كيفية الغسل للنفساء: شرح مفصل شامل

الغسل من الأمور الشرعية التي لها أهمية كبيرة في حياة المسلم، إذ يعد من الطهارة التي تُرفع بها الحدث الأكبر، ومن ثم يستعين بها الإنسان على أداء العبادات الشرعية مثل الصلاة والصيام. ومن بين الغسلات التي يُلتزم بها في الشريعة الإسلامية غسل النفساء، وهو الغسل الخاص بالمرأة التي ولدت طفلاً، والذي يجب عليها أداؤه طهارة من الحيض والنفاس حتى تستأنف العبادات.

تعريف النفاس

النفاس هو الدم الذي يخرج من رحم المرأة بعد الولادة، وهو دم يختلف عن دم الحيض في السبب والزمن. يبدأ النفاس بمجرد انتهاء عملية الولادة سواء كانت ولادة طبيعية أو قيصرية، ويستمر عادة لفترة زمنية معينة لا تتجاوز أربعين يوماً، وإذا طال أكثر من ذلك يعد خروج دم غير نفاس ويعتبر دمًا مرضيًا.

تُعد النفاس حالة من حالات الحدث الأكبر، ولذلك يلزم معها الاغتسال الكامل قبل أداء العبادات كالصلاة، ولهذا يجب على المرأة أن تعلم كيفية أداء الغسل الصحيح للنفساء ليعود إليها طهارته الشرعية.

حكم الغسل للنفساء

الغسل للنفساء واجب شرعًا، فلا يصح أداء الصلاة أو لمس المصحف أو الطواف بالكعبة إلا بعد الغسل من النفاس. وهو من السنن المؤكدة في الإسلام، وتركه يؤثر في صحة العبادات. ويجب أن يتم هذا الغسل مرة واحدة على الأقل، في نهاية مدة النفاس.

شروط الغسل للنفساء

قبل الخوض في طريقة الغسل، من المهم معرفة الشروط التي يجب توافرها في الغسل ليكون صحيحًا شرعًا، وهي كالتالي:

1. النية: يجب على المرأة أن تنوي الغسل للتطهر من الحيض أو النفاس. النية شرط أساسي في صحة العبادات.

2. التأكد من انتهاء النفاس: يجب أن تتأكد المرأة أن الدم الخارج لم يعد دم نفاس، بل انتهى، أو أن مدة النفاس قد انقضت.

3. استخدام الماء الطهور: الماء المستخدم في الغسل يجب أن يكون طاهرًا غير ملوث، ويكفي الماء العادي بدون تحلية أو تكثير.

4. التغطية المناسبة: يجب أن يكون الغسل في مكان خاص يحفظ الحياء والخصوصية.

5. عدم وجود عذر يمنع الاغتسال: كأن تكون المرأة مريضة أو لا تستطيع استخدام الماء، ففي هذه الحالة يمكن التيمم.

كيفية الغسل للنفساء خطوة بخطوة

الغسل للنفساء يشبه الغسل من الجنابة في أصوله، لكنه مع بعض التفصيلات التي تراعى خاصة بالنساء. وفيما يلي خطوات الغسل بالتفصيل:

1. البدء بالنية

ينوي الإنسان في قلبه أن يغتسل طهارة من دم النفاس، ولا يشترط التلفظ بالنية، بل يكفي القصد والنية الداخلية. النية هي المفتاح الذي يجعل الغسل عبادة مقبولة.

2. غسل اليدين جيدًا

يبدأ الغسل بغسل اليدين جيدًا ثلاث مرات، للتأكد من نظافة اليدين قبل استخدامهما في غسل الجسم، وهذا من آداب الوضوء والاغتسال.

3. تنظيف الأعضاء الخاصة

تغسل المرأة موضع الدم جيدًا، وذلك باستخدام الماء والصابون أو غيره من المنظفات المعتادة، مع التأكد من إزالة أي أوساخ أو بقايا دم.

4. الوضوء الكامل

ينبغي القيام بالوضوء قبل أو أثناء الغسل، فهو مستحب حتى يُتم الإنسان الطهارة، ويُقال إن الوضوء مع الغسل يُكمل الطهارة.

5. سكب الماء على الرأس

تسكب المرأة الماء على رأسها ثلاث مرات على الأقل، مع تمشيط الشعر باليد أو الأصابع للتأكد من وصول الماء إلى كل أجزاء الرأس وفروة الرأس. ويجب أن يصل الماء إلى فروة الرأس لأن الشعر قد يكون كثيفًا.

6. غسل كامل الجسم

يبدأ غسل باقي الجسم من أعلى إلى أسفل، فيتم سكب الماء على الجسم كاملاً مع فرك الجسم باليد لضمان وصول الماء إلى كل جزء، خاصة الأماكن التي يصعب وصول الماء إليها كتحت الإبطين وبين الأصابع.

7. التأكد من وصول الماء إلى الجلد

يجب التأكد من وصول الماء إلى الجلد دون أن يعوق ذلك شيء، فلو كان الشعر كثيفًا يجب إبعاده لتصل المياه إلى فروة الرأس، وكذلك يجب فرك الجسم لتنظيف كل الأعضاء والسطوح.

8. غسل الرجلين

ينتهي الغسل بغسل القدمين حتى الكعبين، ويجب التأكد من وصول الماء إليهما.

