أخطاء الأهل أمام الأطفال

ستة أشياء لا ينبغي أبداً أن يقوم بها الأهل أمام أولادهم

تتجاوز علاقة الأهل بأبنائهم مجرد علاقة بيولوجية أو قانونية، فهي أساس بناء شخصية الطفل ونموه النفسي والاجتماعي. الأطفال لا يرون في الأهل فقط مصدر الحماية والرعاية، بل أيضاً قدوة يتعلمون منها سلوكياتهم وقيمهم وأسلوب تعاملهم مع الحياة. لذلك، فإن كل تصرف يقوم به الأهل أمام أبنائهم يترك أثراً عميقاً في نفوسهم، سواء كان هذا الأثر إيجابياً أو سلبياً. وفي هذا السياق، هناك بعض السلوكيات التي يجب على الأهل تجنبها تماماً أمام أطفالهم، لأنها قد تؤثر على نفسية الطفل، وتشوه صورته عن ذاته، أو تضعف الثقة بينه وبين والديه.

1. التعبير عن الغضب أو التوتر بشكل مفرط

الغضب والتوتر مشاعر طبيعية يمر بها كل إنسان، لكن كيفية التعبير عنها أمام الأطفال تكتسب أهمية كبيرة. عندما يرى الطفل والديه يصرخان أو يتلفظان بألفاظ نابية أو يعبران عن غضبهما بشكل مبالغ فيه، فإن ذلك يزرع في ذهن الطفل حالة من القلق والخوف، ويشعر بعدم الأمان داخل بيته. هذا الشعور قد يؤدي إلى توتر مستمر في الطفل، ويجعله يعتاد على سلوكيات عدوانية أو سلبية. كذلك، قد يصبح الطفل غير قادر على التحكم في مشاعره بسبب ما يشاهده من محيطه.

التعبير عن الغضب يجب أن يكون هادئاً ومنظماً، مع شرح السبب بطريقة مبسطة للأطفال حتى يفهموا أن الغضب شعور طبيعي لكنه يجب التحكم به وعدم السماح له بالتأثير على الآخرين.

2. استخدام النقد المفرط أو الإهانة

النقد الدائم أو توجيه الإهانات أمام الأطفال يمثل أحد أخطر السلوكيات التي يمكن أن يمارسها الأهل. عندما يتم انتقاد الطفل بشكل مبالغ فيه أو استخدام ألفاظ تحط من قيمته، فإن ذلك ينعكس سلباً على ثقته بنفسه ويضعف تقديره لذاته. الأطفال يحتاجون إلى التشجيع والدعم أكثر من اللوم المستمر، لأن النقد الجارح يخلق شعوراً بالعجز والضعف.

الأهل الذين يعلقون على أخطاء أبنائهم بشكل بناء ويستخدمون لغة إيجابية يساهمون في بناء شخصية قوية ومتزنة للأطفال. لذلك، يجب الابتعاد عن عبارات مثل “أنت غبي” أو “لا تصلح لأي شيء” أو “لماذا أنت دائماً مخطئ؟” لأنها تترك ندوباً نفسية عميقة.

3. مناقشات ومشاحنات الأزواج أمام الأطفال

البيت هو الملاذ الآمن للأطفال، ومشاهدة الخلافات الحادة بين الأهل تزعزع هذا الأمان. لا يعني هذا إخفاء المشاكل أو تجاهلها، ولكن من الأفضل ألا تكون مشاحنات الأهل أمام الأبناء. هذا النوع من الصراعات يعرض الطفل لحالة من التوتر النفسي، وقد يسبب له القلق المستمر أو حتى اضطرابات النوم والسلوك.

عندما يشاهد الطفل والديه يتشاجران بشكل عنيف، فإنه قد يشعر بالذنب أو الخوف من انهيار الأسرة. كما أن هذا قد يجعل الطفل يقلد هذا السلوك العدواني في تعامله مع أقرانه. من الأفضل أن يحاول الأهل حل مشاكلهم بعيداً عن أذان الأطفال، وأن يظهروا أمامهم صورة الوحدة والتفاهم حتى في أوقات الخلاف.

4. التحدث بسلبية عن أحد أفراد الأسرة أو الأقارب

التحدث بسلبية عن أحد أفراد الأسرة، مثل الأب أو الأم أو الجد أو الجدة، أمام الأطفال يؤثر سلباً على انتمائهم الأسري ويزرع في نفوسهم مشاعر الشك والقلق. الأطفال يتعلمون من هذا التوجه أن العائلة ليست وحدة متماسكة، وقد يفقدون احترامهم لأحد أفراد الأسرة بناءً على ذلك. هذا يؤثر على روابط المحبة والاحترام التي يجب أن تسود في بيئة الأسرة.

