هلاك قوم فرعون وعبره

هلاك قوم فرعون في القرآن الكريم

في التاريخ الإسلامي، تعد قصة هلاك قوم فرعون واحدة من أبلغ وأهم القصص التي تحمل العديد من العبر والدروس التي تتعلق بالتوحيد والعدل والطغيان. ذكر القرآن الكريم هذه القصة في العديد من الآيات التي تسلط الضوء على قسوة وطغيان فرعون، وكيف كان مصير قومه نتيجة لتمردهم على الله سبحانه وتعالى. وتعد هذه القصة جزءاً أساسياً من كتاب الله، الذي أوردها بأسلوب متميز في الكثير من السور مثل سورة الأعراف، وسورة يونس، وسورة طه، وغيرها. فكان هلاك فرعون وقومه مثالًا حيًا على أن الطغاة مهما بلغوا من القوة والجبروت، فإنهم لا يمكنهم التسلط على إرادة الله عز وجل.

1. من هو فرعون؟

كان فرعون حاكمًا في مصر، وهو لقب يطلق على الملوك الذين حكموا مصر في فترة معينة من التاريخ. وقد عرف فرعون في القرآن الكريم بطغيانه وفساده، فقد كان يعتقد أن لا إله سوى نفسه. وكانت حكمته وفلسفته تتلخص في التكبر على الناس والادعاء بأنه هو الإله المعبود.

ويستدل من القرآن الكريم أن فرعون كان قد خالف ما أرسله الله تعالى من رسائل أنبيائه، وأشرك بالله سبحانه وتعالى، وكان يسيطر على الناس بالقوة والظلم، حتى بلغ به الأمر أن يقتل الأبناء من بني إسرائيل، ويستعبدهم. وقد أرسل الله تعالى له موسى عليه السلام ليكون نذيرًا له وللقوم الذين اتبعوه.

2. دعوة موسى عليه السلام لفرعون

كان موسى عليه السلام رسولًا من عند الله سبحانه وتعالى، وابتعثه الله تعالى ليكون هداية وفرجًا لبني إسرائيل من ظلم فرعون. أرسله الله بالعديد من المعجزات الدالة على صدقه وحق رسالته، حيث كان من أهم تلك المعجزات: العصا التي تتحول إلى حية، ويده التي تخرج بيضاء، وغير ذلك من الآيات الكبرى التي شهدها فرعون.

رغم ما أراه الله لفرعون من آيات عظيمة، استمر في كفره وطغيانه، إذ رفض الاستماع إلى دعوة موسى، وكان دائمًا يتهكم به وبآيات الله. لم يتوقف عند هذا الحد، بل حاول محاربة موسى عليه السلام والأنبياء بشكل عام، إلى أن وقع ما كان من هلاك قومه.

3. الآيات التي حلّت على قوم فرعون

بدأت الآيات التي نزلت على فرعون وقومه في صورة عذاب مستمر ومتتابع. فقد أرسل الله إليهم عدة آيات تتوالى تباعًا، في محاولة لتحريك قلوبهم إلى التوبة والرجوع عن طريق الضلال، ولكنهم ظلوا على عنادهم وكفرهم. نذكر هنا بعض هذه الآيات التي أرسلها الله تعالى:

• الدم: أولى الآيات التي نزلت على قوم فرعون كانت تحول ماء النيل إلى دم، مما تسبب في معاناة شديدة للشعب المصري. كانت هذه أولى علامات عذاب الله عليهم.

• الضفادع: بعدها أرسل الله عليهم موجة من الضفادع التي تغطي كل مكان، حتى أصبح الناس لا يستطيعون تحريك أي شيء دون أن تكون الضفادع ملتصقة بكل شيء.

• القمل: تلته آية أخرى، وهي انتشار القمل الذي ملأ جسد البشر والحيوانات على حد سواء.

• الجراد: ثم جاء الجراد الذي أكل كل شيء، من النباتات والمحاصيل، مما أفقر الناس وأضناهم.

• الحمّى: أصابهم أيضًا عذاب الحمى، وكان هذا كله آيات من الله تهدف إلى تحذيرهم من مغبة الاستمرار في الكفر.

وفي كل مرة كان فرعون يقيم صلحًا مع موسى عليه السلام ويعده بأن يؤمن هو وقومه، ثم ينكث العهد ويعود إلى جحوده وكفره.

4. الغرق والهلاك النهائي

وبعد أن تفشى الظلم والطغيان في مصر، وكانت آيات الله تتراكم على قوم فرعون، أمر الله موسى عليه السلام أن يقود بني إسرائيل في الهجرة من مصر. فخرج موسى ومن معه، إلا أن فرعون لم يتعظ بما رأى من آيات العذاب، بل طاردهم بعصبيته وظلمه.

في تلك اللحظات الحرجة، كان البحر أمامهم والعدو خلفهم، ولكن الله تعالى أمر البحر أن ينفلق ويصبح طريقًا مفتوحًا لعبور بني إسرائيل. ولما عبر موسى ومن معه، عادت المياه إلى مجراها، فغرق فرعون وجنوده في البحر.

وتفاصيل غرق فرعون جاءت في القرآن الكريم في عدة آيات، مثل قوله تعالى: “فَفَارَقَ الْقَوْمَ فَغَرَقَ فِيهِ” (سورة الأعراف: 136). وفي تلك اللحظة، أدرك فرعون قبل موته أنه لا إله إلا الله، ولكن ذلك كان في اللحظات الأخيرة من حياته، وقد رد الله عليه بما قال في كتابه الكريم: “آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ” (سورة يونس: 91).

5. دروس وعبر من هلاك قوم فرعون

إن هلاك فرعون وقومه يحمل العديد من الدروس المهمة. فمن أبرز الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه القصة:

• العدالة الإلهية: تظهر هذه القصة كيف أن الله تعالى يقتص من الظالمين الذين يطغون في الأرض، مهما كان لديهم من قوة وجبروت.

• التوبة: رغم أن فرعون وصل إلى مرحلة من الكبرياء والغرور بحيث رفض توبة الله، فإن القصة تبرز حقيقة أن التوبة لا تقبل في آخر لحظة إذا كانت قبل الموت بغير ندم.

• العاقبة الوخيمة للتمرد: قوم فرعون مثال على أن الطغيان والتمرد على أوامر الله لن يمر دون عواقب.

• حكمة الأنبياء: موسى عليه السلام كان هو الناصح الحكيم الذي حاول توجيه فرعون وتهذيبه، على الرغم من كل الصعوبات والمعوقات التي واجهها.

6. موقف القرآن الكريم من هلاك قوم فرعون

القرآن الكريم يروي قصة هلاك فرعون مع التركيز على عدة جوانب. تارة يذكر العذاب الذي حل بالقوم، وتارة أخرى يسلط الضوء على الخلل العقائدي والتحدي الذي أبداه فرعون أمام الله عز وجل. وفي جميع الأحوال، كانت النهاية واحدة: الهلاك الأبدي.

وبذلك، تظل قصة فرعون من أكثر القصص التي تروي عن الظلم والطغيان، وهي بمثابة عبرة للمتكبرين والطغاة في كل زمان ومكان، على أن الله تعالى قادر على أن يهلك الظالمين في لحظة، وأنه هو الوحيد الذي يجب أن يُعبد ويُطاع.