أين تقع جمهورية لوغانسك؟ تحليل شامل للجغرافيا والسياق التاريخي والسياسي

المقدمة

تقع جمهورية لوغانسك في منطقة معقدة من الناحية الجيوسياسية والجغرافية في قلب أوروبا الشرقية، وهي جزء من إقليم الدونباس الذي لطالما شكّل بؤرة للصراع والتوترات منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. برز اسم “جمهورية لوغانسك الشعبية” إلى الواجهة العالمية مع اندلاع الصراع في أوكرانيا عام 2014، ثم عاد ليأخذ موقعًا أكثر حساسية مع تصاعد الأزمة الروسية-الأوكرانية منذ 2022. إن دراسة موقع هذه الجمهورية لا يتطلب فقط معرفة الإحداثيات الجغرافية، بل الغوص كذلك في جذور الصراع القومي، والمشهد الإثني، والتحولات السياسية التي أثرت في المنطقة عبر العقود الماضية.

الموقع الجغرافي لجمهورية لوغانسك

تقع جمهورية لوغانسك الشعبية، بحسب ما تعلنه سلطاتها، في الجزء الشرقي من أوكرانيا، تحديدًا في إقليم لوغانسك ضمن منطقة الدونباس الصناعية، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية وتحديدًا الفحم الحجري. تحد الجمهورية من الغرب مقاطعة دنيبروبيتروفسك، ومن الشمال خاركيف، ومن الشرق الاتحاد الروسي، ومن الجنوب جمهورية دونيتسك الشعبية، التي تشترك معها في الخلفية السياسية والعسكرية.

تمتد أراضي لوغانسك على مساحة تقارب 26,683 كيلومتر مربع تقريبًا، رغم أن السلطات الانفصالية لا تسيطر فعليًا إلا على نحو ثلثي هذه المساحة منذ عام 2014. وتعد مدينة لوغانسك (المعروفة سابقًا باسم “فوروشيلوفغراد”) المركز الإداري والسياسي للجمهورية.

الجدول التالي يوضح بعض المعلومات الجغرافية والإدارية الأساسية:

الخلفية التاريخية والجغرافية للمنطقة

تاريخيًا، تنتمي منطقة لوغانسك إلى إقليم الدونباس، الذي كان جزءًا من روسيا القيصرية ومن ثم الاتحاد السوفيتي. تأسست مدينة لوغانسك في أواخر القرن الثامن عشر كمركز لصناعة الحديد والصلب، ثم تحوّلت إلى واحدة من أكبر المراكز الصناعية في أوكرانيا السوفيتية.

مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، أصبحت منطقة لوغانسك جزءًا من أوكرانيا المستقلة. لكن على الرغم من الاستقلال، بقيت المنطقة ذات غالبية ناطقة بالروسية ومرتبطة ثقافيًا واقتصاديًا بروسيا. هذا الانقسام الثقافي واللغوي أصبح لاحقًا حجر الأساس للصراعات التي اندلعت لاحقًا.

السياق السياسي ونشوء الجمهورية

انفصال عام 2014

في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش في فبراير 2014، واندلاع التوترات بين المعسكرين الغربي والروسي في أوكرانيا، أعلنت مجموعات انفصالية في شرق البلاد تأسيس ما يُعرف بـ”جمهورية لوغانسك الشعبية” في أبريل 2014، بالتوازي مع إعلان “جمهورية دونيتسك الشعبية”.

تم إجراء استفتاء محلي في مايو 2014، زعمت فيه السلطات الانفصالية أن الأغلبية الساحقة صوتت لصالح الاستقلال عن أوكرانيا. غير أن كييف، والعديد من دول العالم، بما فيها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، رفضت شرعية هذا الاستفتاء، واعتبرت الكيان غير شرعي.

الاعتراف الروسي

في فبراير 2022، عشية اندلاع الحرب الشاملة بين روسيا وأوكرانيا، اعترفت روسيا رسميًا بجمهورية لوغانسك كدولة مستقلة، وهو ما قوبل بإدانة دولية واسعة، واعتُبر خرقًا صارخًا للسيادة الأوكرانية. وفي سبتمبر 2022، أُجري استفتاء مثير للجدل أُعلن بموجبه ضم جمهورية لوغانسك إلى روسيا، إلى جانب جمهوريات دونيتسك وزابوروجيا وخيرسون، وهو ما لم تعترف به أي دولة كبرى سوى روسيا وحلفائها المحدودين.

الجغرافيا الطبيعية والبنية الاقتصادية

تمتاز أراضي لوغانسك بتضاريس منبسطة نسبيًا، مع وجود تلال صغيرة متفرقة، ويخترقها عدد من الأنهار أهمها نهر سيفيرسكي دونيتس، الذي يُعتبر مصدرًا مهمًا للمياه للمنطقة.

أما مناخ المنطقة، فيُصنّف ضمن مناخ السهوب القاري، حيث تكون الشتاء باردة وقاسية، والصيف حارًا نسبيًا. وتؤثر هذه الخصائص المناخية على الزراعة والصناعة معًا، كما أنها شكّلت بيئة مثالية لاستغلال الموارد الطبيعية، لا سيما الفحم الحجري.

