عدد سجدات السهو في الصلاة: شرح مفصل وأحكامها الفقهية

سجدات السهو من الأحكام الفقهية المهمة في الصلاة، وهي وسيلة لتصحيح بعض الأخطاء التي قد تقع أثناء أداء الصلاة، سواء أكان الخطأ سهواً أو نسياناً أو زيادة أو نقصاناً في أركان الصلاة أو شروطها. تعتبر سجدات السهو من السنن المؤكدة التي جاء بها الشرع كتعويض عن زلل يصيب المصلي دون قصد، وهي من مظاهر العناية الإلهية براعي الصلاة وتنظيمها في إطار من الرحمة واليسر.

مفهوم سجدات السهو

سجدات السهو تعني سجدتين يؤدّيهما المصلي في آخر صلاته عند الانتهاء منها، وذلك تعويضاً عن الخطأ أو السهو الذي حدث أثناء الصلاة. يشرع سجود السهو عند وقوع نقص أو زيادة أو شك في عدد الركعات، أو عند حدوث خلل في ترتيب الصلاة، وذلك ليتم إكمال الصلاة على الوجه الصحيح، وفق الأحاديث النبوية التي بيّنت ذلك.

وقد اختلف العلماء في أحكام سجدات السهو من حيث عددها ومتى تؤدى، لكن الإجماع على أن السجدتين يكونان في نهاية الصلاة قبل التسليم أو بعده بحسب نوع الخطأ أو الموقف.

أسباب وجوب سجدات السهو

تختلف أسباب وجوب سجدات السهو بين ما يتعلق بالنقص، والزيادة، والشك، وسنن الصلاة، ومن أهم هذه الأسباب:

1. النقص في أركان الصلاة أو أفعالها: مثل ترك ركن من أركان الصلاة عن سهوا، كترك التشهد الأوسط في الصلاة الرباعية.

2. الزيادة في أركان الصلاة: كزيادة ركعة أو فعل غير مشروع في الصلاة بدون قصد.

3. الشك في عدد الركعات: إذ يشك المصلي هل صلّى ثلاث ركعات أم أربع، فيرجح ويصلي السجدتين.

4. الترتيب الخاطئ: مثل حدوث خلل في ترتيب أركان الصلاة كالتشهد قبل القيام في الصلاة الرباعية.

كل هذه الحالات تستوجب القيام بسجدات السهو تعويضاً لما وقع من خلل أثناء الصلاة.

عدد سجدات السهو

عدد سجدات السهو هو سجدتان فقط، ولا يجوز الزيادة أو النقصان فيهما. وهذا ما أجمع عليه جمهور العلماء من جميع المذاهب، وهو مأخوذ من الأحاديث النبوية الصحيحة، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«إن الرجل لينسي في صلاته شيء فيسجد للسهو بسجدتين» (رواه البخاري ومسلم)

وقد ورد عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يسجدون للسهو بسجدتين، وهو عدد ثابت.

متى تؤدى سجدات السهو

يمكن أداء سجدات السهو في حالات ثلاثة، تختلف بحسب نوع الخطأ:

1. قبل التسليم من الصلاة

يُؤدى سجود السهو قبل التسليم من الصلاة في حالة النقص، مثل ترك ركن من أركان الصلاة عن غير قصد أو السهو في فعل فرض من الفروض. فعلى المصلي حينها أن يسجد سجدتي السهو ثم يُسلّم.

2. بعد التسليم من الصلاة

إذا كان الخطأ زيادة في الصلاة كزيادة ركعة أو زيادة فعل أو إذا شك المصلي في عدد الركعات، فإن سجدتي السهو تؤدى بعد التسليم مباشرة.

3. في حال الشك

يؤدي سجود السهو حسب المذهب الفقهي المتبع، فمثلاً:

• المذهب الحنفي: إذا شك المصلي في عدد الركعات يعتقد بالرجحان ويكمل الصلاة، ثم يسجد السهو بعد التسليم.

• المذهب المالكي والشافعي والحنبلي: إذا شك في الصلاة يُصلّي على ما يظنه ثم يسجد للسهو بعد التسليم.

كيفية أداء سجدات السهو

طريقة أداء سجدات السهو مشابهة تماماً للسجود في الصلاة، حيث يرفع المصلي من التشهد الأخير بعد الانتهاء من الأذكار، ويسجد على الأرض سجدتين متتابعتين. في السجدة، يضع الجبهة وأنفّه على الأرض، مع وضع اليدين على الأرض تحت الأكتاف أو تحت الرأس، مع التخشع والخضوع.

بعد الانتهاء من السجدتين، يكمل المصلي الصلاة بالتسليم إذا لم يكن قد سلّم، أو يسلّم إذا كانت السجدتان بعد التسليم.

حكم سجدات السهو

سجدات السهو سنة مؤكدة، ولا تصح الصلاة بدونها إذا كان سببها يستوجب السجود، كما أنها تكمل الصلاة وتصحّحها. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود للسهو في عدة أحاديث منها:

“إذا شك أحدكم في صلاته فليرجع إلى ما يرجح عنده، ثم يسجد للسهو” (رواه البخاري ومسلم).

كما أن ترك سجود السهو عند الحاجة إليه لا يبطل الصلاة ولكنه ناقص، ويفضل تعويضه إذا تذكر.

الفرق بين سجدات السهو وسجدات التلاوة

من المهم التفريق بين سجدات السهو وسجدات التلاوة، فكلاهما سجود في الصلاة ولكن لهما أحكام مختلفة:

• سجدات السهو: تؤدى عند وجود نقص أو زيادة أو شك في الصلاة، وتصحح الصلاة وتتممها.

• سجدات التلاوة: تؤدى عند قراءة آية فيها سجدة شرعية، ولا تؤثر على صحة الصلاة ولا تلزم بعدد معين، وهي فقط سنة لمن قرأ أو سمع الآية.

جدول يوضح حالات وأوقات أداء سجدات السهو

أهمية سجدات السهو في الإسلام

سجدات السهو تعبر عن رحمة الله وتيسيره على عباده في أدائهم للعبادات، فهي تجنب المصلي العقاب على أخطاء غير مقصودة، وتبين أن العبادة في الإسلام ليست عن طريق التعقيد بل باليسر والرحمة. كما أنها تحث على التدقيق والانتباه في أداء الصلاة، وتعلم المصلي كيف يصحح أخطاءه بطريقة سهلة وسلسة.

إن الالتزام بأداء سجدات السهو يجعل الصلاة كاملة وصحيحة، ويزيد من خشوع المصلي واستقامته في العبادات. وهي أيضاً دليل على اهتمام الشريعة بأدق تفاصيل الصلاة لتحقيق قبولها.

مصادر ومراجع

• كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي، حيث تناول فيه أحكام الصلاة وسجدات السهو بالتفصيل.

• صحيح البخاري ومسلم، الأحاديث المتعلقة بسجدات السهو وأحكامها.

سجدات السهو وسيلة شرعية ضرورية لتعويض النقص أو الزيادة أو الشك في الصلاة، ويجب على المسلم مراعاتها والحرص على أدائها لتصح صلاته ويقبلها الله تعالى. ويجب معرفة حالات أدائها بالتفصيل لضمان الاتقان في أداء الصلاة، التي هي عمود الدين وأساس العلاقة بين العبد وربه.