أحكام وشروط العمرة

أحكام العمرة وشروطها

تُعد العمرة من أعظم القُربات والطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، وقد شُرعت رحمةً من الله بعباده، فهي شعيرة متميزة في الإسلام تُطهّر القلوب وتغسل الذنوب، وتتجلى فيها عظمة العبادة ومكانة البيت الحرام في قلوب المسلمين. وتكتسب العمرة أهميتها من كونها عبادة مستقلة، ومُكمِّلة للحج في أحيان أخرى، ومن هنا فإن فهم أحكامها وشروطها يعد من الأسس التي ينبغي أن يحرص المسلم على تعلمها.

تعريف العمرة

العمرة في اللغة تعني الزيارة، وفي الشرع: زيارة بيت الله الحرام بنية أداء مناسك مخصوصة، وهي: الإحرام، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير. والعمرة تختلف عن الحج في كونها لا تُؤدى في وقت مخصوص، بل هي جائزة في سائر أيام السنة، بخلاف الحج الذي له وقت معلوم.

حكم العمرة

اختلف الفقهاء في حكم العمرة، هل هي واجبة على المسلم في العمر مرة كالحج، أم أنها سنة مؤكدة؟ وبيان هذا الخلاف كما يلي:

• القول الأول (الوجوب): ذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة، وهو أحد قولي المالكية، إلى أن العمرة واجبة في العمر مرة على المستطيع، مستدلين بقول الله تعالى:

  ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196].

  وكذلك استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

  “يا عبد الرحمن، اذهب بأختك فلتعتمر من التنعيم” متفق عليه.

• القول الثاني (السنية): ذهب المالكية، وبعض فقهاء الحنفية، إلى أن العمرة سنة مؤكدة وليست فرضًا، مستندين إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشدد في أمرها كما شدد في الحج، ولأنها لم تُذكر صراحة في أركان الإسلام.

والراجح عند كثير من المحققين من العلماء هو قول الجمهور بوجوبها على القادر مرة في العمر.

شروط العمرة

حتى تصح العمرة ويُثاب المسلم على أدائها، لا بد من توفر شروط معينة تُسمى شروط الوجوب، وشروط أخرى تُسمى شروط الصحة. وفيما يلي تفصيل هذه الشروط:

أولاً: شروط وجوب العمرة

1. الإسلام: فلا تجب على غير المسلم.

2. البلوغ: فلا تجب على الصبي حتى يبلغ.

3. العقل: فلا تجب على المجنون.

4. الحرية: فلا تجب على العبد لعدم استطاعته التامة.

5. الاستطاعة: وهي القدرة المالية والبدنية والزمانية، ويُقصد بها أن يملك الزاد والراحلة فوق حاجاته الأصلية.

ثانيًا: شروط صحة العمرة

1. الإحرام من الميقات المخصص: ويُعتبر من أركان العمرة، فمن ترك الإحرام أو أحرم من غير ميقاته فعليه دم.

2. النية: لأن الأعمال بالنيات، فلا تصح العمرة إلا بنية الدخول فيها.

3. الطهارة: يشترط للطواف الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، ويُشترط أيضًا ستر العورة.

4. الترتيب بين المناسك: حيث يجب الطواف أولًا، ثم السعي، ثم الحلق أو التقصير.

5. أداء الأركان جميعًا: فالعمرة لا تصح إلا بأركانها، وهي كما يلي.

أركان العمرة

الركن هو ما لا تصح العبادة إلا به، والعمرة لها أربعة أركان أساسية:

1. الإحرام: وهو نية الدخول في النسك مقرونًا بالتلبية. ويبدأ الإحرام من أحد المواقيت المكانية المحددة شرعًا لكل من أراد دخول مكة.

2. الطواف: سبعة أشواط حول الكعبة المشرفة، تبدأ من الحجر الأسود وتنتهي به.

3. السعي: بين الصفا والمروة، سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتنتهي بالمروة.

4. الحلق أو التقصير: وهو ختام النسك، ولا يُجزئ الحلق أو التقصير قبل السعي، ويُشترط أن يعم الحلق أو التقصير جميع شعر الرأس للرجل، أما المرأة فتأخذ قدر أنملة من كل ضفيرة.

واجبات العمرة

الواجبات في العمرة هي الأمور التي لا يُبطل تركها العمرة، ولكن يترتب على تركها دم (ذبيحة):

1. الإحرام من الميقات الزماني والمكاني المحدد.

2. التحلل بالحلق أو التقصير.

3. الاجتناب عن محظورات الإحرام.

