الرجال وأمراض الموت: الأسباب والعوامل

الرجال أكثر عرضة للأمراض القاتلة

في مختلف أنحاء العالم، تُظهر الإحصاءات الصحية اتجاهاً ثابتاً مفاده أن الرجال يعيشون أعماراً أقصر مقارنة بالنساء، وهم أكثر عرضة للإصابة بعدد من الأمراض المزمنة والقاتلة. هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل تعود جذورها إلى عوامل بيولوجية، نفسية، اجتماعية وسلوكية متشابكة تُسهم مجتمعة في ارتفاع معدلات الإصابة والوفاة بين الرجال نتيجة لأمراض خطيرة مثل أمراض القلب، السرطان، وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة، بالإضافة إلى الانتحار والإدمان.

هذا المقال يستعرض العوامل المتعددة التي تجعل الرجال أكثر عرضة للأمراض القاتلة، ويقدم تحليلاً مفصلاً للمخاطر الصحية الرئيسية التي تواجه الذكور في مراحل الحياة المختلفة، مع تسليط الضوء على التحديات الاجتماعية والنفسية التي تحول دون تلقيهم للرعاية الطبية الوقائية المناسبة.

البنية البيولوجية والهرمونية: الأساس الفسيولوجي للاختلاف

تُظهر الدراسات أن التكوين البيولوجي والهرموني يلعب دوراً مركزياً في تحديد قابلية الرجال للإصابة بالأمراض. فالهرمون الذكري الرئيسي، التستوستيرون، وعلى الرغم من أهميته في النمو الجنسي الذكري وتكوين الكتلة العضلية، إلا أن له ارتباطاً بارتفاع معدلات العدوانية، والميل إلى السلوكيات الخطرة مثل التدخين وتعاطي الكحول، وهو ما ينعكس مباشرة على الصحة الجسدية والعقلية.

من الناحية المناعية، أظهرت الأبحاث أن جهاز المناعة لدى النساء عادة ما يكون أقوى وأسرع استجابة للعدوى مقارنة بالرجال، ما يجعل النساء أكثر قدرة على مقاومة الأمراض المعدية والالتهابات، وبالتالي أقل عرضة للوفاة منها.

الأمراض القاتلة: تفصيل لأهم المهددات الصحية للرجال

1. أمراض القلب والأوعية الدموية

تُعد أمراض القلب السبب الأول للوفاة في العالم، والرجال هم الفئة الأكثر تأثراً بها. تشير الإحصاءات إلى أن الرجال يصابون بأمراض القلب في سن أصغر مقارنة بالنساء، وغالباً ما تكون أعراض الأزمة القلبية لديهم أكثر حدة وأقل تمييزاً، ما يؤدي إلى تأخر التشخيص والعلاج.

تسهم عدة عوامل في زيادة خطر الإصابة القلبية لدى الذكور، من بينها:

• ارتفاع ضغط الدم

• ارتفاع الكوليسترول

• التدخين

• قلة النشاط البدني

• التوتر المزمن

2. السرطان

الرجال أكثر عرضة للإصابة بأنواع محددة من السرطان، مثل:

• سرطان البروستاتا

• سرطان الكبد

• سرطان القولون والمستقيم

• سرطان الرئة

يرتبط هذا بغياب الفحص المبكر، خصوصاً لسرطان البروستاتا، الذي غالباً ما يُكتشف في مراحل متأخرة بسبب الحرج أو الجهل بأهمية الفحوصات الدورية.

3. أمراض الجهاز التنفسي المزمنة

غالبية المدخنين في العالم من الرجال، وبالتالي فهم الأكثر عرضة لأمراض مثل:

• الانسداد الرئوي المزمن (COPD)

• سرطان الرئة

• التهاب الشعب الهوائية المزمن

هذه الأمراض غالباً ما تكون ناتجة عن التعرض طويل الأمد لمواد مهيجة للرئة، وعلى رأسها دخان السجائر، والعمل في بيئات صناعية ملوثة.

4. مرض السكري ومضاعفاته

يصاب الرجال بمعدلات مرتفعة من مرض السكري النوع الثاني، ويواجهون مضاعفات خطيرة تشمل:

• الفشل الكلوي

• مشاكل القلب

• العمى

• البتر الناتج عن اعتلال الأعصاب الطرفية

يُعزى ذلك غالباً إلى تأخر التشخيص وسوء السيطرة على مستويات السكر في الدم.

السلوكيات الصحية الخطيرة: الدور الخفي للعادات

الرجال أكثر ميلاً لتبني أنماط سلوك صحية ضارة مثل:

• التدخين

• شرب الكحول بكثرة

• تناول الوجبات السريعة والدهنية

• قلة الاهتمام بممارسة الرياضة

• تجاهل الفحوصات الطبية الدورية

وتُظهر الدراسات أن الرجال أقل ميلاً لزيارة الطبيب إلا في حال وجود أعراض واضحة أو ألم شديد، وهو ما يؤدي إلى تأخر اكتشاف الأمراض.

