مقياس هيرمان لفهم الآخرين

د. المطيري: مقياس (هيرمان) مفتاحك لفهم الآخر

من بين الأدوات التي أصبحت أساسية في مجالات القيادة، والتواصل، وإدارة الفرق، يبرز مقياس (هيرمان) كأحد أذكى الأساليب لفهم أنماط التفكير والتفاعل بين الأفراد. هذا المقياس الذي طوره الدكتور هيرمان في السبعينات، يُعتبر اليوم من الأدوات الحيوية في علم النفس والتنمية الشخصية. فهو لا يساعد فقط في فهم كيف يفكر الأشخاص، بل أيضاً في تحسين التفاعل معهم، وبالتالي تعزيز الأداء الشخصي والمهني في العديد من السياقات.

ما هو مقياس هيرمان؟

مقياس (هيرمان) هو أداة تقييم تهدف إلى تصنيف الأفراد بناءً على أنماط تفكيرهم التي تنقسم إلى أربعة أنماط رئيسية: التحليلية، الإبداعية، الاجتماعية، والتنظيمية. يعتمد هذا المقياس على فكرة أن الدماغ البشري، بالرغم من تعقيده، يتخذ طرقًا معينة في معالجة المعلومات واتخاذ القرارات. وقد طور الدكتور هيرمان هذا النموذج بناءً على أبحاثه حول عمل الدماغ البشري، حيث قسمه إلى أربعة أرباع رئيسية تتسم كل منها بنمط تفكير مختلف.

الأرباع الأربعة في مقياس هيرمان

1. الربع التحليلي (النصف الأيسر العلوي)

يتعلق هذا الربع بالتفكير التحليلي المنطقي. الأفراد الذين ينتمون إلى هذا الربع يفضلون العمل مع الحقائق والبيانات. يعشقون التنظيم والدقة، ويبرعون في تحليل المعلومات واتخاذ القرارات بناءً على تحليل منطقي وموضوعي. هؤلاء الأشخاص يفضلون الأساليب العلمية والنقدية في حل المشكلات.

الصفات الرئيسية للأفراد في هذا الربع:

• التفكير المنطقي والرياضي.
• التحليل النقدي للأمور.
• يفضلون الأدلة والبراهين المدعمة بالبيانات.
• التفصيل في العمل وتنظيم الأفكار.

2. الربع الإبداعي (النصف الأيمن العلوي)

يتسم هذا الربع بالتفكير الإبداعي والمبتكر. الأفراد في هذا الربع يميلون إلى التفكير المجرد والخيالي، ويحبون استكشاف الأفكار الجديدة والمبتكرة. هم أكثر انفتاحًا على التغيير، ويتسمون بالمرونة في التفكير، مما يساعدهم في تقديم حلول جديدة وغير تقليدية.

الصفات الرئيسية للأفراد في هذا الربع:

• التفكير الإبداعي والمبتكر.
• الميل إلى الأفكار غير التقليدية.
• الاهتمام بالمستقبل والتطورات.
• قدرتهم على التفكير خارج الصندوق.

3. الربع الاجتماعي (النصف الأيسر السفلي)

يتميز هذا الربع بتركيز الأفراد على العلاقات الإنسانية، والتفاعل مع الآخرين. الأشخاص الذين ينتمون إلى هذا الربع يهتمون بمشاعر الآخرين، ويشعرون بالراحة في البيئات الاجتماعية والتعاونية. هم مهتمون بتطوير العلاقات الشخصية والمهنية، ويميلون إلى التحفيز الجماعي والعمل الجماعي.

الصفات الرئيسية للأفراد في هذا الربع:

• التواصل الاجتماعي القوي.
• القدرة على التعاطف والتفاهم مع مشاعر الآخرين.
• التوجه نحو العمل الجماعي والتعاون.
• اهتمام بالبيئة الاجتماعية والروابط الشخصية.

4. الربع التنظيمي (النصف الأيمن السفلي)

يمثل هذا الربع التفكير المرتبط بالأنظمة والهيكليات، والاهتمام بالتفاصيل. الأفراد في هذا الربع يفضلون العمل في بيئات منظمة، حيث تتواجد القواعد والأنظمة الواضحة. هم يتسمون بالكفاءة والتنظيم، ويميلون إلى التركيز على الإجراءات الممنهجة والعمل الموجه نحو الأهداف.

