كيفية المسح على الجوارب: أحكامه وأقوال العلماء في الفقه الإسلامي
يعتبر المسح على الجوارب من المسائل الفقهية التي تثير اهتمام العديد من المسلمين، خاصة فيما يتعلق بأداء الصلاة في الظروف التي يصعب فيها إزالة الجوارب مثل الطقس البارد أو الأماكن العامة التي لا تسمح بإزالة الأحذية والجوارب. وقد أجمع العلماء على وجود أحكام خاصة للمسح على الجوارب، تم تحديدها وفقاً لمجموعة من الشروط والضوابط التي يجب على المسلم اتباعها.
تعريف المسح على الجوارب
المسح على الجوارب هو عبارة عن مسح القدمين بنوع من الغطاء أو اللباس (الجوارب) بعد ارتدائها، وذلك بدلاً من غسل القدمين في الوضوء، وهو أحد الرخص الشرعية التي يتيحها الإسلام للمسلمين في بعض الحالات. وقد وردت هذه المسألة في الحديث النبوي الشريف، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الجوارب والنعال في وضوئه.
حكم المسح على الجوارب
تباينت آراء العلماء في المسح على الجوارب، ما بين الجواز والوجوب في حالات معينة، وتكمن المسألة في تحديد الحالات التي يجوز فيها المسح على الجوارب بدلًا من غسل القدمين، وما هي الشروط التي يجب توافرها لتحقيق صحة المسح.
1. المسح على الجوارب في المذهب الحنفي
وفقًا للمذهب الحنفي، يجوز المسح على الجوارب بشرط أن تكون الجوارب قد تغطت بها القدمين من الكعبين إلى الأصابع، وأن تكون الجوارب غير شفافة ولا رقيقة بحيث لا يظهر منها جلد القدم. كما يُشترط أن تكون الجوارب طاهرة ومصنوعة من مواد قادرة على تغطية القدم بشكل كامل.
ومن جهة أخرى، إذا كانت الجوارب ممزقة أو لا تغطي كامل القدم أو كانت شفافة، فيعتبر المسح عليها غير صحيح.
2. المسح على الجوارب في المذهب المالكي
المذهب المالكي أضاف بعض الشروط الأخرى، حيث اشترط أن يكون المسح على الجوارب في حالة الوضوء دون وجود عذر. يعتقد المالكية أن المسح على الجوارب يجب أن يكون في حالات خاصة فقط، مثل إذا كانت الجوارب مصنوعة من مواد سميكة لا تسمح بتسرب الماء إلى القدمين. وأكد المالكية أن المسح يكون في حالة عدم وجود ماء كافٍ للغسل أو إذا كان الغسل يسبب عناء أو مشقة.
3. المسح على الجوارب في المذهب الشافعي
المذهب الشافعي يعتبر المسح على الجوارب من المسائل التي يجوز فيها الرخصة للمسلم في حالات معينة، ولكن بشروط دقيقة. يشترط الشافعية أن تكون الجوارب قد صُنعت من مواد غير شفافة ويجب أن تكون سميكة بما يكفي لمنع الماء من التسلل إلى القدمين. كما يشترط أن لا تكون الجوارب رقيقة جداً أو ممزقة.
كما يشير الشافعية إلى أنه إذا كان المسلم في سفر أو كان في بيئة شديدة البرودة، فيجوز له المسح على الجوارب لتوفير الراحة والسهولة أثناء الوضوء.
4. المسح على الجوارب في المذهب الحنبلي
المذهب الحنبلي أكثر مرونة في المسألة، حيث يرون أن المسح على الجوارب يجوز إذا كانت الجوارب من مادة تسمح للقدمين بالتنفس ولم تمنع الماء من الوصول إلى القدم بشكل كامل. كما يبيح الحنابلة المسح على الجوارب في الحالات التي تتطلب التيسير، مثل في السفر أو عند الطقس البارد. ويعتبرون المسح على الجوارب بديلاً مقبولاً في حال صعوبة الوضوء الكامل.
