أسباب كثرة الرزق

مقدمة

الرزق هو أحد أعمدة الحياة الإنسانية، وهو ما يسعى إليه الإنسان منذ بدء الخليقة، فبه تستمر الحياة، وتُلبَّى الحاجات، وتُحقق الكفايات. وقد اختلف الناس في فهم معنى الرزق؛ فالبعض يحصره في المال، بينما الرزق يشمل كل ما يناله الإنسان من خيرات الدنيا كالصحة، والذرية، والعلم، والطعام، والكساء، والسكن، والأمان، والطمأنينة، وغيرها من نعم الله تعالى. وقد أودع الله في هذا الكون أسبابًا وسننًا من سار عليها نال الرزق الوفير، ومن أعرض عنها ضاق عليه رزقه. ولقد عني الإسلام ببيان أسباب الرزق الحلال وكيفية تحصيله، ووضح أن الرزق بيد الله يوزعه بحكمته وعدله على عباده.

مفهوم الرزق في الإسلام

الرزق في المفهوم الإسلامي لا يقتصر على المال وحده، بل يشمل جميع ما ينعم الله به على عباده، سواء كان مادياً أو معنوياً. فقد يكون الرزق مالاً، أو صحة، أو ذرية صالحة، أو بركة في الوقت والعمل، وقد يكون راحة نفسية وسكينة قلب. الرزق بيد الله تعالى، فهو الذي يقسمه لعباده، كما قال سبحانه:

﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الإسراء: 30].

لكن مع أن الرزق من الله، إلا أن الشريعة الإسلامية بينت العديد من الأسباب المشروعة التي تزيد الرزق وتباركه. وهذه الأسباب تشمل أعمالاً قلبية وسلوكية وأخلاقية، وهي منظومة متكاملة تجعل المسلم يعيش في سعة من الرزق، ويستشعر بركة الله في ماله وعمره وعمله.

أولاً: التقوى والإيمان بالله

التقوى من أعظم أسباب كثرة الرزق، فهي تعني التزام أوامر الله واجتناب نواهيه في السر والعلن. وقد ربط الله تعالى بين التقوى وتيسير الرزق فقال:

﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا • وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3].

فالتقوى تفتح أبواب الرزق التي قد يعجز العقل عن تصورها، والله ييسر للمتقي أموره ويجعل له مخرجًا من ضيق العيش ومن كل كرب.

ثانياً: التوكل الصادق على الله

التوكل على الله من أسباب انفتاح أبواب الرزق، فالمتوكل يوقن أن رزقه بيد الله، وأنه سبحانه هو الذي يقدر الأرزاق، فلا يجزع ولا ييأس عند تأخر الرزق، بل يأخذ بالأسباب ويسعى ويترك النتائج على الله. قال رسول الله ﷺ:

“لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا” [رواه الترمذي].

فالتوكل لا يعني ترك العمل، بل هو الجمع بين السعي الجاد والتفويض المطلق لله في النتيجة.

ثالثاً: الاستغفار وكثرة التوبة

الاستغفار من الأسباب المجربة لجلب الرزق ودفع الفقر، وقد ذكر الله سبحانه على لسان نبيه نوح:

﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا • يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا • وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12].

فالاستغفار يفتح أبواب الخيرات ويمحو الذنوب التي تكون سببًا في حبس الرزق.

رابعاً: صلة الرحم

صلة الرحم من أعظم أسباب زيادة الرزق وطول العمر كما ورد في حديث النبي ﷺ:

“من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه” [متفق عليه].

فمن بر والديه، ووصل أرحامه، وحسن معاملته لأقاربه، جعل الله له في رزقه بركة وفي عمره زيادة.

خامساً: الإنفاق في سبيل الله

الإنفاق في سبيل الله سبب مؤكد للزيادة في الرزق. فالصدقة تفتح الأبواب المغلقة وتدفع البلاء وتجلب البركة، وقد وعد الله المنفقين بالخلف فقال:

﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: 39].

