حاول أن لا تتكلم وأنت تمشي.. والسبب هو!
من المعروف أن الإنسان في حياته اليومية يمر بالكثير من المواقف التي تتطلب التحدث والتواصل مع الآخرين. في المحيط الاجتماعي، على الرغم من أن الحوار والتفاعل اللفظي جزء أساسي من حياتنا، إلا أن هناك بعض المواقف التي يتعين علينا فيها أن نكون حذرين بشأن التحدث في وقت غير مناسب. واحدة من تلك اللحظات التي قد تمر بها يومياً دون أن تعيرها الكثير من الانتباه هي لحظة المشي، وتحديداً المشي أثناء التحدث.
عند المشي، يمر الإنسان بعدد من العمليات الفسيولوجية التي تؤثر على قدرته على التركيز، ومن بين هذه العمليات التنسيق بين العضلات، الحفاظ على توازن الجسم، وتوجيه الطاقة نحو الحركه. حين نضيف إليها التحدث أثناء المشي، يزداد العبء العصبي على الدماغ، مما يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات غير مرغوب فيها سواء على مستوى الصحة الجسدية أو على مستوى التفاعل الاجتماعي.
المشي والتحدث: معركة بين الدماغ والجسد
عند المشي، ينشغل الدماغ بالعديد من المهام في وقت واحد. التحكم في حركة الجسم وتوجيه العضلات والاهتمام بالمحيط المحيط بنا، كل هذا يتطلب تركيزاً عقلياً لا يمكن فصله بسهولة. وإذا بدأنا التحدث أثناء المشي، يبدأ الدماغ في توزيع انتباهه بين عدة مهام، مما يمكن أن يؤدي إلى تشتت التركيز بشكل كبير. هذا التشتت قد يؤثر على التنسيق بين حركة القدمين والجسم، مما يزيد من فرص وقوع الحوادث مثل التعثر أو الوقوع.
المشي في حد ذاته عملية حساسة تتطلب التنسيق بين العضلات والمفاصل لتوفير حركة سلسة ومتوازنة. التحدث في الوقت ذاته يضيف عبئاً إضافياً على الدماغ، مما قد يؤثر على قدرة الشخص على الحفاظ على التوازن. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب التحدث تنسيقاً بين الجهاز التنفسي والأحبال الصوتية، مما يزيد من العبء على الجهاز العصبي الذي يعمل بالفعل على تنسيق الحركات الجسدية.
تأثيرات نفسية وصحية
من ناحية أخرى، قد يكون للتحدث أثناء المشي تأثيرات نفسية غير مرغوب فيها. كثير من الدراسات أشارت إلى أن الدماغ البشري لا يستطيع أداء مهام متعددة بشكل فعال في نفس الوقت، إذ يواجه الشخص صعوبة في التركيز على كل من الحديث والمشي في آن واحد. هذا التشتت المستمر يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في مستوى الانتباه العام، مما يجعل الشخص أكثر عرضة للأخطاء أو اتخاذ قرارات غير دقيقة أثناء المشي. كما أن استمرار هذا الضغط العقلي على الدماغ يمكن أن يؤدي إلى شعور بالإرهاق العقلي.
بالإضافة إلى ذلك، عندما نتحدث أثناء المشي، فإن مستوى النشاط العصبي يزيد. وهذا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع مستويات التوتر، خاصة إذا كان الحديث يحمل طابعًا عاطفيًا أو يتطلب طاقة ذهنية عالية. وبالتالي، إذا كان الشخص يمشي لفترة طويلة مع التحدث، فإن هذا يمكن أن يؤثر على حالته النفسية بشكل سلبي. يزداد مستوى التوتر والتعب العقلي، ويشعر الشخص بالإرهاق بشكل أسرع من المعتاد.
مشهد اجتماعي وتفاعلي
على المستوى الاجتماعي، يعتبر التحدث أثناء المشي من العادات الشائعة التي قد لا يلاحظها الكثيرون، ولكنها تحمل أبعاداً اجتماعية مثيرة. في كثير من الحالات، قد يعتقد الشخص الذي يتحدث أثناء المشي أنه يمكنه إنجاز مهمتين في وقت واحد، لكن هذا قد يترجم إلى قلة التركيز في المحادثة نفسها. فالتحدث بينما تكون في حركة لا يمنحك الفرصة للاستماع بتركيز أو إظهار التفاعل العاطفي الكافي مع الشخص الآخر. من الممكن أن يؤدي هذا إلى عدم فهم جيد للمحتوى الذي يتم تبادله، ما يعكر جودة التفاعل بين الطرفين.