شروط المسح على الجوارب
على الرغم من أن هناك اختلافات بين المذاهب الفقهية في شروط المسح على الجوارب، إلا أن هناك بعض الشروط الأساسية التي تتفق عليها معظم المدارس الفقهية:
1. أن تكون الجوارب طاهرة: الجوارب يجب أن تكون طاهرة، أي لا يجب أن تحتوي على أي نجاسة، لأن الوضوء لا يُقبل إلا إذا كان الشخص في حالة طهارة.
2. أن تكون الجوارب سميكة: يجب أن تكون الجوارب سميكة بما يكفي بحيث تمنع الماء من الوصول إلى القدم، حيث أن المسح على الجوارب لا يجوز إذا كانت رقيقة أو شفافة لدرجة تسمح برؤية القدم أو وصول الماء إليها.
3. أن تغطي الجوارب القدمين كاملاً: يجب أن تغطي الجوارب القدمين من الكعبين إلى الأصابع.
4. أن تكون الجوارب متينة وقوية: يجب أن تكون الجوارب متينة ولا تسمح بانزلاقها بسهولة أو تمزقها أثناء الحركة.
5. أن يكون المسح ضمن مدة زمنية معينة: وفقًا لبعض المذاهب، هناك مدة محددة يسمح فيها بالمسح على الجوارب، وهي عادة يوم كامل للمقيم وثلاثة أيام للمسافر.
كيفية المسح على الجوارب
1. طريقة المسح: تبدأ عملية المسح على الجوارب بعد الوضوء الكامل كما في الغسل المعتاد، إلا أنه بدلاً من غسل القدمين، يقوم المسلم بالمسح على الجوارب بيد واحدة من الأصابع إلى الكعب. ويجب أن يكون المسح على الجوارب فقط من الأعلى إلى الأسفل، ولا يجوز المسح من أسفل الجوارب إلى الأعلى.
2. مدة المسح على الجوارب: يختلف تحديد المدة التي يجوز فيها المسح على الجوارب حسب المذهب الفقهي. في مذهب الشافعية والحنابلة، يسمح للمسافر بالمسح على الجوارب لمدة ثلاثة أيام، بينما يكتفي المقيم بيوم كامل فقط.
3. تكرار المسح: يجوز للمسلم أن يمسح على الجوارب عدة مرات خلال اليوم، طالما أن الوقت لم ينقضِ من مدة المسح.
الأدلة الشرعية في المسح على الجوارب
اعتمد الفقهاء في حكم المسح على الجوارب على عدة أدلة شرعية، أبرزها:
1. الحديث النبوي: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على خفيه»، وقد ورد ذلك في عدة روايات، مما يؤكد صحة هذا الفعل في الوضوء.
2. اجتهاد الصحابة: من بين الصحابة الذين نقلوا عنهم المسح على الجوارب، نجد الصحابي الجليل علي بن أبي طالب، الذي كان يُسَمِّي هذا الفعل “سنة”، ويشجع المسلمين على اتباعها.
3. فقه العلماء: اجتهد علماء المذاهب الأربعة في توضيح شروط المسح على الجوارب، وهذا يوضح تنوع الاجتهاد الفقهي في تفسير النصوص وتحديد شروط الرخصة في المسح.
الخاتمة
يعد المسح على الجوارب من الرخص التي تيسّر على المسلم في ظروف معينة مثل السفر أو الطقس البارد. وقد أكدت أغلب المذاهب الفقهية جوازه بشروط وضوابط دقيقة تضمن صحة الوضوء وتجنب التلاعب في الأحكام الشرعية. ومن خلال دراسة أحكام المسح على الجوارب، نجد أن الفقه الإسلامي مرن في تكييف الأحكام وفقًا للظروف الخاصة بالمسلمين، مما يعكس روح التيسير والمرونة في الشريعة الإسلامية.
