هل تعاني من الوسواس القهري؟

هل تعانين من الوسواس القهري؟ اختبري نفسك

الوسواس القهري (Obsessive-Compulsive Disorder – OCD) هو اضطراب نفسي معقد يصيب ملايين الأفراد حول العالم، ويؤثر بشكل مباشر على نوعية الحياة والسلوك اليومي للفرد. يتميز بوجود أفكار متكررة ومزعجة تُعرف بالوساوس، تليها تصرفات قهرية تهدف إلى تقليل القلق أو تجنب حدوث شيء سيء. هذا الاضطراب لا يقتصر على فئة عمرية أو جنس معين، وإن كان في بعض الحالات يظهر في سن الطفولة أو خلال مرحلة البلوغ المبكر.

يعد اختبار الذات خطوة أولى مهمة لفهم مدى تأثر الفرد بهذا الاضطراب. وعلى الرغم من أن التشخيص المؤكد يتطلب تقييماً مهنياً من قبل مختص في الطب النفسي، إلا أن إدراك الأعراض والانتباه للتغيرات السلوكية يمكن أن يكون له دور كبير في الاكتشاف المبكر والحصول على الدعم المناسب.

المفهوم السريري للوسواس القهري

الوسواس القهري هو اضطراب نفسي مصنف ضمن اضطرابات القلق في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). يتميز بوجود وساوس، وهي أفكار أو اندفاعات أو صور ذهنية متكررة تسبب الضيق الشديد، بالإضافة إلى أفعال قهرية، وهي سلوكيات متكررة أو طقوس عقلية يقوم بها الفرد للتقليل من القلق أو لمنع حدث سيء متخيل.

تتراوح طبيعة هذه الوساوس بين الخوف من التلوث، الشك المتكرر، الحاجة إلى التماثل والترتيب، والمواضيع الدينية أو الأخلاقية المفرطة. أما التصرفات القهرية فتشمل الغسل المتكرر لليدين، التحقق المستمر من الأمور (كالأقفال أو المواقد)، العدّ المتكرر، أو تكرار كلمات أو صلوات بصوت داخلي.

كيف يتجلى الوسواس القهري في الحياة اليومية؟

يتسلل الوسواس القهري إلى أدق تفاصيل الحياة، فيعيد تشكيل الروتين اليومي ليصبح محفوفًا بالتوتر والتكرار والقلق. فالمرأة المصابة بالوسواس القهري قد تقضي ساعات يوميًا في تنظيف المنزل بطريقة دقيقة تفوق الحد الطبيعي، مدفوعة بخوف غير عقلاني من الجراثيم. وقد تتجنب لمس الأشياء أو الخروج من المنزل خوفًا من التلوث أو الأذى.

في بعض الحالات، تتجلى الوساوس على هيئة أفكار متكررة حول أذية طفلها، أو الخوف من نسيان شيء مهم، مما يدفعها لإعادة التحقق عشرات المرات. قد تتكرر مشاهد ذهنية مؤذية أو مزعجة، حتى وإن كانت على النقيض من القيم الأخلاقية والدينية للشخص. هذا التناقض يولّد شعوراً بالغاً بالذنب والقلق، مما يعمق معاناة المصاب ويزيد من احتياجه إلى التكرار أو الطقوس القهرية.

السمات النفسية والسلوكية المرتبطة بالوسواس القهري

تتعدد الأنماط النفسية التي يتجلى من خلالها الوسواس القهري، ومن أهمها:

• القلق المفرط: الشعور المستمر بالخطر وعدم الأمان، مما يدفع المصاب لتكرار أفعال معينة.

• الميل للكمالية: الرغبة في الترتيب والدقة لدرجة مؤلمة، مع صعوبة تقبل الأمور التي لا تتبع نمطاً صارماً.

• الخوف من التلوث: وهو من أكثر الأعراض شيوعًا، حيث يسيطر على الفرد هاجس النجاسة أو انتقال الجراثيم.

• الخوف من الأذى للآخرين: ويتجلى في أفكار متكررة حول تسبب المصاب في أذى لأحبائه.

• التحقق القهري: إعادة التحقق من إغلاق الأبواب، نزع مقابس الكهرباء، إطفاء النار، وغيرها من الطقوس.

الأسباب المحتملة للوسواس القهري

رغم أن السبب الدقيق للوسواس القهري لا يزال غير معروف بشكل نهائي، إلا أن هناك عوامل متشابكة تساهم في ظهوره:

1. العوامل الوراثية: أظهرت الدراسات وجود مكون وراثي في العديد من حالات الوسواس القهري، إذ تزداد احتمالية الإصابة به إذا كان أحد أفراد الأسرة مصابًا به.

