أعراض مرض أبو شوكة (الجدري المائي): الأسباب، الأعراض، والمضاعفات

يُعد مرض أبو شوكة، المعروف علميًا باسم الجدري المائي (Varicella)، من الأمراض الفيروسية الشائعة والمعدية التي تصيب الأطفال في المقام الأول، رغم إمكانية إصابة البالغين به أيضًا، لاسيما من لم يسبق لهم تلقي اللقاح أو الإصابة به في مرحلة الطفولة. يسببه فيروس يُعرف باسم فيروس الحماق النطاقي (Varicella-Zoster Virus)، وهو من نفس عائلة الفيروسات التي تسبب الهربس النطاقي (الحزام الناري).

يشتهر هذا المرض في المجتمعات العربية باسم “أبو شوكة” نتيجة الطفح الجلدي الذي يُشبه الشوك أو الحبوب الصغيرة المنتشرة على الجسم، والمصحوب بحكة شديدة وأعراض جهازية أخرى مثل الحمى والإرهاق. وعلى الرغم من أنه يعتبر مرضًا حميدًا في معظم الحالات، إلا أنه قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، خاصة لدى البالغين أو من يعانون من ضعف المناعة.

يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة موسعة ومفصلة عن أعراض مرض أبو شوكة، مع تسليط الضوء على المراحل المختلفة للمرض، والعلامات السريرية التي تميّزه، فضلاً عن المضاعفات المحتملة التي قد ترافقه في بعض الحالات، مستندين في ذلك إلى أحدث ما توصل إليه العلم في مراجع الأمراض الفيروسية والممارسات السريرية الحديثة.

أولاً: فهم مرض أبو شوكة من الناحية الفيروسية

ينتمي فيروس الحماق النطاقي إلى عائلة الهربس، وهي فئة من الفيروسات التي تملك القدرة على الاستقرار في الجسم لفترات طويلة ثم إعادة التنشيط. بعد الإصابة الأولية بالفيروس والتي تُعرف بمرض “الجدري المائي”، يمكن للفيروس أن يبقى كامنًا في الخلايا العصبية لسنوات، ليظهر لاحقًا على شكل ما يُعرف بالحزام الناري (Herpes Zoster).

تحدث العدوى بشكل أساسي عن طريق الاستنشاق أو ملامسة البثور التي يسببها الطفح الجلدي. تنتشر الجسيمات الفيروسية عبر الرذاذ التنفسي، مما يجعل المرض شديد العدوى، خاصة في الأماكن المزدحمة والمدارس.

ثانيًا: الأعراض العامة لمرض أبو شوكة

1. فترة الحضانة

فترة الحضانة هي المدة بين التعرض للفيروس وظهور الأعراض، وتستغرق عادةً من 10 إلى 21 يومًا، بمتوسط 14 يومًا. خلال هذه الفترة لا تظهر أعراض على المصاب، لكنه يكون ناقلاً للعدوى في بعض الأحيان قبل ظهور الطفح الجلدي بيوم أو يومين.

2. الأعراض المبدئية (الطور البادري)

قبل ظهور الطفح الجلدي، تظهر بعض الأعراض التمهيدية التي قد تستمر من يوم إلى يومين، وتشمل:

• ارتفاع طفيف في درجة الحرارة

• صداع خفيف أو متوسط

• فقدان الشهية

• إرهاق عام وشعور بالوهن

• ألم عضلي وأحيانًا ألم في الظهر

• تهيج وعصبية خاصة عند الأطفال

هذه الأعراض غالبًا ما يتم الخلط بينها وبين أعراض نزلات البرد أو الإنفلونزا، مما يؤدي إلى تأخر في التشخيص أحيانًا.

3. الطفح الجلدي المميز

يُعد الطفح الجلدي أبرز سمات مرض أبو شوكة، ويتميز بمراحل متتابعة:

– البقع الحمراء (Macules):

تبدأ على شكل بقع صغيرة حمراء مسطحة، تظهر في البداية على الصدر، الظهر، وفروة الرأس.

– الحبوب المرتفعة (Papules):

خلال ساعات قليلة، تتحول البقع إلى حبوب مرتفعة عن سطح الجلد.

– الحويصلات المملوءة بسائل (Vesicles):

تمتلئ الحبوب بسائل شفاف، مما يعطيها مظهرًا شبيهًا بالفقاعات، وتكون مصحوبة بحكة شديدة.

– التقرحات والقشور:

تنفجر بعض الحويصلات وتتحول إلى قشور جافة ذات لون بني، والتي تسقط بعد أسبوع أو أكثر، تاركة ندوبًا سطحية في بعض الحالات.

تحدث هذه المراحل بشكل متزامن، أي أن الجلد يحتوي على أنواع مختلفة من الطفح في وقت واحد، وهي علامة مميزة للجدري المائي.

4. الحكة (Pruritus)

تُعد الحكة من الأعراض الأكثر إزعاجًا في هذا المرض، وتستمر طوال فترة وجود الحويصلات. قد تؤدي الحكّة إلى خدش الجلد، ما يزيد من خطر الإصابة بعدوى بكتيرية ثانوية وظهور الندبات.

5. الحمى

تكون الحمى معتدلة إلى مرتفعة، وترافق ظهور الطفح الجلدي، وقد تستمر لمدة 3 إلى 5 أيام. في بعض الحالات، تصل درجة الحرارة إلى 39-40 مئوية.

