مرهم العين وتأثيره على الصيام

عنوان المقال: مرهم العين والصيام

مقدمة: فقه الصيام بين العبادة والطب

الصيام من أعظم العبادات التي فرضها الله تعالى على عباده، وجعل لها منزلة سامية في الإسلام، حيث يشكل الصوم اختبارًا لإرادة المسلم وانضباطه، وفي الوقت نفسه وسيلة روحية للارتقاء بالنفس. ومع تطور العلم والطب الحديث، بدأت تطرح تساؤلات جديدة تتعلق بما يمكن أن يؤثر أو لا يؤثر على صحة الصيام. ومن أبرز هذه المسائل ما يتعلق بالاستخدامات الطبية خلال النهار كمرهم العين، والقطرات، والمحاليق الطبية، وهي أمور لم تكن معروفة بهذا الشكل الدقيق في العصور الأولى، مما استدعى من علماء العصر الحديث النظر فيها من زاوية الفقه الطبي الشرعي.

يتناول هذا المقال، بمزيد من التفصيل، مسألة استخدام مرهم العين أثناء الصيام، ويبحث في مدى تأثيره على صحة الصيام، مستعرضًا آراء العلماء المعاصرين والقدامى، ومدعومًا بالمفاهيم الطبية المتعلقة بامتصاص المواد عن طريق العين، مع دراسة موسعة للقياسات الفقهية التي تم الاستناد إليها.

أولاً: مرهم العين – تعريف طبي ودوائي

مرهم العين هو أحد أشكال العلاج الموضعي الذي يُستخدم لعلاج مجموعة من أمراض ومشكلات العين مثل الالتهابات، والجفاف، والحساسية، والإصابات السطحية، وأمراض الجفن. ويُصنع هذا المرهم عادة من قاعدة دهنية (مثل الفازلين أو البارافين) مضافًا إليها مواد دوائية فعالة، ويتم وضعه داخل الجفن السفلي.

من الناحية الطبية، العين تحتوي على غشاء مخاطي رقيق وأوعية دموية دقيقة في المنطقة التي تغطي الجزء الداخلي من الجفن وبياض العين (الملتحمة)، ما يسمح بامتصاص كميات ضئيلة جدًا من المواد، غير أن معظم ما يُوضع في العين يتم التخلص منه عبر الدموع أو التجاويف الأنفية. وهنا يكمن جوهر الجدل الفقهي: هل يمكن اعتبار ما يصل إلى الحلق من هذه المواد داخلاً في حكم المفطرات؟ وهل يؤثر مجرد الإحساس بطعمه في الحلق على صحة الصيام؟

ثانياً: القاعدة العامة في المفطرات الشرعية

لفهم أثر مرهم العين على الصيام، ينبغي أولاً أن نوضح القاعدة العامة في الفقه الإسلامي حول المفطرات. المفطرات تنقسم إلى نوعين رئيسيين:

1. ما يدخل الجوف عبر المنافذ المفتوحة المعتادة مثل الفم والأنف.

2. ما يدخل عبر غير المنافذ المعتادة كالإبر الجلدية أو الموضعية، والتي لا تصل إلى الجوف من المنافذ الطبيعية.

والمرجعية في هذا التقسيم تعتمد على النصوص الشرعية المباشرة، إضافة إلى القواعد الفقهية الكلية، مثل قاعدة: “الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف من منفذ مفتوح”.

ويذهب جمهور العلماء إلى أن ما يدخل عبر المنافذ غير المعتادة ولا يصل إلى الجوف يقينًا لا يعد مفطرًا، إلا إذا وُجد الدليل القاطع على خلاف ذلك.

ثالثاً: هل العين منفذ إلى الجوف؟

سؤال العين كمنفذ إلى الجوف من المسائل التي تناولها الفقهاء منذ عصور مبكرة. وقد ورد في فتاوى العديد من العلماء من المذاهب الأربعة إشارات إلى هذه المسألة، وإن كانت بتقنيات العصر آنذاك. وأبرز ما جاء في هذا الباب:

• المالكية والشافعية: يرون أن العين ليست من المنافذ الطبيعية إلى الجوف، وما يوضع فيها من دواء لا يفطر، وإن أحسّ الصائم بطعمه في حلقه. واعتبروا أن مجرد الشعور بطعم الدواء لا يعني وصوله إلى المعدة.