يجب أن يتجنب الأهل الحديث السيء عن أفراد الأسرة الآخرين أمام الأطفال، وأن يعززوا لديهم مفهوم الاحترام والتسامح، حتى في حالة وجود خلافات داخلية.

5. إظهار انعدام الثقة أو اليأس بشكل مستمر

الطفل يتأثر كثيراً بموقف الأهل تجاه الحياة ومستقبلهم. إذا شاهد الأهل يعبرون عن اليأس، فقدان الأمل، أو انعدام الثقة بالنفس، فإنه يبدأ بتشكيل نظرة سلبية تجاه ذاته والعالم. قد يصبح الطفل متشائماً أو غير متحفز لتحقيق أهدافه، ويشعر بأن المستقبل مظلم لا جدوى منه.

لذلك، يجب على الأهل أن يظهروا التفاؤل والأمل، وأن ينقلوا لأطفالهم قوة الإرادة والقدرة على التغلب على الصعاب. الأمل هو وقود النمو والتطور، وغيابه يولد شعوراً بالعجز والاستسلام.

6. تجاهل التعبير عن الحب والمودة

قد يظن البعض أن التعبير عن الحب للمرة الواحدة أو الإيماءات اللفظية غير ضرورية، أو أنها نوع من الضعف، لكن تجاهل إظهار الحب والمودة أمام الأطفال هو خطأ فادح. الأطفال يحتاجون لأن يشعروا بأنهم محبوبون ومقبولون بغض النظر عن أخطائهم أو سلوكياتهم.

عدم إظهار الحب قد يجعل الطفل يشعر بعدم الأمان، وقد يبحث عن تقدير الحب خارج المنزل في أماكن قد لا تكون آمنة. كما أن الحب والحنان يساعدان على بناء شخصية الطفل وتطوير قدراته الاجتماعية والعاطفية.

تأثير هذه السلوكيات على نمو الطفل

تؤثر هذه السلوكيات بصورة مباشرة على تكوين شخصية الطفل النفسية والاجتماعية، وقد تسبب مشكلات عدة على المدى الطويل، من بينها:

• انخفاض الثقة بالنفس: الطفل الذي ينشأ في بيئة تنتقده باستمرار أو لا تعبر له عن الحب، ينمو مع شعور دائم بعدم الكفاءة.

• مشكلات سلوكية: قد يتعلم الطفل السلوك العدواني أو الانسحاب نتيجة تعرضه لمشاحنات أو عواطف سلبية أمامه.

• صعوبات في التواصل والعلاقات الاجتماعية: الطفل الذي يربى في جو مشحون بالغضب أو الخلافات، يعاني غالباً من صعوبات في بناء علاقات صحية مع الآخرين.

• اضطرابات نفسية: مثل القلق، الاكتئاب، أو مشاكل في التحكم بالمشاعر.

نصائح للأهل للحفاظ على بيئة نفسية صحية للأطفال

• التحكم في المشاعر والتعبير الهادئ: تعلم كيفية التعبير عن الغضب أو التوتر بطريقة بناءة وهادئة، مع شرح أسباب الشعور للأطفال.

• استخدام لغة إيجابية: التركيز على تشجيع الأطفال وتقويمهم بشكل إيجابي، بدلاً من النقد اللاذع.

• إدارة الخلافات الأسرية بعيداً عن الأطفال: الحفاظ على مناخ أسري هادئ أمام الأطفال، والتعامل مع الخلافات بشكل خاص.

• تعزيز الحب والمودة: التعبير المستمر عن الحب والاهتمام، سواء بالكلمات أو بالأفعال.

• القدوة الحسنة: التصرف أمام الأطفال بطريقة تعكس القيم التي ترغب في زرعها في نفوسهم، كالصبر، الاحترام، والتفاؤل.

جدول يوضح تأثير السلوكيات السلبية للأهل على الطفل

خاتمة

إن دور الأهل في حياة الطفل لا يقتصر على توفير الاحتياجات المادية فقط، بل يتعداه إلى توفير بيئة نفسية واجتماعية صحية تنمي شخصيته وتبني ثقته بنفسه وقدرته على مواجهة تحديات الحياة. لذلك، من الضروري تجنب السلوكيات السلبية التي تترك أثراً سيئاً في نفس الطفل، والعمل على خلق جو من الحب والاحترام والتفاهم داخل الأسرة. يتطلب ذلك وعي الأهل بأهمية تأثير تصرفاتهم أمام أبنائهم، والتزامهم بتقديم نموذج إيجابي في كل الأوقات، ليكبر الطفل سوي النفس، قوي الشخصية، قادر على بناء علاقات صحية ناجحة مع محيطه.

المصادر

• كريستينا هيرمان، علم نفس الطفل: النمو والتطور، 2019.

• جون غروسمان، تأثير البيئة الأسرية على الطفل، مجلة علم النفس التطبيقي، 2021.