أديان اليابان الكبرى

أكبر الأديان في دولة اليابان، الديانات في اليابان، الشينتوية، البوذية، التنوع الديني، الثقافة الدينية في اليابان

الديانات في اليابان: دراسة معمقة حول التعدد الديني وأكبر الأديان في البلاد

تُعدّ اليابان واحدة من أكثر البلدان تميزاً في العالم من حيث تداخل الدين والثقافة والتقاليد الاجتماعية، حيث يُمارَس الدين في اليابان بطريقة تختلف كثيراً عن المألوف في الدول الأخرى. فعلى الرغم من أن الديانات الكبرى مثل الشينتوية والبوذية تهيمن على المشهد الديني، إلا أن اليابانيين لا ينظرون إلى الدين كعقيدة حصرية أو كهوية طائفية، بل يُنظر إليه كجزء من الطقوس اليومية والثقافة التقليدية، مما يجعل من فهم الدين في اليابان مهمة معقدة وعميقة.

يُلاحظ أن معظم اليابانيين لا يعتنقون ديناً معيناً بمعناه الصارم، بل يشاركون في طقوس دينية مختلفة في مراحل متعددة من حياتهم. يزورون المعابد الشنتوية عند الولادة والاحتفالات، والمعابد البوذية عند الوفاة، ويشاركون في طقوس تُعتبر دينية بطبيعتها دون أن يُعرّفوا أنفسهم بالضرورة كمؤمنين ملتزمين. هذا الانفتاح الديني المتسامح مع التعدد هو ما يمنح الحياة الدينية في اليابان طابعاً فريداً، يجمع بين الإرث الثقافي والممارسات الرمزية.

الشينتوية (神道): الدين الأصلي والأكثر تواجداً

تُعتبر الشينتوية الديانة الأصلية لليابان، وهي منظومة معتقدات روحية قديمة تُرجع جذورها إلى العصور السابقة للتاريخ المكتوب. الشينتوية لا تُعدّ ديانة مؤسسة بالمعنى التقليدي، فهي بلا مؤسس معروف، ولا كتاب مقدّس موحد، وتعتمد بشكل كبير على العادات والممارسات المرتبطة بطبيعة اليابان وتقديس الأرواح (الكامي 神) التي تُعتقد بأنها تسكن في العناصر الطبيعية، مثل الجبال والأنهار والأشجار، وكذلك في الأسلاف.

الشينتوية تُعنى بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة، وهي ديانة تقوم على الطقوس الطهورية والاحتفالات الموسمية، وتنتشر في جميع أنحاء اليابان من خلال المعابد الشنتوية المنتشرة في المدن والقرى، التي يفوق عددها 80 ألف معبد.

الشينتوية ليست فقط ديانة، بل هي جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والقومية اليابانية. فالطقوس الشنتوية تُمارَس في مناسبات مثل الزواج، احتفالات السنة الجديدة، والاحتفالات الوطنية التي تؤكد على ارتباط الأمة بإمبراطورها الذي يُنظر إليه تقليدياً كنسل من الإلهة الشمس “أماتيراسو”.

البوذية (仏教): الديانة الثانية الأكثر انتشاراً وتأثيراً

دخلت البوذية إلى اليابان في القرن السادس الميلادي قادمة من الصين وكوريا، وقد تبنّاها البلاط الإمبراطوري آنذاك كوسيلة لتعزيز الثقافة والتنمية السياسية. تطورت البوذية في اليابان بمرور الوقت إلى عدة مذاهب محلية، منها الزِن (Zen) والمدرسة الأرض النقية (Jōdo) ومدرسة نيتشيرين (Nichiren). هذه الفروع تعكس تنوعاً عميقاً في الفهم الفلسفي والروحي والتطبيقي للبوذية.

البوذية في اليابان تُمارس غالباً جنباً إلى جنب مع الشينتوية، ويُقدّر أن حوالي 70٪ من السكان يشاركون في طقوس بوذية على الرغم من أن نسبة قليلة فقط تُعرّف نفسها على أنها بوذية بالمعنى الديني. تُستخدم المعابد البوذية بشكل رئيسي في الطقوس الجنائزية، وتُعد البوذية الإطار الرئيسي لفهم الموت والحياة الآخرة في الثقافة اليابانية.

ما يميز البوذية اليابانية هو التكيّف الفريد مع البيئة المحلية والاندماج في الحياة اليومية، حتى أن بعض المدارس مثل زن أصبحت رموزاً للبساطة والتأمل، وأثّرت في فنون اليابان مثل الخط، وفنون القتال، والهندسة المعمارية.

التوفيق الديني: التعايش بين الشينتوية والبوذية

من الخصائص الفريدة للديانة في اليابان هو مفهوم “سينكريتية” الأديان، أي التوفيق بين المعتقدات المختلفة وممارستها دون تناقض. فمن الشائع جداً أن يولد الشخص في طقس شينتوي، ويتزوج في احتفال شينتوي، ثم تُقام جنازته في طقس بوذي. هذه الازدواجية لا تُعتبر ازدواجاً بالمعنى العقائدي، بل انعكاساً لطبيعة الدين المرنة في اليابان.

