كيف تكون محبوباً عند الله

محبة الله تعالى هي الغاية العظمى التي يسعى إليها كل مؤمن صادق. فأن تكون محبوبًا عند الله يعني أن تكون من الذين فازوا بسعادة الدنيا والآخرة، ونالوا رضا الله ورعايته وهدايته. ليست محبة الله مجرد أمنية تُقال باللسان، بل هي مرتبة عظيمة لا ينالها إلا من اجتهد في طاعة الله، وصدق في معاملته مع ربه، واتبع شرعه على بصيرة ويقين. وقد وضح الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة السبيل إلى نيل هذه المحبة، فجاءت الشريعة مفصلة لأعمال وأخلاق إذا حرص عليها العبد صار محبوبًا عند الله. وفيما يلي بيان لأهم السبل التي توصل العبد إلى محبة الله تعالى.

الإخلاص التام في العبادة

الإخلاص هو أساس كل عمل صالح ومفتاح قبول الأعمال عند الله. قال الله تعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ [البينة: 5]. فالمحبوب عند الله هو الذي يخلص له العبادة، فلا يشرك معه أحدًا في صلاته أو صيامه أو سائر أعماله، ويجعل رضى الله تعالى غايته العظمى دون التفات إلى مدح الناس أو ذمهم. إن الإخلاص يجعل القلب معلقًا بالله، ويحرر العبد من أسر الرياء وحب الظهور.

اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم

من أعظم وسائل نيل محبة الله هو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا. قال الله تعالى: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ [آل عمران: 31]. فالاتباع الصحيح يشمل التمسك بأوامره، والبعد عن نواهيه، والتأسي بأخلاقه وهديه، كما يشمل محبة سنته وتقديمها على هوى النفس. اتباع النبي هو الدليل الحقيقي على صدق المحبة لله وهو الطريق المضمون لنيل محبته تعالى.

كثرة النوافل بعد الفرائض

في الحديث القدسي: “وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه”. النوافل تشمل الصلوات التطوعية، الصيام المستحب، الصدقات غير المفروضة، وسائر أعمال الخير التي يتقرب بها العبد إلى الله طوعًا. النوافل تدل على رغبة العبد في مزيد من القرب من ربه، وتفتح له أبواب المحبة الإلهية، وترفع درجته عند الله، وتجبر نقص الفرائض.

حسن الخلق مع الناس

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا”. فحسن الخلق من أقوى أسباب محبة الله ومحبة خلقه. من كان لينًا، رحيمًا، متواضعًا، صادقًا، وفيًا، عفيف اللسان، فقد جمع خصالًا تجعله قريبًا من الله. الأخلاق الطيبة من كمال الإيمان ومن صفات المحبوبين عند الله، خاصة إذا تحلى بها العبد في تعامله مع القريب والغريب، المسلم وغير المسلم.

التواضع وترك الكبر

التواضع من شيم الأنبياء والصالحين، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: “العزة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار”. المتكبر بعيد عن محبة الله، والمتواضع محبوب عند الله وعند خلقه. التواضع يورث رفعة في الدنيا والآخرة ويجعل العبد قريبًا من الله سبحانه وتعالى. من يعترف بضعفه أمام خالقه ويتواضع لعباده يحظى بمكانة عظيمة عند الله.

التقوى في السر والعلن

التقوى هي الامتثال لأوامر الله واجتناب نواهيه في كل حال، سواء كان العبد بين الناس أو كان وحده. من يتقي الله في خلواته يعامله الله برحمته ويخصه بحبه. قال تعالى: ﴿إن الله يحب المتقين﴾ [التوبة: 4]. والتقوى تشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، وتشمل التعامل مع النفس ومع الناس ومع الله، فهي مبدأ شامل لكل جوانب الحياة.

الصبر على البلاء

الصبر من علامات محبة الله للعبد، وهو من أعظم الأسباب التي ترفع العبد عند ربه. قال الله تعالى: ﴿والله يحب الصابرين﴾ [آل عمران: 146]. الصبر ليس مجرد تحمل المشقة، بل هو رضا بما قضى الله، وثقة بحكمته، وانتظار للفرج من عنده. الصابر يحظى بعناية الله وتوفيقه ويُكتب عنده من المحبوبين والمقربين.

