آلية ثوران البراكين

كيفية ثوران البركان: فهم الظاهرة الجيولوجية المعقدة

تعد ظاهرة ثوران البركان واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية إثارة للدهشة والمخيفة على حد سواء. ينشأ البركان عندما تنفجر المواد المنصهرة، المعروفة بالحمم البركانية، من باطن الأرض إلى سطحها. لكن ما الذي يحدث بالتحديد في باطن الأرض ليؤدي إلى هذا الثوران؟ وكيف يمكن للمواد التي تكون عادةً تحت ضغط شديد وحرارة مرتفعة أن تصبح خفيفة بما يكفي للانفجار إلى سطح الأرض؟ في هذا المقال، سنتناول آلية ثوران البركان، العوامل المؤثرة في هذه الظاهرة، وأنواع الثورانات البركانية.

1. ما هو البركان؟

قبل التطرق إلى كيفية ثوران البركان، من المهم أولاً تعريفه. البركان هو فوهة أو شق في قشرة الأرض يتم من خلاله إطلاق المواد المنصهرة، الغازات، والرماد البركاني من باطن الأرض إلى السطح. تُعتبر البراكين علامات على النشاط الجيولوجي المستمر في الأرض، وتنتشر في مناطق معينة تعرف بـ “حزام البراكين” مثل حزام النار في المحيط الهادئ.

2. تكوين البركان ومواده

يبدأ تكوين البركان بعملية تعرف باسم “الصهارة” التي تحدث في المناطق العميقة في باطن الأرض. عندما ترتفع درجات الحرارة والضغط إلى مستويات معينة، تتحول الصخور إلى سائل منصهر يدعى “الماجما”. تنتقل الماجما عبر الشقوق والفراغات في القشرة الأرضية حتى تصل إلى سطح الأرض. عند الوصول إلى السطح، تتحول الماجما إلى حمم بركانية.

3. العوامل المسببة للثوران البركاني

أ. تراكم الماجما

تتراكم الماجما في جوف الأرض تحت ضغط شديد، حيث تكون محاصرة بين طبقات الصخور. هذا الضغط قد يستمر لآلاف السنين، وعندما لا تستطيع الصخور تحمله بعد فترة طويلة، تبدأ الماجما في الانفلات عبر شقوق أو فوهات في القشرة الأرضية.

ب. النشاط التكتوني

تلعب الحركة التكتونية دوراً أساسياً في نشوء البراكين. تتحرك الصفائح التكتونية للأرض ببطء فوق سطحها، واصطدام هذه الصفائح أو انزلاقها تحت بعضها البعض يمكن أن يولد ضغطاً كبيراً يؤدي إلى حدوث ثوران بركاني. فعلى سبيل المثال، عندما تنزلق صفيحة تكتونية تحت صفيحة أخرى، يتم توليد الحرارة والضغط الذي يؤدي إلى انصهار الصخور وظهور الماجما.

ج. انكسار الصخور في القشرة الأرضية

قد يحدث ثوران بركاني نتيجة لانكسار الصخور القشرة الأرضية بسبب تأثير القوى الداخلية. فبعض البراكين تنشأ من خلال انكسار جزئي في الصخور يسمح للماجما بالمرور إلى السطح، حيث تبدأ في التراكم.

د. الضغط الداخلي للغازات

تحتوي الماجما على غازات مذابة مثل ثاني أكسيد الكربون، الكبريت، والبخار. وعندما تقترب الماجما من السطح، ينخفض الضغط الذي يحجز هذه الغازات، مما يؤدي إلى تحررها فجأة. هذا التحرر السريع للغازات يعزز عملية الثوران البركاني.

4. عملية الثوران البركاني

عندما يزداد الضغط داخل غرفة الماجما تحت الأرض، يبدأ البركان في الاستعداد للثوران. يمكن تقسيم عملية الثوران البركاني إلى مراحل عدة:

أ. ارتفاع الماجما إلى السطح

أول خطوة في عملية الثوران هي وصول الماجما إلى سطح الأرض. هذا يحدث عندما تنفصل أو تتشقق الصخور فوق الغرفة الماجمية، مما يسمح للماجما بالخروج. في بعض الحالات، تتكون الحمم البركانية التي تتدفق ببطء إلى سطح الأرض، بينما في حالات أخرى، يمكن أن تكون الحمم سريعة وقوية.