في الواقع، ساعد هذا التعايش في استقرار الحياة الدينية، وعدم بروز نزاعات دينية كبيرة كما حصل في مناطق أخرى من العالم. ويتم تدريس الأطفال في المدارس عن تاريخ كلتا الديانتين دون فرض أي منها، مما يُعزز من التسامح الديني والانفتاح الثقافي.

الديانات الجديدة (新宗教): تيارات معاصرة ذات طابع ديني وروحي

إلى جانب الشينتوية والبوذية، ظهرت في اليابان خلال القرنين الماضيين العديد من الحركات الدينية الجديدة، والتي تُعرف باسم “شينشوكيو” (Shinshūkyō). هذه الحركات تتفاوت من حيث العدد والتأثير، ومن أبرزها:

• سوكا غاكاي (Soka Gakkai): وهي حركة بوذية حديثة تُعتبر واحدة من أكبر المنظمات الدينية في اليابان، ولها امتداد سياسي من خلال حزب كوميتو.

• أوموتو، تينريكيو، سيشوتو نو إي: وهي تيارات تجمع بين عناصر من الشينتوية، البوذية، والمعتقدات الروحية الحديثة.

غالباً ما تنشأ هذه الحركات كردّ فعل على التحولات الاجتماعية أو الكوارث الطبيعية أو الشعور بالفراغ الروحي، وتقدم لأتباعها إجابات جديدة تتماشى مع العصر الحديث. بعض هذه الحركات تعرضت لانتقادات واسعة، خاصة بعد الحادث الإرهابي الذي نفذته طائفة أوم شنريكيو (Aum Shinrikyo) في مترو طوكيو عام 1995، ما أدى إلى رقابة أكبر على الحركات الدينية الجديدة.

المسيحية في اليابان: ديانة أقلية ذات حضور ثقافي

رغم أن المسيحية تُعتبر ديانة عالمية كبرى، إلا أن وجودها في اليابان محدود نسبياً. دخلت المسيحية إلى اليابان في القرن السادس عشر على يد المبشّر اليسوعي فرانسيس كزافييه، لكنها واجهت قمعاً عنيفاً خلال حقبة الإقطاعية، وتم حظرها لقرون.

اليوم، يُقدّر عدد المسيحيين في اليابان بحوالي 1٪ فقط من السكان، ومع ذلك فإن للمسيحية تأثيراً غير مباشر في المجتمع الياباني، يظهر في المدارس التي أسسها المبشرون، وبعض الممارسات الثقافية مثل الاحتفال بعيد الميلاد على الطريقة الغربية، رغم أنه ليس مناسبة دينية عند الأغلبية.

الإسلام والديانات الأخرى: حضور محدود وتأثير ثقافي متواضع

الإسلام هو من الديانات الصغيرة جداً في اليابان، ويُقدّر عدد المسلمين بما يتراوح بين 100,000 إلى 200,000 شخص، معظمهم من المقيمين الأجانب والطلاب والعمال. يتواجد عدد محدود من المساجد والمراكز الإسلامية، مثل مسجد طوكيو الشهير. لا توجد موانع قانونية تجاه ممارسة الإسلام، لكنه لا يلقى حيزاً كبيراً في الحياة العامة.

كما توجد ديانات أخرى بأعداد صغيرة جداً مثل الهندوسية، السيخية، البهائية، واليهودية، وغالبيتها مرتبطة بالجاليات الأجنبية.

الإحصاءات الدينية في اليابان: نظرة رقمية

لفهم التوزيع الديني في اليابان، نقدم الجدول التالي الذي يعكس النسب التقريبية للتديّن:

تجدر الإشارة إلى أن هذه النسب تتداخل نظراً لتعدد الانتماءات الدينية لدى الفرد الواحد، وهو ما يعكس الخصوصية الدينية لليابان.

الخلاصة: الدين في اليابان كهوية ثقافية وليست عقيدة مغلقة

الديانات في اليابان لا يمكن حصرها في تعريفات ضيقة، لأنها تتجاوز الإطار العقائدي لتصبح جزءاً من الثقافة والعادات والهوية القومية. الشينتوية والبوذية ليستا فقط ديانتين، بل نظامان رمزيان عميقان يعكسان طبيعة العلاقة بين الإنسان والعالم في الفكر الياباني. هذا التوازن الفريد بين الروحانية والانفتاح هو ما يجعل الدين في اليابان تجربة مختلفة، تتسم بالمرونة، التسامح، والجمال الرمزي.

المصادر:

1. Hardacre, Helen. Shinto: A History. Oxford University Press, 2017.

2. Breen, John & Teeuwen, Mark. A New History of Shinto. Wiley-Blackwell, 2010.