الولي. يشترط في أغلب المذاهب أن يكون هناك ولي للمرأة، وهو الشخص الذي يتولى عقد الزواج نيابة عن المرأة. والولي يتنوع بين الأوصياء الشرعيين في المذاهب الأربعة، إلا أن جميعهم يتفقون على أن الولي هو من يرعى ويقرر زواج المرأة بناءً على مصلحتها. تتباين الآراء حول ضرورة الولي في بعض الحالات:

• في المذهب الحنفي: لا يحتاج الزواج إلى ولي في حالة المرأة البالغة العاقلة، وإن كانت بكراً، يشترط إذنها.

• في المذهب المالكي: يشترط الولي سواء في البكر أو الثيب، مع أخذ مشورة المرأة إذا كانت قادرة على الاختيار.

• في المذهب الشافعي: يشترط وجود الولي البالغ العاقل في الزواج، ويستثني الحالات التي فيها الولي لا يتواجد أو تكون المرأة غير قادرة على تحديد خياراتها.

• في المذهب الحنبلي: لا يتم عقد الزواج بدون ولي، ويشترط وجود الولي وفقًا للشروط التي حددها فقهاء المذهب.

3. ركن الزواج: الشهادة

الركن الثالث من أركان الزواج هو الشهادة. يشترط في عقد الزواج وجود شاهدين عدلين، وذلك للقبول الرسمي لهذا العقد أمام المجتمع، ولضمان استقرار الحقوق بين الزوجين:

• في المذهب الحنفي: يشترط وجود شاهدين عدلين في العقد، ولا يكفي الزواج بدون شهادة.

• في المذهب المالكي: يجب أن يكون الشاهدان حاضرين عند عقد الزواج، وأن يكونا عدلين في جميع الأوقات.

• في المذهب الشافعي: يتفق مع باقي المذاهب في اشتراط الشهادتين العدلتين في العقد.

• في المذهب الحنبلي: يعد الشاهدان من الأركان الأساسية، لكن يضاف إليهما بعض الأمور مثل الطهارة من العيوب.

4. ركن الزواج: المهر

المهر هو العوض الذي يدفعه الرجل للمرأة في عقد الزواج، وهو جزء أساسي في أركان الزواج. وقد ذكر المهر في القرآن الكريم بقوله تعالى: “وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً” (النساء: 4). يشترط المهر في جميع المذاهب الإسلامية، لكن تفاصيله تتباين:

• في المذهب الحنفي: يشترط دفع المهر، وهو حق للمرأة، ويجب أن يتم تحديده في العقد. يحق للمرأة طلب المهر الكامل في حال وقوع الطلاق قبل الدخول.

• في المذهب المالكي: يجب تحديد المهر في عقد الزواج. وإذا تم الطلاق قبل الدخول، يتم دفع نصف المهر.

• في المذهب الشافعي: يشترط المهر ولا يتم الزواج دون تحديده. وإذا كان الطلاق قبل الدخول، يجوز للمرأة المطالبة بالمهر كاملاً.

• في المذهب الحنبلي: يشترط المهر في عقد الزواج، ويجوز أن يكون نقدًا أو عينًا، ويحق للمرأة مطالبة المهر كاملاً إذا تم الطلاق قبل الدخول.

5. ركن الزواج: العبارة (الصيغة)

الركن الأخير من أركان الزواج هو العبارة أو الصيغة التي يذكرها العاقدان عند عقد الزواج. تعتبر الصيغة الوسيلة الشرعية لإعلان موافقة الطرفين على العقد. تجدر الإشارة إلى أن الصيغة قد تختلف في بعض المذاهب:

• في المذهب الحنفي: يتم عقد الزواج بعبارة مثل: “زوجتك فلانة”، ويجب أن تكون الصيغة صريحة وواضحة.

• في المذهب المالكي: يشترط أن تتم صيغة العقد بصيغة واضحة من الزوجين، ويجب أن يكون العقد بلفظ صريح مثل: “زوجتك فلانة” أو “تزوجت فلانة”.

• في المذهب الشافعي: يشترط أن تكون الصيغة واضحة وسليمة، ويجب أن تتضمن قبول الطرفين بالعقد.

• في المذهب الحنبلي: يشترط أن تكون العبارة واضحة من الزوجين، مع التأكيد على أنها صريحة وبلا غموض.

الخاتمة

تتفق المذاهب الإسلامية الأربعة على الأركان الأساسية لعقد الزواج وهي: العاقدان، الولي، الشهادة، المهر، والعبارة. لكن هناك تفاوت في بعض التفاصيل التي تتعلق بترتيب أولويات هذه الأركان، وخصوصيات كل مذهب فيما يتعلق بشروط الصحة والتنفيذ. في النهاية، جميع المذاهب تؤكد على أن الزواج عقد شريف ينبغي أن يتسم بالاحترام والتفاهم بين الزوجين، وأنه يعتبر أحد أهم الأهداف التي تحقق التوازن الاجتماعي والأسري في المجتمع الإسلامي.