أجمل ما قيل عن الأم

أجمل ما قيل في حب الأم

حب الأم ليس مجرد شعور عابر أو عاطفة عادية؛ إنه الرابط الأول والأعمق الذي يربط الإنسان بالحياة منذ اللحظة الأولى لتكوّنه في رحمها وحتى آخر أنفاسه. في حضنها ينمو، ومن صوتها يستمد الطمأنينة، ومن نظرتها يولد الأمل. ليس هناك حب أنقى ولا أصدق من حب الأم، فهو حبٌّ لا يُقارن، ولا يُشترى، ولا يمكن استبداله، لأنه فطري ومغروس في عمق الوجود الإنساني. لهذا لم تكفّ الإنسانية منذ نشأتها عن تمجيد الأم وتقديس دورها، سواء في الأدب أو الدين أو الفلسفة أو الفنون.

الأم في الثقافات والديانات

الأم في الأديان السماوية تحتل مكانة سامية. ففي الإسلام، خصص الله لها آيات محكمة وأحاديث نبوية كثيرة تؤكد على برّها وطاعتها، بل وقرن طاعتها بطاعته في أكثر من موضع. في قوله تعالى: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” [الإسراء: 23]، يتجلّى الأمر الإلهي بالرفق بالوالدين عموماً، ولكن عندما جاء رجل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم يسأله: “من أحق الناس بحسن صحابتي؟” قال: “أمك”، قال: “ثم من؟” قال: “أمك”، قال: “ثم من؟” قال: “أمك”، قال: “ثم من؟” قال: “أبوك”.

في المسيحية، تُعدُّ الأم رمزًا للتضحية والعطاء المطلق، ويُضرب بها المثل في المحبة غير المشروطة، مستوحاة في كثير من الأحيان من صورة السيدة العذراء مريم، التي تمثل الأمومة في أسمى صورها.

وفي الفلسفات الشرقية مثل الكونفوشيوسية والبوذية، نجد تقديس الأم يأتي من كونها المعلمة الأولى، والينبوع الذي لا ينضب للحكمة والهدوء والاتزان.

صورة الأم في الأدب

عبر العصور، كانت الأم حجر الأساس في الأدب العربي والعالمي. وقد زخرت دواوين الشعراء، وكتب النثر، والرسائل، والخطب، بصور لا تُنسى للأم، تقديرًا لمكانتها ودورها. كتب الشاعر حافظ إبراهيم قائلاً:

الأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعباً طيب الأعراق

هذا البيت الشهير يعكس الرؤية العميقة للأم بوصفها الأساس في بناء المجتمع، فهي التي تنشئ الأجيال وتغرس القيم والمبادئ.

أما الشاعر العراقي بدر شاكر السياب فقد جسّد حنينه إلى أمه بعبارات تفيض بالشوق، حين قال:

“أحنُّ إلى خبز أمي،

وقهوة أمي،

ولمسة أمي…”

في الأدب الغربي أيضًا، كتب الروائي الروسي مكسيم غوركي رواية بعنوان “الأم”، وفيها قدّم صورة أيقونية للأم المناضلة، رمز الكفاح في وجه الظلم والفقر والجهل.

الأم في الأمثال والحكم

لم تغب صورة الأم عن الحكم والأمثال التي تُعدّ مرآة حقيقية لثقافة الشعوب وتجاربها. ومن أشهر الأمثال العربية:

• “أعز من الأم على ولدها.”

• “الجنة تحت أقدام الأمهات.”

• “من فقد أمه فقد خير معين.”

أما في المثل الإفريقي، يُقال: “يد الأم أطول من أن تُقصَر”، في دلالة على اتساع عطاء الأم وامتداده اللامحدود.

مشاعر لا تموت

حب الأم لا يُقاس بالزمن ولا تُمحى آثاره بغيابها الجسدي. بل هو الشعور الوحيد الذي يرافق الإنسان حتى بعد أن يفقد أمه، إذ تبقى ذكراها تسكن روحه، وتُضيء عتمة دروبه. يشعر الإنسان دائمًا بحاجة لوجودها، لنصيحتها، لدفء صوتها، لحنانها العفوي الذي لا يوازيه أي حنان آخر.

في كتابه “الأمومة وأهميتها في حياة الإنسان”، يشير الطبيب النفسي البريطاني دونالد وينيكوت إلى أن شخصية الإنسان وتوازنه النفسي يبدأ في التشكل من الرضعة الأولى، ومن طريقة استجابة الأم لبكاء وليدها، ومن احتضانها له وقت الضيق، ومن ابتسامتها عندما ينجح، ومن حنانها عندما يخفق.

الأم والهوية النفسية للإنسان

يرى علم النفس أن الرابط العاطفي الأول الذي يتكوّن بين الطفل وأمه هو حجر الأساس لكل علاقاته الاجتماعية في ما بعد. نظرية التعلّق (Attachment Theory) التي طورها جون بولبي، تؤكد أن الأمان الذي يشعر به الطفل في حضن أمه ينعكس لاحقاً على طريقة تواصله مع العالم.

