أضرار شرب الماء للرضيع

أضرار شرب الماء للطفل الرضيع

في مرحلة الطفولة المبكرة، خصوصًا خلال الشهور الأولى من عمر الرضيع، تتسم التغذية والحماية الصحية بالدقة الشديدة والحساسية البالغة، إذ يكون جسم الطفل في طور التكوين والنمو ويعتمد بشكل كلي على الحليب – سواء حليب الأم أو الحليب الصناعي – كمصدر وحيد للتغذية والسوائل. من هنا تأتي أهمية الوعي بالممارسات الخاطئة التي قد تُعرض صحة الرضيع للخطر، ومن أبرز هذه الممارسات هي إعطاء الماء للرضيع في عمر مبكر قبل أن يصبح جهازه الهضمي والكلوي مؤهلًا للتعامل معه. يُعد إدخال الماء في تغذية الرضيع قبل الأوان أحد السلوكيات الشائعة التي تتعارض مع التوصيات الطبية الحديثة والتي يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.

في هذا المقال المفصل، نستعرض المخاطر والأضرار العلمية لشرب الماء في مرحلة الرضاعة الطبيعية، والآليات الفسيولوجية التي تفسر هذه الأضرار، مع تسليط الضوء على توصيات الهيئات الطبية العالمية بهذا الشأن.

المفهوم الخاطئ حول حاجة الرضيع للماء

يعتقد الكثير من الأهالي بأن الرضيع، كبقية البشر، بحاجة إلى شرب الماء بجانب الحليب، خاصة في الأجواء الحارة أو بعد تناول الحليب الصناعي. غير أن هذا الاعتقاد لا يستند إلى قاعدة علمية، إذ يحتوي الحليب الطبيعي والصناعي على نسبة مرتفعة من الماء تكفي حاجة جسم الرضيع في هذه المرحلة. فحليب الأم يحتوي على ما يقارب 88% من الماء، مما يجعله يغني تمامًا عن الحاجة إلى الماء الخارجي خلال أول 6 أشهر من حياة الطفل.

الأضرار الفسيولوجية لشرب الماء عند الرضيع

1. نقص الصوديوم في الدم (تسمم الماء)

واحدة من أخطر الأضرار التي قد يتعرض لها الطفل الرضيع نتيجة شرب الماء هي حالة “تسمم الماء” (Water intoxication)، وهي حالة تحدث نتيجة تناول كميات زائدة من الماء تؤدي إلى انخفاض تركيز الصوديوم في الدم (Hyponatremia). انخفاض تركيز الصوديوم يُسبب اختلالاً في توازن السوائل داخل الجسم، مما يؤدي إلى دخول الماء إلى خلايا الجسم بما فيها خلايا الدماغ، فتنتفخ الخلايا بشكل خطير. وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات مثل:

• نوبات تشنجية

• خمول شديد

• انخفاض حرارة الجسم

• صعوبة في التنفس

• في الحالات الشديدة: غيبوبة أو وفاة

2. تحميل الكلى فوق طاقتها

يُولد الرضيع بكلى غير مكتملة النمو من الناحية الوظيفية، ولا تصبح الكلى قادرة على تصفية كميات كبيرة من السوائل والأملاح إلا بعد مرور عدة أشهر. وعند إعطاء الطفل الماء، يُطلب من الكلى أن تتعامل مع كميات من السوائل خارج قدرتها الاستيعابية، مما يضع ضغطًا إضافيًا على الكلى ويؤدي إلى إجهادها، وهذا قد يؤثر على تطورها الطبيعي.

3. ضعف امتصاص العناصر الغذائية

عندما يُعطى الرضيع الماء، فإن ذلك قد يملأ معدته الصغيرة بسائل لا يحمل أي قيمة غذائية، مما يجعله يشبع عن الحليب الغني بالبروتينات والفيتامينات والمعادن. هذا الانخفاض في استهلاك الحليب يؤدي إلى:

• تقليل كمية السعرات الحرارية اللازمة للنمو

• ضعف الجهاز المناعي

• تأخر النمو الجسدي والعقلي

• احتمالية ظهور علامات سوء تغذية مع الوقت

4. اضطراب التوازن الكهربائي في الجسم

جسم الرضيع يعتمد على توازن دقيق بين الشوارد (الإلكتروليتات) مثل الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم، والتي يتم التحكم فيها من خلال التغذية السليمة والعمليات الفسيولوجية الدقيقة. شرب الماء بكميات غير محسوبة يؤدي إلى تخفيف هذه الشوارد في مجرى الدم، ما يُحدث اضطرابات كهربائية في الخلايا العصبية والعضلية ويؤثر على وظائف القلب والدماغ.