البنية الاقتصادية للمنطقة كانت، وما تزال، تعتمد على الصناعات الثقيلة مثل:

• استخراج الفحم والمعادن

• الصناعات الميكانيكية والهندسية

• الصناعات الكيماوية

• صناعة الطاقة

غير أن الحرب والانفصال أثّرا بشكل كبير على البنية التحتية الاقتصادية، حيث تعرّضت منشآت ومصانع عديدة للدمار أو توقفت عن العمل بسبب القتال المستمر والحصار الاقتصادي.

الخصائص الديموغرافية واللغوية

تُعتبر جمهورية لوغانسك من أكثر المناطق في أوكرانيا تأثرًا بالهوية الروسية، إذ أن غالبية السكان يتحدثون الروسية كلغة أولى. وتُقدّر النسبة بين المتحدثين بالروسية بنحو 80%، بينما يتحدث الآخرون الأوكرانية أو لغات أخرى.

من الناحية الإثنية، غالبية السكان هم من السلاف الشرقيين، مع وجود أقلية صغيرة من التتار والأرمن وبعض الشعوب الأخرى، لكن الهُوية الثقافية الروسية طغت على معظم مظاهر الحياة اليومية بسبب قرون من الارتباط بالإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي.

الوضع القانوني والسياسي الدولي

رغم أن روسيا اعترفت رسميًا بجمهورية لوغانسك، فإن معظم دول العالم لا تعترف بها وتعتبرها جزءًا من الأراضي الأوكرانية المحتلة. تنص قرارات الأمم المتحدة على احترام وحدة الأراضي الأوكرانية، وقد أصدرت الجمعية العامة أكثر من قرار يرفض أي محاولة لتغيير الحدود بالقوة أو بالاستفتاءات غير المعترف بها دوليًا.

موقف أوكرانيا

تعتبر أوكرانيا أن جمهورية لوغانسك كيان انفصالي غير شرعي تم إنشاؤه بدعم روسي مباشر، وتعتبر جميع المناطق التي تخضع لسيطرة الانفصاليين “محتلة مؤقتًا”. وتعمل كييف، بدعم من الغرب، على استعادة السيطرة على هذه الأراضي.

موقف المجتمع الدولي

• الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة: يعتبران جمهورية لوغانسك جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الأوكرانية، وقد فرضتا عقوبات اقتصادية صارمة على الأفراد والكيانات المرتبطة بها.

• الأمم المتحدة: لم تعترف بأي من الجمهوريات الانفصالية في شرق أوكرانيا، وكررت في عدة مناسبات دعمها للسلامة الإقليمية الأوكرانية.

• روسيا: الدولة الوحيدة الكبرى التي اعترفت رسميًا بالجمهورية، بل ودمجتها في الاتحاد الروسي عبر خطوات أحادية الجانب.

البنية الإدارية والمؤسسات الحاكمة

يُحكم الكيان من خلال مجلس شعبي يُنتخب محليًا، ورئيس يُعتبر القائد الأعلى للسلطة التنفيذية. وتمتلك الجمهورية نظامًا قضائيًا وإداريًا خاصًا بها، غير أنه لا يُعترف به دوليًا، وتتم جميع معاملاتها باستخدام الروبل الروسي، ويُعتمد المنهاج التعليمي الروسي في المدارس.

أما من الناحية الأمنية، فتخضع المنطقة لسيطرة شبه كاملة من القوات المسلحة المدعومة من روسيا، وقد تم دمج العديد من قوات لوغانسك ضمن الجيش الروسي بشكل رسمي عقب إعلان الضم في سبتمبر 2022.

الأهمية الجيوسياسية لجمهورية لوغانسك

تكمن الأهمية الجيوسياسية لهذه الجمهورية في موقعها الحدودي مع روسيا، وكونها بوابة رئيسية للسيطرة على إقليم الدونباس الغني بالموارد. كما أن قربها من خطوط السكك الحديدية والمراكز الصناعية يزيد من حساسيتها الاستراتيجية.

بالإضافة إلى ذلك، تشكّل جمهورية لوغانسك ورقة ضغط رئيسية في الصراع الروسي-الأوكراني، وتُستخدم أحيانًا كذريعة من قبل موسكو لتبرير التدخل العسكري بحجة “حماية السكان الروس” أو “مكافحة النازية” وفق الرواية الروسية.

الخاتمة

تقع جمهورية لوغانسك في منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة في شرق أوكرانيا، وتُعد اليوم بؤرة توتر دولي نتيجة النزاع الروسي الأوكراني المستمر. تتقاطع فيها اعتبارات الجغرافيا السياسية، والتاريخ الإمبراطوري، والصراعات الإثنية واللغوية، فضلًا عن الأجندات الدولية المتعارضة. وبالرغم من إعلان استقلالها واعتراف روسيا بها، فإن جمهورية لوغانسك لا تزال كيانًا غير معترف به دوليًا، وتظل جزءًا من معادلة معقدة لم تُحل بعد في الساحة الأوروبية الشرقية.

المراجع:

1. United Nations General Assembly Resolutions on Ukraine, 2014-2023

2. International Crisis Group. “Ukraine’s Eastern Conflict: State, Identity and Sovereignty”, 2022