عدد المسلمين في أوروبا

عدد المسلمين في قارة أوروبا: الواقع، التوزيع الديموغرافي، والتحولات الاجتماعية

تُعد قارة أوروبا واحدة من أكثر المناطق تنوعًا دينيًا وثقافيًا في العالم، ويشكل المسلمون فيها أقلية دينية مهمة ومتزايدة من حيث العدد والنفوذ الاجتماعي والثقافي. يكتسب فهم حجم الجالية المسلمة في أوروبا أهمية بالغة نظرًا للتغيرات الديموغرافية المتسارعة، والتفاعل مع قضايا الاندماج، والسياسات العامة، والدور المتنامي للإسلام كدين وثقافة ضمن المجتمعات الأوروبية المعاصرة. المقال التالي يُقدّم تحليلاً شاملاً عن عدد المسلمين في أوروبا، توزيعهم الجغرافي، خصائصهم السكانية، وأثرهم في التحولات الاجتماعية والسياسية، مدعومًا بأحدث الدراسات والبيانات الإحصائية المتوفرة.

المسلمون في أوروبا: نظرة عامة عددية

وفقًا لتقديرات مركز “Pew Research Center” الصادرة عام 2017 والتي اعتمدت على بيانات متعددة من سجلات رسمية وتعدادات سكانية، فإن عدد المسلمين في أوروبا، بما في ذلك روسيا وتركيا الأوروبية، يبلغ حوالي 25.8 مليون مسلم، أي ما يعادل نحو 4.9٪ من إجمالي سكان القارة الأوروبية.

إذا استُثنيت تركيا، وهي بلد ذات غالبية مسلمة تقع جزئيًا في أوروبا، فإن عدد المسلمين في أوروبا الغربية والوسطى والشرقية يصل إلى نحو 19.5 مليون مسلم. يُتوقع أن يرتفع هذا العدد بشكل ملحوظ في العقود القادمة بفعل معدلات الخصوبة الأعلى مقارنة بباقي السكان، واستمرار الهجرة من الدول ذات الغالبية المسلمة.

توزيع المسلمين حسب الدول الأوروبية

يمكن فهم الحضور الإسلامي في أوروبا بشكل أعمق عبر استعراض التوزيع السكاني للمسلمين في أبرز الدول الأوروبية، وذلك كما يلي:

يُلاحظ من الجدول أن أكبر نسبة عددية للمسلمين توجد في فرنسا وألمانيا، في حين تُعد روسيا الدولة الأوروبية ذات الغالبية المسيحية التي تضم أكبر عدد من المسلمين بسبب التركيبة السكانية التاريخية لجمهوريات القوقاز المسلمة.

الهجرة والعوامل الديموغرافية

أحد الأسباب الرئيسية لنمو عدد المسلمين في أوروبا هو الهجرة، خاصة من الدول الإسلامية في شمال إفريقيا، الشرق الأوسط، جنوب آسيا، والبلقان. لعبت الحروب والنزاعات الإقليمية، مثل الحرب السورية، دورًا كبيرًا في تدفق اللاجئين إلى أوروبا، مما ساهم في رفع عدد السكان المسلمين في دول مثل ألمانيا والسويد.

كما أن المسلمين في أوروبا يمتازون بمعدلات خصوبة أعلى من المتوسط الأوروبي العام. فعلى سبيل المثال، يبلغ متوسط عدد الأطفال للمرأة المسلمة في أوروبا حوالي 2.6 طفل، مقارنة بـ1.6 للمرأة غير المسلمة، مما يسهم في نمو سكاني متسارع داخل الجاليات المسلمة.

الخصائص السكانية والاجتماعية

يتسم السكان المسلمون في أوروبا بتركيبة سكانية شابة نسبيًا، حيث أن نسبة كبيرة منهم دون سن الأربعين، مما يضعهم في موقع محوري على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وتنعكس هذه التركيبة في الجوانب التالية:

• سوق العمل: يعاني الكثير من المسلمين من نسب بطالة مرتفعة نسبيًا، لا سيما بين الشباب، وذلك بسبب تحديات الاندماج، التمييز، ونقص المؤهلات المعترف بها.