الإنفاق في سبيل الله

قال الله تعالى: ﴿والله يحب المحسنين﴾ [البقرة: 195]. ومن أعظم صور الإحسان: الإنفاق في سبيل الله، سواء في بناء المساجد، أو إعانة المحتاجين، أو دعم المشاريع الخيرية. المحبوب عند الله هو الذي يجود بما في يده ابتغاء وجه الله ولا يخشى الفقر، ويحرص على أن يكون عونًا لغيره.

الطهارة الظاهرة والباطنة

الطهارة شرط لقبول الصلاة، لكنها أيضًا خلق محبوب عند الله. قال تعالى: ﴿إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾ [البقرة: 222]. الطهارة الظاهرة تكون بالوضوء والغُسل والنظافة الشخصية، والطهارة الباطنة تكون بتطهير القلب من الحقد والحسد والكبر وسوء الظن. العبد الطاهر محبب عند الله، وله مكانة خاصة في المجتمع وبين الناس.

الإحسان إلى الضعفاء والمساكين

من أعظم مظاهر محبة الله لعبده أن يجعله رفيقًا بالضعفاء، عطوفًا على المساكين، مشفقًا على الأيتام. من يسعى إلى قضاء حاجات المحتاجين يكون في معية الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله”. الإحسان إلى الفقراء والضعفاء هو جسر محبة يصل العبد إلى ربه.

التوبة المستمرة من الذنوب

التوبة طريق العائدين إلى الله، والله يحب التوابين. العبد المحبوب عند الله هو الذي لا يصر على الذنوب، بل يسارع بالتوبة والرجوع، ويجدد العهد مع الله كلما زل أو أخطأ. كثرة الاستغفار دليل على قلب حي يحب الله ويسعى لرضاه.

الحياء من الله

الحياء من الله خلق عظيم يدل على تعظيم العبد لربه، وخشيته من أن يراه على معصية. من استحيا من الله في سره وعلانيته، وأدرك أن الله مطلع على قلبه وفعله، فإنه قد خطا خطوات واسعة في طريق محبة الله. الحياء يدفع العبد إلى ترك المعاصي، ويورثه محبة الله ومحبة الناس.

العدل في التعامل

قال الله تعالى: ﴿إن الله يحب المقسطين﴾ [المائدة: 42]. العدل هو أن تعطي كل ذي حق حقه، سواء مع نفسك أو مع غيرك. من يعدل بين أولاده، يعدل في بيعه وشرائه، يعدل في أحكامه وأقواله، فقد استحق محبة الله. العدل أساس في الدين وركيزة في بناء المجتمعات.

حب القرآن وتلاوته والعمل به

القرآن هو كلام الله، ومن أحب كلام الله أحبه الله. العبد الذي يحرص على قراءة القرآن بتدبر، ويتعلم معانيه، ويعمل بأوامره، وينتهي عن نواهيه، ينال محبة الله. وقد وصف الله عباده الصالحين بأنهم ﴿يتلونه حق تلاوته﴾ [البقرة: 121].

ذكر الله في كل الأوقات

الذكر يحيي القلب ويقويه ويربطه بالله. العبد الذي يكثر من الذكر، سواء في صلاته أو في سيره أو في بيته، يكون محبوبًا عند الله. الله عز وجل قال: ﴿فاذكروني أذكركم﴾ [البقرة: 152]. والعبد إذا ذكر الله ذكره الله في ملأ خير من ملئه.

الإحسان في العمل والإتقان

الإتقان في العمل يدل على إخلاص العبد وتفانيه، والله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه. المحبوب عند الله هو الذي يؤدي عمله بأعلى درجة من الإتقان سواء كان هذا العمل عبادة أو معاملة دنيوية. الإتقان يعكس حسن النية وصفاء القلب وقوة الالتزام بشرع الله.

نصرة المظلوم والوقوف مع الحق

الوقوف مع الحق ونصرة المظلوم من أعظم أعمال البر التي يحبها الله. من يدافع عن حقوق الآخرين، ويسعى لرفع الظلم عنهم، يكون جنديًا من جنود الله في الأرض. الله يحب العدل ويحب من يسعى إليه.

الجدول التالي يلخص أبرز الصفات التي يحبها الله في عباده:

إن محبة الله للعبد هي أعظم مكسب يمكن أن يناله الإنسان في دنياه وآخرته. وكل صفة من هذه الصفات هي مفتاح لباب عظيم من الخير، فإذا اجتهد العبد في اكتسابها والعمل بها صار من الذين يحبهم الله ويرضى عنهم ويجعلهم من أهل السعادة والنجاة.

المراجع

• القرآن الكريم

• صحيح البخاري