التأثيرات السلوكية والتغذوية طويلة المدى

1. اضطرابات النوم والتهيج

قد يُلاحظ الأهل أن الطفل أصبح أكثر عصبية أو تهيجًا بعد إعطائه الماء، والسبب يعود إلى اختلال التوازن الكهربي والسوائل في الدماغ والجسم، ما يؤثر سلبًا على سلوك الرضيع وقدرته على النوم بعمق.

2. تراجع الرغبة في الرضاعة

شعور الرضيع بالشبع بعد تناول الماء يقلل من رغبته في الرضاعة الطبيعية أو الصناعية، مما يؤدي إلى تقليل عدد مرات الرضاعة، وهو ما ينعكس سلبًا على نموه الجسدي والمعرفي، ويقلل من فرص التواصل العاطفي بين الأم والطفل عبر الرضاعة.

التوصيات الطبية العالمية

تشير توصيات منظمة الصحة العالمية (WHO) والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) إلى أن الأطفال الرضع لا يحتاجون إلى شرب الماء قبل بلوغ عمر 6 أشهر، إلا في حالات نادرة جداً وتحت إشراف طبي مباشر. وتركز هذه التوصيات على أن:

• الرضاعة الطبيعية أو الصناعية تغني تمامًا عن الماء خلال أول ستة أشهر.

• الماء يمكن إدخاله تدريجيًا بعد عمر 6 أشهر، بكميات صغيرة ومناسبة، وبعد البدء بإدخال الطعام الصلب.

• لا يجوز تخفيف الحليب الصناعي بالماء أكثر من النسب المحددة من قِبل الشركة المصنعة أو الطبيب، لأن ذلك يُعرض الرضيع لخطر تسمم الماء.

الفرق بين حاجات الأطفال الأكبر سنًا والرضع

في المراحل اللاحقة من الطفولة، يصبح الجسم أكثر قدرة على التعامل مع الماء الزائد، بفضل نمو الكلى ونضج جهاز التوازن الداخلي للسوائل، ولكن الرضيع خلال أشهره الأولى يعاني من حساسية مفرطة لأي تدخل خارجي في توازن السوائل، مما يجعله أكثر عرضة للمضاعفات الصحية نتيجة تناول الماء.

الحالات الاستثنائية التي قد يُستخدم فيها الماء

في حالات نادرة، وتحت إشراف طبي فقط، قد يحتاج الرضيع إلى كمية محددة جداً من الماء، مثل:

• حالات الإمساك المزمن غير المستجيب للحليب

• درجات الحرارة العالية جدًا مع علامات جفاف

• وجود اضطرابات استقلابية تستدعي تعويض السوائل

لكن مثل هذه الحالات لا تُعالج أبدًا عبر مبادرات فردية من الوالدين، بل تتطلب تقييمًا طبياً دقيقاً ومتابعة صارمة.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين احتياجات الرضيع من السوائل قبل وبعد عمر 6 أشهر:

الخلاصة العلمية

إن شرب الماء بالنسبة للأطفال الرضع دون عمر ستة أشهر يُعد أمرًا غير آمن وقد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة تبدأ بتسمم الماء وتصل في بعض الحالات إلى الموت، ويجب أن يظل الحليب – الطبيعي أو الصناعي – هو المصدر الحصري للتغذية والسوائل خلال هذه المرحلة الحرجة. وعلى الرغم من أن الماء عنصر حيوي للحياة، إلا أن إدخاله في تغذية الرضيع يجب أن يتم وفقًا لتوقيتات طبية دقيقة وتحت إشراف طبي متخصص. إن الحفاظ على صحة الطفل الرضيع يبدأ من الالتزام بالمعايير الصحيحة للرضاعة والتغذية، وتجنب الممارسات الخاطئة التي تستند إلى معتقدات غير مبنية على أسس علمية.

المراجع العلمية:

1. American Academy of Pediatrics. Infant Nutrition and Feeding Guide. 2021.

2. World Health Organization. “Exclusive breastfeeding for six months best for babies everywhere.” 2011.