• الحنفية: يميلون إلى التشدد نسبيًا، فذهب بعضهم إلى أن الشعور بطعم الدواء في الحلق بعد وضعه في العين يُعد قرينة على وصوله إلى الجوف، ومن ثم يُفطر.

• الحنابلة: عندهم تفصيل؛ إن وُضع في العين ما يمكن أن يصل إلى الجوف وتيقن وصوله أفطر، أما إن لم يتأكد من وصوله، فالصيام صحيح.

وقد رجّح العلماء المعاصرون أن العين ليست منفذًا مفتوحًا بمعنى “المنفذ المباشر”، ولذلك فإن استخدام الأدوية الموضعية للعين لا يُفطر، وهذا ما أكدته المجامع الفقهية المعاصرة بناءً على دراسات طبية دقيقة.

رابعاً: الرأي الطبي – هل تصل المواد إلى الجوف؟

من حيث الطب الحديث، فإن العين تمتص بعض المركبات الدوائية بكميات ضئيلة جدًا عبر الدورة الدموية، وليس عن طريق الدخول إلى الجهاز الهضمي. وتؤكد الأبحاث الصيدلانية أن معظم كمية المرهم أو القطرة الموضوعة في العين يتم طردها أو تصريفها إلى الأنف عبر القناة الدمعية، ومنها قد تصل كمية قليلة جدًا إلى البلعوم، إلا أن هذه الكمية لا تتجاوز النسب التي يمكن إهمالها من الناحية الطبية ولا تدخل الجوف بالمعنى الكامل.

وفي دراسة نُشرت في British Journal of Ophthalmology، تم قياس تركيز الأدوية التي وُضعت في العين في بلازما الدم، ووجد أن الامتصاص ضئيل جدًا، ويكاد لا يُقارن بالأدوية التي يتم تناولها عبر الفم.

خامساً: قرارات المجامع الفقهية

أصدرت الهيئات الفقهية والمجامع الطبية الإسلامية عددًا من الفتاوى الرسمية المعتمدة بناءً على الدراسات الطبية، ومن أبرزها:

• مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) قرر في دورته العاشرة (جدة 1997م) أن:

  “قطرة العين، ومرهم العين، وغسول العين لا تعتبر من المفطرات، لأن العين ليست منفذًا إلى الجوف.”

• اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية أكدت أن ما يوضع في العين، كالكحل أو المراهم، لا يفطر، حتى لو أحس الصائم بطعمه في الحلق.

• الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالإمارات أصدرت فتاوى مماثلة تؤكد أن الاستخدام العلاجي الموضعي للعين لا يؤثر في صحة الصوم.

سادساً: مقارنة تفصيلية بين الأنواع الطبية للعين وتأثيرها على الصوم

سابعاً: الاحتياط المستحب للصائم

رغم أن الراجح من أقوال العلماء أن مرهم العين لا يُفطر، فإن بعض الفقهاء يشيرون إلى أهمية الاحتياط، خاصة في حال عدم الضرورة أو عند توفر علاج بديل يمكن تأجيله لما بعد الإفطار. ومن باب الورع، يُستحب للصائم أن يستخدم هذه الأدوية في غير وقت الصيام إن كان بالإمكان، خاصة في غير حالات الطوارئ الطبية.

ومع ذلك، فإن العلاج لا يتعارض مع الصيام، ما دام لا يدخل من منفذ معتبر أو لا يصل إلى الجوف بمعناه الفقهي المباشر، كما بينت الدراسات الطبية.

ثامناً: خلاصة القول الفقهي والطبي

بعد دراسة المسألة من الناحية الفقهية والشرعية والطبية، يمكن تلخيص الحكم كما يلي:

• العين ليست من المنافذ الطبيعية إلى الجوف، وبالتالي، فإن استخدام مرهم العين لا يُفطر الصائم، حتى لو أحس بطعمه في الحلق.

• جمهور العلماء والمجامع الفقهية أفتوا بعدم تأثير الأدوية الموضعية للعين على صحة الصيام.

• الطب الحديث يؤكد أن المواد الداخلة عبر العين لا تصل إلى الجوف بكمية تؤثر على الصوم.

• الاحتياط مستحب، ولكنه غير واجب، خاصة إذا تعارض مع حاجة علاجية ضرورية.

المراجع العلمية والفقهية:

1. مجمع الفقه الإسلامي الدولي – قرارات الدورة العاشرة – جدة 1997م.

2. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – فتاوى اللجنة – الجزء العاشر.