الصفات الرئيسية للأفراد في هذا الربع:

• التنظيم العالي والاهتمام بالتفاصيل.
• قدرة على متابعة الأنظمة والعمليات.
• العمل وفقًا للقواعد والضوابط.
• التفكير الهيكلي والنظامي.

كيف يساعدك مقياس هيرمان في فهم الآخر؟

فهم أنماط التفكير المختلفة بين الأفراد هو خطوة أساسية لتحسين التفاعل معهم، سواء في بيئات العمل أو في العلاقات الشخصية. إليك كيف يمكن لمقياس هيرمان أن يكون أداة فعّالة في هذا السياق:

1. تحسين التواصل

من خلال فهم نمط التفكير الذي يميز الشخص الآخر، يمكننا تعديل طريقة تواصلنا معه. على سبيل المثال، إذا كنت تتحدث مع شخص تحليلي، يمكنك دعم حديثك بالبيانات والأدلة. وإذا كنت تتحدث مع شخص اجتماعي، يمكنك التركيز على القيم الإنسانية والتجارب المشتركة.

2. تعزيز التعاون والعمل الجماعي

في بيئة العمل، يساهم مقياس هيرمان في تشكيل فرق أكثر تناغمًا وفعالية. من خلال فهم أنماط التفكير المختلفة لأعضاء الفريق، يمكن تخصيص الأدوار وفقًا لقدراتهم العقلية المميزة، مما يساهم في تحسين الإنتاجية وفعالية العمل الجماعي.

3. تحسين القيادة والتوجيه

القادة الذين يتفهمون أنماط التفكير المختلفة يستطيعون توجيه مرؤوسيهم بشكل أكثر فعالية. على سبيل المثال، إذا كان أحد أفراد الفريق يحتاج إلى استراتيجيات دقيقة ومنظمة لتحقيق الهدف، فإن القائد يمكنه تزويده بالأدوات المناسبة لذلك. أما إذا كان الفريق يحتاج إلى حلول مبتكرة، فإن القائد يمكنه تحفيز الإبداع.

4. تطوير الذات

مقياس هيرمان يوفر لك فرصة لاكتشاف نمط التفكير الخاص بك، مما يساعدك على التعرف على نقاط قوتك وضعفك. فهم هذه النقاط يمكن أن يدفعك إلى تحسين أسلوب تفكيرك واتخاذ قرارات أكثر استنارة.

كيف يمكن تطبيق مقياس هيرمان في الحياة اليومية؟

1. في العمل:

عندما يعمل الأفراد معًا في بيئة عمل متنوعة، قد يكون من المفيد تحديد أنماط التفكير الخاصة بهم باستخدام مقياس هيرمان. سيتيح هذا للفرق التنسيق بشكل أفضل، واختيار المهام التي تناسب كل شخص بناءً على مهاراته الفطرية.

2. في التعليم:

يمكن للمعلمين استخدام مقياس هيرمان لتحسين طرق التدريس الخاصة بهم، بناءً على أنماط التفكير المختلفة لدى الطلاب. هذا يمكن أن يساعد في تقديم محتوى تعليمي يناسب جميع الأساليب التعليمية.

3. في العلاقات الشخصية:

عند فهم الشخص الآخر بشكل أعمق من خلال مقياس هيرمان، يمكن للأفراد التفاعل مع بعضهم البعض بشكل أكثر تقديرًا ووعيًا. سواء كان في العلاقات العائلية أو الزوجية أو الصداقات، سيكون التفاهم المتبادل أساسيًا لبناء علاقات صحية ومتوازنة.

الخلاصة

يُعد مقياس هيرمان أداة قوية لفهم وتفسير الأنماط العقلية المختلفة، وهو بمثابة مرشد لتطوير الذات وتحسين التفاعل مع الآخرين. من خلال فحص أنماط التفكير الأربعة، يمكننا تعزيز قدرتنا على التواصل الفعّال، وتحقيق النجاح في بيئات العمل المختلفة، وزيادة التفاهم في العلاقات الإنسانية. هذا المقياس لا يقتصر على الاستخدام المهني فقط، بل يمتد ليشمل الحياة الشخصية والتربوية، مما يجعله أداة شاملة وفريدة لتحسين جودة الحياة الإنسانية بشكل عام.