ب. تدفق الحمم البركانية

بعد خروج الماجما إلى السطح، تبدأ في التبريد والتحول إلى صخور صلبة، وهي العملية التي تشكل الحمم البركانية. يمكن أن تكون الحمم سائلة للغاية أو لزجة، وهذا يعتمد على تركيبتها الكيميائية. عادةً ما تكون الحمم الغنية بالسيليكا لزجة، مما يسبب تدفقاً بطيئاً. بينما الحمم الفقيرة في السيليكا تكون أكثر سائلة ويمكنها التدفق بسرعة أكبر.

ج. انفجار البركان

في بعض الأحيان، يتسبب الضغط الداخلي الكبير، خاصة في البراكين التي تحتوي على كمية كبيرة من الغازات المذابة، في حدوث انفجارات ضخمة. تتسبب هذه الانفجارات في إطلاق الرماد البركاني والغازات السامة بسرعة عالية إلى الجو، مما قد يكون له تأثيرات كارثية على البيئة والمجتمعات المحيطة.

د. تشكيل الفوهة البركانية

مع استمرار الثوران، يبدأ البركان في تكوين فوهة ضخمة نتيجة لانفجار المواد المذابة والصخور البركانية. هذه الفوهة قد تزداد عمقاً وحجماً مع مرور الوقت، وتصبح رمزاً للبركان. في بعض الأحيان، تتكون بحيرة حوضية داخل الفوهة نتيجة لتراكم المياه بعد تبريد الحمم.

5. أنواع الثوران البركاني

تختلف البراكين من حيث الطريقة التي يحدث بها الثوران. يمكن تصنيف الثورات البركانية إلى عدة أنواع استنادًا إلى أسلوب التدفق وطبيعة الانفجار:

أ. الثوران الانفجاري

يتميز هذا النوع من الثورات بالقوة الهائلة والانفجارات البركانية العنيفة. يحدث عندما تتراكم الغازات داخل الماجما بسبب كثافتها العالية، مما يؤدي إلى انفجار مفاجئ يطلق كميات ضخمة من الحمم والرماد البركاني إلى الجو.

ب. الثوران الهادئ

يحدث عندما تكون الحمم البركانية سائلة نسبياً، مما يسمح لها بالتدفق ببطء إلى خارج فوهة البركان. هذه الأنواع من الثورات أكثر استقراراً وأقل تدميراً، لكنها لا تزال تشكل تهديداً للمناطق المحيطة بالبركان.

ج. الثوران الطوفاني

في هذا النوع من الثورانات، يتدفق البركان بشكل طوفاني وسريع للغاية، مما يؤدي إلى تغطية مساحات شاسعة بالحمم والرماد.

6. تأثيرات الثوران البركاني

أ. التأثيرات البيئية

البراكين تؤثر بشكل كبير على البيئة. حيث يمكن أن تدمر الغابات والمراعي، وتغير مجاري الأنهار، وتؤثر على التنوع البيولوجي في المنطقة. كما أن الرماد البركاني الذي يتم إطلاقه في الجو قد يؤدي إلى تلوث الهواء وتغيير المناخ في المناطق المجاورة.

ب. التأثيرات البشرية

من الناحية الإنسانية، يمكن للثوران البركاني أن يتسبب في فقدان الأرواح والممتلكات، خاصة إذا كانت المناطق السكنية تقع بالقرب من البركان. بالإضافة إلى ذلك، فإن الثوران قد يخلق مشاكل صحية بسبب الغازات السامة والرماد البركاني.

7. الخاتمة

تظل البراكين واحدة من الظواهر الطبيعية التي تحمل في طياتها قوة مدمرة، لكنها أيضاً توفر نافذة لفهم أعماق كوكب الأرض وعملياته الداخلية. عبر دراسة كيفية ثوران البراكين، ندرك التوازن الجيولوجي المعقد الذي يعمل باستمرار في تشكيل سطح الأرض.