وقد قال النبي ﷺ: “ما نقص مال من صدقة” [رواه مسلم].

فالإنفاق يزيد الرزق ويبارك فيه، حتى وإن بدا أن المال ينقص ظاهريًا.

سادساً: الإحسان إلى الضعفاء

الإحسان إلى اليتامى، والمساكين، والمرضى، وأصحاب الحاجات من أسباب الرزق. فقد قال رسول الله ﷺ: “هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم” [رواه البخاري].

فالله يرزق العبد بسبب دعاء من أحسن إليه، أو بسبب عونه للمحتاجين.

سابعاً: الزواج

الزواج من سنن الله في الكون، وقد جعله الله سببًا من أسباب الغنى والسعة، قال تعالى:

﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النور: 32].

فقد يظن البعض أن الزواج عبء مادي، لكنه في حقيقته باب من أبواب الرزق.

ثامناً: الدعاء وطلب الرزق من الله

الدعاء من أقوى الأسباب التي تفتح أبواب الرزق، فقد أمرنا الله بالدعاء ووعد بالإجابة، قال تعالى:

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].

وكان رسول الله ﷺ يدعو فيقول: “اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا” [رواه ابن ماجه].

والعبد إذا ألح في الدعاء واستمر عليه فتح الله له من أبواب الرزق ما لا يخطر على بال.

تاسعاً: العمل والاجتهاد والسعي

العمل الحلال من أبرز أسباب الرزق، فقد أمر الله بالسعي والعمل، فقال:

﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾ [الملك: 15].

والسعي هو سبب مادي شرعي لتحصيل الرزق. وقد عمل الأنبياء عليهم السلام بأيديهم ولم يتواكلوا. فالنبي داود كان حدادًا، والنبي محمد ﷺ رعى الغنم وعمل بالتجارة. فالعامل المجتهد يعينه الله ويوسع له في رزقه.

عاشراً: الإخلاص في العمل وإتقانه

الإخلاص وإتقان العمل من أسباب تيسير الرزق والنجاح فيه. فالعمل المتقن يجذب الناس ويكسب ثقتهم، والله يبارك فيه. وقد قال رسول الله ﷺ: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه” [رواه البيهقي].

وكلما كان المسلم أمينًا صادقًا في عمله، بارك الله له في رزقه.

حادي عشر: البركة في الوقت والجهد

البركة هي منحة إلهية تجعل القليل كثيرًا، وتزيد من كفاءة الوقت والعمل. والبركة تأتي نتيجة الطاعات مثل صلاة الفجر في وقتها، وذكر الله، وقراءة القرآن، وبر الوالدين. ومن حافظ على الصلوات، وبدأ يومه بطاعة الله، رزقه الله البركة في يومه كله.

ثاني عشر: القناعة والرضا بما قسمه الله

القناعة سبب عظيم في الشعور بالغنى ولو كان المال قليلًا. فالعبد القانع يرضى بما قسم الله له ولا يتطلع لما في أيدي الناس. وقد قال النبي ﷺ: “قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه” [رواه مسلم].

والقناعة تجلب راحة النفس، وتبعد الحسد، وتجعل الرزق القليل ينمو بالبركة.

جدول يوضح أهم أسباب كثرة الرزق وأثرها

خاتمة

الرزق نعمة عظيمة من الله عز وجل يتوجب على المسلم أن يسعى لتحصيلها من أبوابها المشروعة. وقد جعل الله في الكون سننًا واضحة، وربط الأسباب بالمسببات، فمن أخذ بأسباب الرزق وفق منهج الله بورك له فيما رزق. ومن أعظم أبواب تحصيل الرزق الطاعة والاستقامة، والابتعاد عن الحرام، والإخلاص في العمل، والدعاء، والإنفاق في سبيل الله. فالرزق بيد الله وحده، ومن توكل عليه وأخذ بالأسباب المشروعة كفاه الله وأغناه.

المراجع

• تفسير ابن كثير.

• صحيح البخاري.