الأم ليست فقط مصدر الغذاء والرعاية، بل مصدر الأمن النفسي الذي يمنح الطفل الشعور بالثقة والاستقرار. هذا الحب غير المشروط الذي تمنحه الأم لطفلها يساعده على بناء احترام الذات، والقدرة على الحب، ومهارات التفاعل الاجتماعي.

الأم العاملة: تحديات وتضحيات

في العصر الحديث، برزت صورة الأم العاملة التي تجمع بين مسؤوليات العمل ومتطلبات الأسرة. هذه الأم غالبًا ما تبذل ضعف الجهد لتوازن بين طموحها المهني وواجباتها الأسرية، ومع ذلك لا تتخلى عن حبها لأبنائها، بل تسعى لتوفير أفضل ما تستطيع لهم، حتى وإن كلّفها ذلك إرهاقًا جسديًا ونفسيًا مستمرًا.

دراسات متعددة في علم الاجتماع تُشير إلى أن الأم العاملة تزرع في أطفالها مفاهيم القوة، الاعتماد على النفس، وتحقيق الذات، خصوصاً عندما تكون قدوة في المثابرة والإصرار.

الأم في الفن والسينما

جسدت السينما العربية والأجنبية مشاعر الأمومة في مئات الأفلام، وغالبًا ما كانت شخصية الأم حاضرة بقوة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. من أشهر الأفلام المصرية التي ناقشت شخصية الأم وأبرزت دورها وتضحياتها: أم العروسة، دعاء الكروان، وحكاية حب. هذه الأعمال صاغت صورة الأم المكافحة، القوية، المتفانية في حب أبنائها حتى لو أدى بها ذلك إلى التضحية بسعادتها الشخصية.

أما في السينما الغربية، فقد كان لفيلم Forrest Gump حضور بارز لشخصية الأم التي قالت لجون (ابنها): Life is like a box of chocolates, you never know what you’re gonna get، مؤكدة له أهمية تقبّل الحياة بتقلباتها، وهي نصيحة أم لم ينساها طيلة حياته.

في حب الأم… لغات متعددة ونبض واحد

مهما اختلفت اللغات، يبقى التعبير عن حب الأم مشتركًا بين الجميع. كلمة “أم” هي من أولى الكلمات التي يتعلمها الطفل، وهي ذات نطق مشابه في غالبية لغات العالم، ما يعكس ربما رابطاً نفسياً وروحياً يتجاوز الحدود الثقافية واللغوية.

هذا التشابه في النطق يوحي بأن الكلمة نابعة من مصدر صوتي عاطفي مشترك، يدل على قرب العلاقة وسهولة لفظها بالنسبة للطفل منذ الشهور الأولى.

وصايا الأمهات: تراث لا يصدأ

في أغلب البيوت العربية، للأم وصايا تتكرر يوميًا، تُقال بحب وإن اختلطت أحيانًا بالقلق والخوف. مثل: “كل قبل ما تطلع”، “ما تتأخر عن البيت”، “لبّس دافي”، “دير بالك على حالك”… هذه الوصايا قد تبدو بسيطة وعادية، لكنها تحمل جوهر الأمومة: الرعاية والحب والخوف على التفاصيل الصغيرة في حياة من تحب.

وقد أظهرت دراسات في علم الاجتماع أن الوصايا المتكررة من الأم ليست فقط نوعًا من السيطرة، بل تعبيرًا عاطفيًا مكثفًا يُترجم على شكل توجيه. وتُظهر هذه الوصايا كيف أن الأم تبقى في حالة يقظة عاطفية مستمرة، لا تنام إلا بعد أن تطمئن على من تحب.

حين ترحل الأم

غياب الأم، هو الغياب الأشد إيلامًا في حياة الإنسان. إنها الخسارة التي لا يُعوضها شيء، والفراغ الذي لا يُملأ. بعد رحيلها، يصبح البيت خاليًا من الدفء، وتغدو الذكريات أثقل من أن تُحتمل. كثير من المفكرين والشعراء كتبوا عن هذا الغياب، مثل الشاعر السوري نزار قباني حين قال:

“أمي

كانت أجمل النساء…

وكان أبي يحبّها كأنها وطن.”

الوفاء للأم بعد وفاتها يكون بالدعاء، بزيارة قبرها، ببرّها في أهلها، وبالتمسك بما كانت تحب أن تراه في أبنائها. في التراث الإسلامي، البرّ بالأم لا يتوقف عند موتها، بل يستمر بالدعاء والعمل الصالح والذكر الطيب.

خاتمة

حب الأم لا يُحصر في كلمات، ولا يُختزل في نصوص، ولا يُحدّ بإطار زمني أو مكاني. هو إحساس متجدد، حاضر في تفاصيل الحياة اليومية، في الفرحة والحزن، في القوة والضعف، في الطفولة والشيخوخة. هو الذاكرة الأولى، والصوت الذي لا يُنسى، واليد التي حين تُمَدّ، تطمئن القلب وتصلحه. إنها الروح التي تسكننا مدى الحياة، وهي الحقيقة التي لا تزول حتى بعد الفناء.

المصادر:

1. القرآن الكريم – سورة الإسراء

2. John Bowlby, Attachment and Loss, Basic Books, 1982