6. تضخم العقد اللمفاوية

يلاحظ في بعض المرضى وجود تورم وألم في الغدد اللمفاوية، خاصة في الرقبة وتحت الفك، نتيجة الاستجابة المناعية للعدوى الفيروسية.

7. أعراض الجهاز التنفسي

قبل أو أثناء الطفح الجلدي، قد يعاني المريض من أعراض تنفسية خفيفة مثل:

• انسداد الأنف

• السعال الجاف

• التهاب الحلق

ثالثًا: الأعراض لدى الفئات العمرية المختلفة

الأطفال

الأطفال هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، وعادة ما تكون الأعراض لديهم خفيفة، وتقتصر على الطفح الجلدي والحمى البسيطة. نادرًا ما تحدث مضاعفات خطيرة.

البالغون

عند إصابة البالغين بمرض أبو شوكة، تكون الأعراض أكثر شدة، وتشمل:

• ارتفاع حاد في درجة الحرارة

• طفح جلدي كثيف ومؤلم

• صداع شديد

• أعراض تنفسية حادة

• احتمالية أكبر لحدوث مضاعفات مثل التهاب الرئة أو التهاب الدماغ

الحوامل

إصابة المرأة الحامل بالجدري المائي قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل:

• متلازمة الجدري الجنيني: وتشمل تشوهات خلقية، وتأخر في النمو

• التهاب رئوي فيروسي حاد: قد يكون قاتلاً

• خطر انتقال العدوى إلى المولود في الأيام الأخيرة من الحمل

رابعًا: المضاعفات المحتملة

رغم أن الجدري المائي مرض حميد في الغالب، إلا أن هناك حالات تتطور إلى مضاعفات خطيرة، خاصة في الفئات ذات المناعة الضعيفة. تشمل المضاعفات ما يلي:

1. العدوى البكتيرية الثانوية للجلد

بسبب الحكة المستمرة، قد يخدش المريض جلده مما يسمح للبكتيريا بالدخول، مسببة:

• التهاب الجلد

• دمامل

• خراجات

• نادراً: التهاب النسيج الخلوي

2. التهاب الرئة الفيروسي

يحدث عادة لدى البالغين أو المدخنين أو مرضى ضعف المناعة، ويُعد من المضاعفات الخطيرة.

3. التهاب الدماغ (Encephalitis)

من المضاعفات النادرة ولكنها خطيرة، وتظهر أعراضها في صورة:

• صداع شديد

• قيء

• تغير في الحالة الذهنية

• تشنجات

4. الحزام الناري

بعد التعافي من الجدري المائي، يظل الفيروس كامنًا في الأعصاب، وقد يعاد تنشيطه لاحقًا، مسببًا الحزام الناري، وهو حالة مؤلمة للغاية تترافق مع طفح جلدي موضعي.

خامسًا: الفرق بين الجدري المائي وأمراض جلدية أخرى

سادسًا: التشخيص والتقييم السريري

يتم تشخيص الجدري المائي عادةً سريريًا اعتمادًا على الأعراض الواضحة خاصة شكل الطفح وتوزيعه. ومع ذلك، يمكن تأكيد التشخيص في الحالات غير الواضحة باستخدام:

• اختبار PCR لتحديد الحمض النووي للفيروس

• اختبار الأجسام المضادة في الدم (IgM, IgG)

• فحص السائل الموجود في الحويصلات

سابعًا: الوقاية واللقاح

تُعد الوقاية عبر اللقاح الوسيلة الأفضل لتفادي الإصابة بالمرض. لقاح الجدري المائي متوفر ويُعطى عادةً على جرعتين:

• الجرعة الأولى: في عمر 12 إلى 15 شهرًا

• الجرعة الثانية: في عمر 4 إلى 6 سنوات

اللقاح فعال بنسبة تتجاوز 90%، ويساعد على تقليل شدة المرض إن حدثت الإصابة بعد التطعيم.

ثامنًا: فترة العدوى

يُعد المريض معديًا قبل يومين من ظهور الطفح وحتى تشكّل القشور على كل الحويصلات، أي ما يقارب 7 إلى 10 أيام. يجب عزل المريض خلال هذه الفترة لتفادي نقل العدوى للآخرين.

تاسعًا: علاج الأعراض

لا يوجد علاج محدد للجدري المائي، ولكن يتم التركيز على تخفيف الأعراض والوقاية من المضاعفات:

• استخدام الباراسيتامول لتخفيف الحمى (يُمنع إعطاء الأسبرين لتفادي متلازمة راي)

• مضادات الهيستامين لتخفيف الحكة

• الحفاظ على نظافة الجلد لتفادي العدوى البكتيرية

• استخدام غسول الكلامين لتهدئة البشرة

• إعطاء مضاد فيروسي مثل Acyclovir في الحالات الشديدة أو للأشخاص المعرضين للخطر

عاشرًا: متى تستدعي الحالة التدخل الطبي العاجل؟

في الحالات التالية:

• استمرار الحمى لأكثر من 4 أيام

• ظهور صعوبة في التنفس أو سعال حاد

• تيبس الرقبة أو تغير في الوعي

• طفح جلدي ينزف أو يصبح مؤلمًا للغاية

• علامات عدوى بكتيرية (احمرار مفرط، صديد، حرارة في الجلد)

المصادر والمراجع

1. American Academy of Pediatrics. Red Book: 2021 Report of the Committee on Infectious Diseases. 32nd Edition.

2. Centers for Disease Control and Prevention (CDC) – Varicella (Chickenpox) Overview. https://www.cdc.gov/chickenpox/