عندما يتحدث شخص ما أثناء المشي، قد يشعر الآخرون بعدم الاهتمام أو انعدام التركيز. وقد يترتب على ذلك سوء فهم في بعض الأحيان، حيث يعتقد الشخص الذي يتم التحدث إليه أنه غير مهم بما فيه الكفاية ليحظى باهتمام كافٍ. وهذا يؤثر على العلاقة الاجتماعية بين الأشخاص، سواء كانت علاقة مهنية أو شخصية، ويزيد من احتمالية حدوث سوء تفاهم.
من منظور علمي: لماذا يجب أن لا تتحدث أثناء المشي؟
تشير بعض الدراسات العلمية إلى أن الدماغ البشري لا يملك القدرة على القيام بعدة مهام معقدة في وقت واحد بكفاءة عالية. وقد أظهرت أبحاث في علم الأعصاب أن القيام بأنشطة بدنية مثل المشي يتطلب إشراك عدد كبير من مناطق الدماغ المتخصصة في التنسيق الحركي والحفاظ على التوازن. وإذا أضفنا إلى ذلك التواصل اللفظي، الذي يتطلب إشراك مناطق أخرى من الدماغ مثل تلك المسؤولة عن النطق والتفسير اللغوي، فإن الدماغ يجد نفسه أمام تحدي غير بسيط.
من منظور فيزيولوجي، يتطلب التحدث تنسيقًا بين الحبال الصوتية والأحبال الصوتية والجهاز التنفسي، وفي الوقت نفسه يجب على الدماغ تنسيق عملية المشي بشكل دقيق لضمان الاستمرارية وعدم الوقوع. من هنا، يظهر بوضوح لماذا يمكن أن يكون التحدث أثناء المشي مصدرًا للضغط الزائد على الدماغ والجسم.
الوقاية والحلول
لتجنب التأثيرات السلبية الناتجة عن التحدث أثناء المشي، يمكن اتباع بعض الحلول العملية. أولاً، من الأفضل تخصيص وقت معين للتحدث مع الآخرين بدلاً من القيام بذلك أثناء المشي. إذا كانت المحادثة تتطلب نقاشًا مهمًا أو تفاعلًا عاطفيًا، فيجب أخذ وقت للتوقف أو الجلوس للحديث بشكل مباشر دون تشتيت الانتباه.
ثانيًا، في حال كان من الضروري الحديث أثناء المشي، يُنصح بالتحدث حول مواضيع بسيطة أو غير معقدة يمكن للدماغ التعامل معها بسهولة دون زيادة العبء عليه. على سبيل المثال، يمكن الحديث عن الطقس أو الأمور اليومية الخفيفة التي لا تتطلب الكثير من التحليل أو التفكير العميق.
أخيراً، في بعض الحالات التي تتطلب المشي لمسافات طويلة أو التفاعل مع أشخاص آخرين، من الأفضل أخذ فترات راحة قصيرة لتخفيف الضغط العصبي والبدني، مما يساعد على الحفاظ على التركيز والتفاعل الاجتماعي الجيد.
خلاصة
إن التحدث أثناء المشي قد يبدو أمرًا عاديًا في حياتنا اليومية، لكنه يحمل العديد من الأبعاد التي يمكن أن تؤثر على صحتنا البدنية والعقلية. من خلال فهم كيفية تأثير هذه العادة على الدماغ والجسم، يمكننا اتخاذ قرارات أفضل حول متى وكيف نتحدث أثناء المشي. يجب أن نتذكر أن الحفاظ على توازن جسدي وعقلي هو أمر أساسي للصحة العامة، وأن تخصيص الوقت والتركيز للمحادثات الهامة يمكن أن يحسن من نوعية حياتنا الاجتماعية ويعزز من صحتنا العقلية والجسدية.