2. الاختلالات الكيميائية في الدماغ: لا سيما في مستويات السيروتونين، وهو ناقل عصبي أساسي في تنظيم المزاج والسلوك.

3. العوامل البيئية: مثل التوتر الشديد أو الصدمات النفسية أو التربية القاسية أو شديدة الحماية، وكلها قد تساهم في تحفيز الأعراض لدى من لديهم قابلية وراثية.

4. التغيرات العصبية: دراسات التصوير الدماغي تشير إلى وجود نشاط غير طبيعي في أجزاء معينة من الدماغ، خاصة في القشرة الجبهية والغانغليا القاعدية.

كيف يمكن اختبار وجود الوسواس القهري؟

توجد العديد من الاستبيانات النفسية المعتمدة التي تساعد في تقييم الأعراض مثل:

• مقياس ييل براون للوسواس القهري (Y-BOCS): وهو الأكثر استخدامًا من قبل المتخصصين لتحديد شدة الأعراض ومدى تأثيرها على الحياة اليومية.

• الاختبارات الذاتية المعتمدة على أسئلة نوعية مثل:

  • هل تجدين نفسك تقومين بأفعال متكررة بشكل لا إرادي؟

  • هل تشعرين بقلق حاد إذا لم تقومي بطقس معين؟

  • هل تأخذ طقوسك اليومية وقتاً طويلاً وتؤثر على التزاماتك الأخرى؟

يمكن أن تكون هذه الاختبارات مؤشراً مبدئياً على وجود الوسواس القهري، لكنها لا تغني عن التقييم السريري الدقيق.

التأثيرات الاجتماعية والنفسية للوسواس القهري

الوسواس القهري له انعكاسات كبيرة على المستوى النفسي والاجتماعي والمهني، إذ قد يؤدي إلى:

• عزلة اجتماعية بسبب الانشغال بالأفكار والطقوس.

• اضطراب العلاقات الأسرية نتيجة لتدخل الطقوس القهرية في الحياة المشتركة.

• ضعف الأداء الوظيفي بسبب التشتت والقلق المفرط والتأخر المستمر.

• مشكلات صحية مثل التهابات الجلد نتيجة الغسل المفرط أو الإرهاق بسبب قلة النوم.

وتشير الدراسات إلى أن كثيراً من المرضى يدركون أن سلوكهم غير منطقي، لكنهم غير قادرين على التوقف، مما يولد لديهم مشاعر عميقة من الخجل والذنب.

الفرق بين الوسواس القهري وبعض السلوكيات الشائعة

من المهم التمييز بين الوسواس القهري والسلوكيات الاعتيادية:

المسارات العلاجية المعتمدة

يعتمد علاج الوسواس القهري على الدمج بين العلاج النفسي والدوائي:

1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT): وهو الخيار الأول ويشمل تقنيات مثل “التعرض ومنع الاستجابة”، حيث يتعلم المريض مواجهة مخاوفه دون اللجوء إلى الطقوس القهرية.

2. العلاج الدوائي: خصوصاً مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) مثل الفلوكستين، السيرترالين، والفلوفوكسامين.

3. العلاج العائلي: من المهم إشراك الأسرة في العلاج لتقليل السلوكيات المعززة للوساوس وتعزيز بيئة داعمة.

4. العلاج المكثف أو الدخول للمستشفى: في الحالات الشديدة التي تعيق حياة الفرد اليومية تمامًا.

دور الدعم النفسي والاجتماعي

لا يمكن التقليل من أهمية الدعم الاجتماعي في مساعدة المرضى على التكيف مع الوسواس القهري. مشاركة المخاوف مع شخص موثوق، والانضمام إلى مجموعات الدعم، والمشاركة في جلسات التوعية تساعد في تقليل الإحساس بالعزلة وتمنح المصاب شعورًا بأنه ليس وحيدًا في معركته.

كما أن التعليم المستمر للأسرة والأصدقاء حول طبيعة هذا الاضطراب يساهم في تقليل الانتقاد والضغط، مما يُعد عاملاً حاسماً في تقليل الانتكاسات وتعزيز فرص الشفاء.

متى يجب التوجه للمساعدة المتخصصة؟

إذا بدأت الأعراض في التأثير بشكل كبير على الأداء اليومي، أو تسببت في توتر مستمر وعزلة اجتماعية، أو عند ملاحظة أن الأفكار أو السلوكيات تستغرق وقتاً طويلاً من اليوم (أكثر من ساعة يومياً)، فمن الضروري الحصول على تقييم نفسي شامل.

المصادر:

1. American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (5th ed.).

2. National Institute of Mental Health (NIMH). Obsessive-Compulsive Disorder. https://www.nimh.nih.gov