فمن ترك واجبًا متعمدًا أو ناسيًا، لزمه دم. أما من ترك ركنًا، لم تصح عمرته حتى يؤديه.

محظورات الإحرام

محظورات الإحرام هي الأمور التي يُحرم على المحرم فعلها بعد دخوله في النسك، وهي:

1. قص الشعر أو تقليم الأظافر.

2. التطيب بعد نية الإحرام.

3. لبس المخيط للرجل، وتغطية الوجه أو الكفين للمرأة.

4. عقد النكاح، أو الخطبة أو الزواج.

5. الجماع أو مقدماته.

6. الصيد البري.

كل من فعل من هذه المحظورات شيئًا متعمدًا فعليه فدية حسب نوع الفعل وظروفه.

صفة العمرة بالتفصيل

1. الإحرام: يبدأ المعتمر بالإحرام من ميقاته، فيغتسل ويتنظف، ثم يلبس ثياب الإحرام (إزار ورداء للرجال، ولباس عادي غير متبرج للنساء)، وينوي بقلبه العمرة ويقول: “لبيك اللهم عمرة”.

2. التلبية: يرفع صوته بالتلبية ويقول: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك…” حتى يصل إلى المسجد الحرام.

3. الطواف: يدخل المسجد الحرام، متوجهًا للكعبة، ويبدأ الطواف من الحجر الأسود، ويجعل البيت عن يساره، ويطوف سبعة أشواط.

4. الصلاة خلف المقام: بعد الطواف يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر.

5. السعي بين الصفا والمروة: بعد الصلاة يتجه إلى الصفا، ويبدأ السعي منه إلى المروة سبعة أشواط.

6. الحلق أو التقصير: بعد انتهاء السعي، يُنهي عمرته بالحلق أو التقصير.

الفرق بين الرجل والمرأة في أداء العمرة

• اللباس: المرأة لا تلتزم بلباس معين، وإنما تلبس ما لا يُظهر الزينة ولا يصف الجسد.

• رفع الصوت بالتلبية: يُشرع للمرأة التلبية بصوت خافت لا يُسمع الأجانب.

• الحلق: المرأة لا تحلق، وإنما تقصر شعرها قدر أنملة من كل ضفيرة.

أفضل أوقات العمرة

العمرة جائزة في أي وقت من السنة، إلا أن هناك أوقاتًا يستحب فيها الإكثار من العمرة، مثل:

1. شهر رمضان: وقد ورد أن عمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

2. الأشهر الحرم: خصوصًا شهر ذي القعدة.

3. أيام البيض، وليالي العشر الأواخر من رمضان.

أما أداء العمرة في أشهر الحج (شوال، ذو القعدة، أول أيام ذي الحجة)، فمشروع لكنه يتطلب الحذر في النية لمن أراد أن يجمع بين الحج والعمرة.

العمرة عن الغير

يجوز للإنسان أن يعتمر عن غيره بشروط، وهي:

• أن يكون المعتمر قد اعتمر عن نفسه أولًا.

• أن يكون الشخص الآخر ميتًا، أو عاجزًا عجزًا دائمًا.

• لا يشترط إذن الميت، لكن يُشترط إذن الحي إذا كان عاجزًا.

تكرار العمرة

اختلف العلماء في حكم تكرار العمرة في السنة الواحدة، فذهب البعض إلى كراهته إذا لم تكن هناك حاجة، وذهب الآخرون إلى جوازه مطلقًا، وخاصة إن كان هناك فسحة من الوقت.

وأما في العمرات المتتالية من التنعيم (كدخول عائشة رضي الله عنها للعمرة)، فالأفضل عدم الإكثار منها دون حاجة، حتى لا يُرهق النظام العام للحرم والمواسم.

جدول يوضح الفرق بين أركان العمرة وواجباتها ومحظورات الإحرام:

خلاصة

العمرة عبادة عظيمة تشمل طوافًا وسعيًا وتحللاً، وتبدأ بالإحرام وتُختتم بالحلق أو التقصير. وهي عبادة مستقلة ومطلوبة في الإسلام، تُطهّر النفس وتجدد العهد مع الله تعالى. أداء العمرة يتطلب العلم بشروطها وأركانها وواجباتها، والانضباط في سلوكيات الإحرام. وهي مفتوحة طوال العام للمسلمين المستطيعين، وتمنحهم فرصة لتجديد الإيمان والخشوع في أقدس بقاع الأرض.

المراجع:

• ابن قدامة، المغني، دار الفكر.

• النووي، المجموع شرح المهذب، دار الفكر.