• التعليم: تتفاوت مستويات التعليم بين المسلمين حسب الجيل والمجتمع، حيث يميل الجيل الثاني من المسلمين الأوروبيين إلى تحقيق نتائج تعليمية أفضل من آبائهم.

• الهوية: يعيش العديد من المسلمين في أوروبا في مفترق طرق بين الانتماء إلى دينهم وثقافتهم الأصلية من جهة، والانخراط في المجتمع الأوروبي العلماني أو المتعدد الثقافات من جهة أخرى.

الإسلام كدين وممارسة في الفضاء الأوروبي

تتنوع ممارسات المسلمين الدينية في أوروبا بشكل كبير بين المتدينين والليبراليين والعلمانيين. تُظهر الدراسات أن:

• نحو 70٪ من المسلمين في أوروبا يؤدون الصلاة بانتظام.

• نسبة عالية تصوم شهر رمضان وتحرص على العادات الدينية.

• يرتفع مستوى التدين نسبيًا بين المسلمين بالمقارنة مع السكان الأوروبيين غير المتدينين.

مع تزايد عدد المسلمين، تنامت الحاجة إلى توفير مؤسسات دينية، من مساجد ومدارس ومراكز ثقافية. يقدَّر عدد المساجد في أوروبا الغربية وحدها بأكثر من 10,000 مسجد، مع تباين واضح في دعم الحكومات لها حسب البلد.

التحديات والفرص المتعلقة بالجاليات المسلمة

رغم الحضور المتزايد للمسلمين في أوروبا، فإنهم يواجهون تحديات معقدة على مستويات متعددة، منها:

1. الإسلاموفوبيا: لا تزال الأحكام المسبقة والنظرة السلبية تجاه المسلمين متجذرة في بعض المجتمعات الأوروبية، خاصة في ظل تصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة.

2. الاندماج الاجتماعي والثقافي: رغم أن العديد من المسلمين، خاصة من الجيل الثاني والثالث، يندمجون بشكل جيد في المجتمعات الأوروبية، إلا أن مظاهر التمييز والعنصرية قد تعيق هذا الاندماج.

3. السياسات الحكومية: تختلف سياسات الدول الأوروبية تجاه المسلمين، ما بين تشجيع التعدد الثقافي (مثل المملكة المتحدة) وفرض قوانين صارمة بشأن اللباس الديني أو التمويل الأجنبي للمؤسسات الإسلامية (مثل فرنسا والنمسا).

التحولات المستقبلية المتوقعة

تشير توقعات مركز “Pew” إلى أن عدد المسلمين في أوروبا قد يشهد تزايدًا كبيرًا بحلول عام 2050، حتى في حال توقف الهجرة كليًا. في سيناريوهات مختلفة:

• سيناريو بدون هجرة: سيرتفع عدد المسلمين إلى حوالي 7.4٪ من سكان أوروبا.

• سيناريو هجرة متوسطة: قد يصل العدد إلى 11.2٪ من سكان القارة.

• سيناريو هجرة مرتفعة: من الممكن أن تبلغ النسبة 14٪، أي ما يعادل قرابة 75 مليون مسلم في أوروبا.

الخاتمة

يشكل المسلمون اليوم شريحة متنامية ومؤثرة في النسيج السكاني والثقافي والاجتماعي لأوروبا. تنبع أهمية دراسة واقعهم من الدور المتصاعد الذي يلعبونه في بناء مجتمعات أوروبية أكثر تنوعًا، وأكثر تعقيدًا من الناحية الديموغرافية والثقافية. وبينما يطرح هذا النمو تحديات في مجالات التعايش والسياسات العامة، فإنه يوفر أيضًا فرصًا حقيقية لتجسيد نموذج أوروبي يقوم على التعددية، وقبول الآخر، والاحترام المتبادل.

المراجع:

1. Pew Research Center, “Europe’s Growing Muslim Population”, November 2017.

2. European Union Agency for Fundamental Rights, “Being Black in the EU”, 2020.