8 أخطاء يرتكبها شباب العشرينات

تُعد فترة العشرينات من العمر واحدة من أكثر المراحل حساسية وتأثيرًا في تشكيل ملامح المستقبل، سواء على المستوى المهني أو الشخصي أو النفسي. خلال هذه السنوات، يتعرض الفرد لتحولات جوهرية تشمل استقلاله المادي، واتخاذ قرارات حاسمة بشأن التعليم، العمل، العلاقات، الهوية، والمستقبل ككل. ورغم ما تحمله هذه المرحلة من طموحات وتطلعات، فإنها مليئة بالتحديات التي قد تدفع بالكثير من الشباب إلى ارتكاب أخطاء جسيمة قد تؤثر على مجرى حياتهم لعقود قادمة.

في هذا المقال، سيتم التطرق إلى ثمانية من أكثر الأخطاء شيوعًا التي يقع فيها شباب العشرينات، مع تحليل عميق لكل خطأ وتفسير أسبابه ونتائجه المحتملة، وذلك في إطار علمي وتطبيقي يعكس الواقع النفسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه الجيل الحالي.

1. السعي وراء الكمال بدل التقدم التدريجي

كثير من الشباب في العشرينات يضعون لأنفسهم أهدافًا مثالية يصعب تحقيقها في وقت قصير. قد يحاول الشاب أن يكون ناجحًا في العمل، محبوبًا اجتماعيًا، رياضيًا مثاليًا، صاحب دخل مرتفع، ومؤثرًا في مجاله، وكل ذلك في آنٍ واحد. هذا السعي المحموم نحو الكمال يجعل الفرد عُرضة للإرهاق الذهني والنفسي، بل ويؤدي إلى شعور دائم بعدم الكفاية.

يرتبط هذا الخطأ بما يُعرف في علم النفس بـ”متلازمة المحتال” (Impostor Syndrome)، وهي حالة يشعر فيها الفرد بأنه لا يستحق النجاح الذي حققه، فيُقلل من شأن إنجازاته مقارنة بإنجازات الآخرين. ويقود هذا إلى التقليل من قيمة التقدم التدريجي والإنجازات الصغيرة التي تُعد ضرورية لبناء النجاح طويل الأمد.

النجاح الحقيقي لا يتحقق دفعة واحدة، وإنما عبر مراحل مستمرة من التطوير الذاتي، والتعلم من الأخطاء، وتعديل الأهداف حسب الظروف الواقعية.

2. تجاهل أهمية الصحة النفسية

واحدة من أبرز الأخطاء القاتلة التي يرتكبها شباب العشرينات هي تجاهل أو التقليل من أهمية الصحة النفسية. في هذه المرحلة، تكثر التحديات النفسية المرتبطة بالقلق، الاكتئاب، الخوف من المستقبل، عدم الثقة بالنفس، والصدمات العاطفية. ورغم انتشار هذه الحالات، إلا أن عددًا كبيرًا من الشباب يتعامل معها بأسلوب التجاهل أو الإنكار، متجنبين التحدث عنها أو السعي للعلاج.

تشير الدراسات إلى أن أكثر من 50% من الأمراض النفسية تبدأ بالظهور في سن العشرينات، إلا أن نسبة ضئيلة فقط من الشباب تطلب المساعدة من مختصين. هذا التجاهل قد يقود إلى تدهور الحالة النفسية على المدى البعيد، ويؤثر سلبًا على جودة الحياة، والعلاقات الاجتماعية، والإنتاجية في العمل.

الصحة النفسية ليست رفاهية، بل ركيزة أساسية للاستقرار الشخصي والمهني، ويجب الاهتمام بها بالقدر ذاته الذي يُولى للصحة الجسدية.

3. المماطلة في اتخاذ القرارات المهمة

يميل الكثير من الشباب إلى تأجيل اتخاذ القرارات المصيرية، مثل اختيار التخصص الجامعي، أو تغيير الوظيفة، أو الانتقال من منزل الأسرة، أو بدء مشروع خاص، بسبب الخوف من الفشل أو عدم اليقين. هذا التأجيل المتكرر قد يؤدي إلى ضياع سنوات حاسمة من حياة الفرد.

يرتبط هذا الخطأ بما يُعرف بـ”الشلل التحليلي” (Analysis Paralysis)، حيث يفرط الشخص في التفكير بجميع السيناريوهات السلبية المحتملة دون اتخاذ أي خطوة عملية. وبدلًا من الاستفادة من العشرينات كمختبر للتجربة والتعلم، يتحول الفرد إلى كائن ساكن، يتردد ولا يتحرك، ما يُضيّع فرصًا لا تعوض.

القرار المثالي قد لا يوجد، ولكن القرار المعقول المبني على وعي وتحليل منطقي أفضل بكثير من حالة الجمود والتردد.

4. الاستسلام لضغوط المقارنة الاجتماعية

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الشباب أكثر عرضة لما يُسمى بـ”ثقافة المقارنة”، حيث يقارنون حياتهم اليومية بتلك الصور المثالية التي يعرضها الآخرون على الإنترنت. هذه المقارنات غالبًا ما تكون غير عادلة، لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار الواقع الكامل لحياة الآخرين، بل تركز فقط على لحظاتهم المضيئة.