9. الترتيب في الغسل

الترتيب سنة مؤكدة، إذ يبدأ بالمقدمة ثم اليسار ثم اليمين، ويُفضل أن يتم الغسل بهذا الترتيب إن أمكن.

النقاط الهامة في غسل النفساء

• لا يشترط استخدام الصابون، ولكن استخدامه مستحب لتنظيف الأوساخ والدماء.

• يمكن استبدال الغسل بالتيمم في حالة المرض الشديد أو عدم وجود ماء، مع التوبة والنية.

• إذا خرج دم بعد الغسل وكان نفاسًا فإن الغسل السابق يظل صحيحًا.

• يُستحب أن يتم الغسل بعد الاستراحة وتأمين الخصوصية.

• الغسل صحيح بدون الاستحمام الكامل، لكن الاستحمام المستحب يغطي الغسل.

مدة النفاس والفرق بينها وبين الحيض

النفاس يختلف عن الحيض، حيث أن الحيض عبارة عن دم ينزل بانتظام شهريًا، أما النفاس فهو الدم الذي يلي الولادة ويختلف من حيث الكيفية والكمية.

مدة النفاس تختلف من امرأة لأخرى لكنها غالبًا لا تتجاوز الأربعين يومًا، وقد ينخفض الدم تدريجيًا حتى يتوقف، وعندها يجب على المرأة أن تغتسل الغسل الكامل للنفساء.

أهمية الغسل للنفساء في الإسلام

الغسل للنفساء له أثر كبير في الحياة الدينية والاجتماعية للمرأة، فهو شرط لصحة الصلاة والصيام، كما أنه يعود بالراحة والنظافة على المرأة نفسها. بالإضافة إلى كونه سنة نبوية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان» مما يدل على أهمية الطهارة في العقيدة.

أيضًا الغسل يساعد على إزالة أي أثر للنقاء أو دنس يتركه الدم بعد الولادة، ويجعل المرأة قادرة على أداء عباداتها بسهولة وطمأنينة.

الموانع أو الحالات التي تستوجب التيمم بدلاً من الغسل

في حالات المرض الشديد أو عدم توفر الماء، يجوز للمرأة النفاس التيمم بدلاً من الغسل بالماء. التيمم يكون عبر مسح الوجه واليدين التراب الطاهر بعد النية، ويعتبر بديلًا شرعيًا مؤقتًا إلى أن يتمكن من الغسل بالماء.

أيضًا في حال السفر أو وجود ظروف تمنع الاستحمام أو الاغتسال، يتم التيمم مع المحافظة على النية.

الفقهاء ومذاهبهم في غسل النفساء

اتفق الفقهاء على وجوب الغسل للنفساء، ولكن بعض التفاصيل تختلف بحسب المذاهب الفقهية:

• الحنفية: الغسل واجب، وتكفي مرة واحدة بنية التطهر من النفاس.

• المالكية: يشترط الغسل مرة واحدة مع الوضوء، ويجب فرك الرأس والجسم بالماء.

• الشافعية: الغسل مرة واحدة مع الترتيب والوضوء، والاستحمام سنة.

• الحنابلة: الغسل واجب مرة واحدة مع الوضوء، والاستحمام سنة مؤكدة.

كل هذه المذاهب تتفق على أهمية الغسل والتطهر منه لضمان صحة العبادات، مع بعض الاختلافات في التفصيلات.

نظرة صحية ونفسية على الغسل للنفساء

بعد الولادة، تعاني المرأة من تغيرات جسدية ونفسية كبيرة، والاهتمام بالطهارة والنظافة من خلال الغسل يساعد في تحسين الحالة الصحية والنفسية. الغسل يزيل بقايا الدم والسوائل، ويجعل المرأة تشعر بالانتعاش والحيوية، ويعزز من توازنها النفسي.

إضافة إلى ذلك، الالتزام بالغسل والنظافة بعد الولادة يقي من الالتهابات والعدوى التي قد تتعرض لها المرأة في هذه الفترة الحساسة، وبالتالي يحافظ على صحتها وسلامتها.

خلاصة

الغسل للنفساء هو ركن أساسي في الطهارة الشرعية التي لا بد من إتمامها بعد الولادة لتطهير المرأة من دم النفاس، ويشمل النية، غسل اليدين، تنظيف العضو، سكب الماء على الرأس، ثم غسل الجسم كاملاً. ويعتبر هذا الغسل شرطًا لصحة الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات.

مدة النفاس تصل حتى أربعين يومًا، وينتهي عند توقف الدم، وعندها يجب الغسل الكامل. في حالة عدم توفر الماء أو وجود عذر صحي، يجوز التيمم. كما أن الالتزام بالغسل يعكس جانبًا صحيًا ونفسيًا مهمًا للمرأة بعد الولادة.

هذه الفريضة تمثل جانبًا من رحمة الله بالعباد، حيث جعل الطهارة وسيلة لاستعادة الإنسان نقاءه الجسدي والروحي، وهي إحدى علامات العناية الإسلامية بالإنسان في جميع مراحل حياته.

المراجع

1. الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق.

2. كتاب العبادات، الشيخ محمد صالح المنجد، موقع الإسلام ويب.