الصحة النفسية والانتحار: التهديد الصامت

يُعتبر الانتحار أحد الأسباب الرئيسية للوفاة بين الرجال في الفئة العمرية ما بين 25 و50 عاماً، وتتجاوز نسب الانتحار في الذكور ما يقارب ثلاثة أضعاف نظيراتها لدى الإناث في العديد من الدول. يرجع هذا إلى عدة عوامل نفسية واجتماعية، منها:

• الشعور بالوصمة الاجتماعية المرتبطة بطلب المساعدة النفسية

• ضغوط العمل والمجتمع

• الكبت العاطفي والتردد في الإفصاح عن المعاناة النفسية

إضافة إلى ذلك، غالباً ما يلجأ الرجال إلى وسائل انتحار أكثر فتكاً مقارنة بالنساء، وهو ما يجعل محاولاتهم أكثر نجاحاً من حيث النتائج المميتة.

العوامل الاجتماعية والثقافية: الذكورة المسمومة

تلعب مفاهيم “الرجولة التقليدية” دوراً خطيراً في تهميش صحة الرجال. فالمجتمعات التي تُرسخ صورة الرجل القوي غير القابل للضعف، تدفع الذكور إلى تجاهل الألم، وتفادي الحديث عن المشاكل الصحية أو النفسية، ما يُفاقم حالتهم بمرور الوقت.

تشير الأدلة إلى أن الرجال الذين يتبنون تلك الصورة النمطية يميلون إلى:

• تأخير طلب المساعدة الطبية

• الإنكار عند ظهور أعراض مرضية

• تجاهل الرعاية الذاتية

وبالتالي فإن الذكورة غير الصحية، أو ما يُعرف بـ”الرجولة المسمومة”، تُعد عاملاً خطراً يهدد حياة الرجال.

تأثير المهن والبيئات العملية

يهيمن الرجال على المهن الخطرة مثل:

• العمل في مواقع البناء

• الصناعات الكيميائية

• التعدين

• النقل البري

هذه المهن تُعرضهم لمخاطر جسيمة تشمل:

• الحوادث والإصابات

• التعرض للمواد السامة

• الإجهاد المزمن

• تلوث الهواء

ويُلاحظ أن الرجال في هذه القطاعات يعانون من نسب أعلى من الوفاة المبكرة نتيجة لأمراض مهنية وإصابات العمل.

الفرق في الاستجابة للخدمات الصحية

العديد من الدراسات وجدت أن الرجال أقل استفادة من برامج التوعية الصحية مقارنة بالنساء. بالإضافة إلى أن معظم حملات الصحة العامة تستهدف النساء والأطفال، مما يُهمل فئة الرجال.

ويفتقر العديد من النظم الصحية حول العالم إلى برامج توجيهية مصممة خصيصاً لتشجيع الرجال على:

• إجراء الفحوصات الوقائية

• الانخراط في أنماط حياة صحية

• السعي وراء دعم الصحة النفسية

التقدم في السن وتسارع التدهور الصحي لدى الرجال

مع التقدم في السن، تبدأ الفوارق الصحية بين الجنسين في الازدياد بشكل واضح. فبينما تحتفظ النساء بصحة أفضل نسبياً في مراحل الشيخوخة، يعاني الرجال من تدهور أسرع في:

• الوظائف الإدراكية

• الكتلة العضلية والعظام

• أداء الجهاز القلبي الوعائي

ويُرجع العلماء هذا الفارق إلى عوامل بيولوجية، إضافة إلى التراكم السلوكي السلبي لعقود طويلة من العادات غير الصحية.

جدول مقارنة بين الرجال والنساء في معدلات الإصابة والوفاة من الأمراض القاتلة

التوصيات الصحية الخاصة بالرجال

للتقليل من معدلات الإصابة والوفاة بين الرجال نتيجة للأمراض القاتلة، يتطلب الأمر استراتيجية صحية شاملة تتضمن:

• التثقيف الصحي الذكوري: توجيه برامج توعية خاصة بالرجال تأخذ في الاعتبار اختلافاتهم السلوكية والنفسية.

• فحوصات طبية دورية: تشجيع الرجال على إجراء الفحوصات الدورية خاصة لفحص القلب، البروستاتا، والسكري.

• رعاية نفسية مناسبة: كسر وصمة العار المرتبطة بالصحة النفسية، وتقديم الدعم النفسي السري والميسر.

• التغذية الصحية: تبني نظام غذائي متوازن غني بالألياف والخضروات والدهون الصحية.

• نشاط بدني منتظم: إدخال النشاط الرياضي ضمن الروتين اليومي، ولو بمستوى معتدل.

المصادر:

• World Health Organization. (2022). World Health Statistics.

• CDC. (2023). Leading Causes of Death in Males.