الانغماس في دوامة المقارنة يؤدي إلى تآكل التقدير الذاتي، ويزيد من مشاعر الإحباط والفشل. والأسوأ من ذلك أن البعض يُعيد تشكيل أهدافه وطموحاته وفقًا لما يراه من نجاحات الآخرين، وليس بناءً على ما يناسب قدراته واهتماماته الشخصية.

التقدم الشخصي يجب أن يُقاس بناءً على الوضع السابق للفرد، وليس على ما وصل إليه الآخرون في ظروف مختلفة تمامًا.

5. الإنفاق غير المسؤول وعدم الادخار

يُعد الإنفاق العشوائي واحدًا من أبرز المشكلات المالية التي يعاني منها شباب العشرينات، إذ يُقبل كثير منهم على الإنفاق المفرط على الكماليات مثل الأجهزة الحديثة، الملابس الفاخرة، الرحلات، والأنشطة الترفيهية، دون وجود خطة مالية واضحة أو ميزانية محددة.

عدم الاهتمام بالادخار أو التخطيط المالي يؤدي إلى خلق فجوة بين الدخل والمصروفات، وهو ما يُفضي في كثير من الحالات إلى تراكم الديون أو الاعتماد على الآخرين. كما يُحرم الفرد من فرص استثمارية مستقبلية كان يمكنه الاستفادة منها لو توفرت له موارد مالية مستقرة.

تبني العادات المالية السليمة في العشرينات يُعد استثمارًا طويل الأجل يُؤمن للفرد استقرارًا ماليًا خلال الثلاثينات والأربعينات.

6. الانخراط في علاقات غير صحية

في العشرينات، يكون الكثير من الشباب في حالة بحث نشطة عن الشريك العاطفي، سواء بهدف الارتباط الجاد أو بدافع التجربة. وقد يؤدي هذا إلى الدخول في علاقات غير صحية أو مؤذية، نتيجة الاندفاع العاطفي أو قلة النضج النفسي أو عدم وضوح المعايير.

العلاقات غير الصحية تستنزف طاقة الفرد، وتؤثر على ثقته بنفسه، وتُعيق تطوره الشخصي والمِهني. في كثير من الحالات، يبرر الشباب استمرارهم في هذه العلاقات بحجة الخوف من الوحدة أو صعوبة البدء من جديد، وهي مبررات تؤدي إلى التعلق المرضي بدلًا من بناء علاقة متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل والدعم العاطفي.

اختيار الشريك ليس قرارًا عابرًا، بل محطة مفصلية تتطلب وعيًا عاطفيًا ونضجًا داخليًا عميقًا.

7. تجاهل بناء المهارات العملية

يركز العديد من الشباب على التحصيل الأكاديمي كوسيلة وحيدة للنجاح، ويتجاهلون أهمية المهارات العملية التي تُعد من الركائز الأساسية في سوق العمل الحديث. مهارات مثل التواصل الفعال، إدارة الوقت، العمل الجماعي، التفكير النقدي، والقيادة لا تُكتسب داخل القاعات الدراسية، وإنما من خلال التجربة الميدانية والانخراط في أنشطة متنوعة.

تُظهر الدراسات الحديثة أن أصحاب العمل لا يبحثون فقط عن شهادات أكاديمية، بل يُعطون الأولوية للمرشحين الذين يمتلكون سجلًا قويًا من المهارات القابلة للتطبيق. عدم اكتساب هذه المهارات خلال العشرينات يجعل الشاب أقل قدرة على المنافسة ويُعرضه لتهميش مهني متكرر.

النجاح المهني لا يتحقق بالمؤهلات النظرية فقط، بل بمدى قدرة الفرد على تطبيق ما يعرفه وتحسين نفسه باستمرار.

8. الابتعاد عن بناء شبكة علاقات فعالة

واحدة من الأخطاء الاستراتيجية التي يقع فيها شباب العشرينات هي التقليل من أهمية العلاقات المهنية والاجتماعية، أو الانغلاق على أنفسهم بدعوى الاستقلال أو الانشغال. في الواقع، تُعد شبكة العلاقات (Networking) من أقوى الأدوات التي تفتح الأبواب للفرص الوظيفية والتعليمية والمجتمعية.

الأبحاث تشير إلى أن جزءًا كبيرًا من فرص العمل لا يُعلن عنها بشكل رسمي، بل يتم تمريرها عبر الشبكات الشخصية والمهنية. كذلك، تُساهم العلاقات الجيدة في تحفيز التفكير، وتبادل المعرفة، وتقديم الدعم في الأوقات الصعبة.

بناء العلاقات لا يعني النفاق أو التزلف، بل يتطلب أصالة في التعامل، واستعدادًا لتقديم المساعدة كما هو الحال في تلقيها.

جدول يوضح مقارنة بين الأخطاء وتأثيرها

المراجع

1. Brown, B. (2012). Daring Greatly: How the Courage to Be Vulnerable Transforms the Way We Live, Love, Parent, and Lead. Gotham Books.

2. Twenge, J. M. (2017). iGen: Why Today’s Super-Connected Kids Are Growing Up Less Rebellious, More Tolerant, Less Happy–and Completely Unprepared for Adulthood. Atria Books.