قص شعر المرأة في العمرة

طريقة قص شعر المرأة في العمرة

يُعتبر قص الشعر من الشعائر الأساسية في العمرة التي لا تكتمل إلا بأدائها، وهو ما يُطلق عليه بالتحلل من الإحرام. ويُعد التحلل رمزًا لانتهاء المناسك، وشرطًا لصحة العمرة وفقًا لمذاهب أهل السنة الأربعة. وتُعنى هذه الشعيرة بتنفيذ أمر الله تعالى والتقرب إليه بالطاعة والخضوع، كما أنها ترتبط بمعانٍ روحية وشرعية عميقة، خصوصًا فيما يتعلق بالمرأة، إذ أن لقص شعرها ضوابط وأحكام يجب الالتزام بها بدقة ووعي شرعي. في هذا المقال، سيتم تناول مسألة “كيف تقص المرأة شعرها في العمرة” من الجوانب الشرعية، والفقهية، والعملية، مع الإشارة إلى آراء العلماء، وطريقة التنفيذ، وأهم الأخطاء التي تقع فيها النساء أثناء أداء هذا الركن، بالإضافة إلى بيان رمزية هذه الشعيرة في التشريع الإسلامي.

أولا: معنى قص الشعر في العمرة

يقصد بقص الشعر في العمرة إزالة جزء يسير من شعر الرأس، ويُشرع ذلك للنساء بعد أداء السعي بين الصفا والمروة، أي عند نهاية المناسك، ويُعد هذا التحلل نهاية لحالة الإحرام وما يتعلق بها من محظورات شرعية. ويُعد ذلك طاعة لله عز وجل واتباعًا لسنة النبي ﷺ.

وقد ورد في قوله تعالى:

﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [الفتح: 27]

دلالة على مشروعية التحلل عن طريق حلق أو تقصير الشعر، وقد أجمع العلماء على وجوب أحد هذين الفعلين بعد الانتهاء من الطواف والسعي.

ثانيًا: الفرق بين الرجل والمرأة في قص الشعر

الفرق بين الرجل والمرأة في مسألة قص الشعر في العمرة يظهر في التفاصيل التالية:

ثالثًا: حكم قص المرأة لشعرها في العمرة

أجمع العلماء على أن تقصير الشعر للمرأة واجب بعد الانتهاء من الطواف والسعي. ويُعد التحلل من الإحرام شرطًا لتمام العمرة، ولا يُستثنى من ذلك النساء، فكما أن الرجل يجب عليه التحلل بالحلق أو التقصير، فإن على المرأة التقصير فقط.

وقد قال الإمام النووي رحمه الله:

“وأما المرأة فتقصر شعرها، ولا تحلق، وهذا لا خلاف فيه عندنا، وأجمع عليه العلماء، ودليله الأحاديث الصحيحة في نهي النساء عن الحلق، وإنما عليهن التقصير”.

رابعًا: مقدار الشعر الذي يجب على المرأة قصه

القدر الذي يجب على المرأة قصه من شعرها هو ما يُقارب رأس الأنملة من أطراف شعرها. والأنملة تُقدر بما يُقارب 2 سم تقريبًا أو أقل، وهي الجزء الأعلى من الإصبع. وقد ورد في ذلك عن النبي ﷺ قوله:

“ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير”. [رواه أبو داود]

وقد اتفق العلماء على أن الواجب هو التقصير من جميع أطراف الشعر أو أكثره، ولا يُكتفى بقص خصلة واحدة، بل يجب تعميمه على الشعر كله أو أغلبه.

خامسًا: وقت قص الشعر للمرأة

الوقت الصحيح لقص الشعر في العمرة هو بعد الانتهاء من الطواف بالكعبة، ثم السعي بين الصفا والمروة. ولا يجوز تقديم التقصير على هذه المناسك، لأن الترتيب بينها واجب شرعي. فإذا قامت المرأة بأداء الطواف والسعي، فإنها بعد ذلك مباشرة تقص شعرها، ويحلّ لها ما كان محرّمًا عليها أثناء الإحرام من محظورات.

وقد اتفق جمهور العلماء على أن الترتيب بين الطواف والسعي والتقصير واجب، ومن خالفت هذا الترتيب فعليها أن تعيد ما أخلت به، ولا تُحسب عمرتها إلا بذلك.

سادسًا: مكان قص الشعر

يجوز للمرأة أن تقص شعرها في أي مكان بعد أداء مناسك العمرة، سواء داخل المسجد الحرام أو خارجه، بشرط أن يكون ذلك في مكان مستور ومحفوظ يصون خصوصيتها. ويُستحب للمرأة أن تؤخر القص حتى تصل إلى مقر إقامتها في مكة، وذلك حفاظًا على الحياء والعفة، مع الانتباه إلى أن كثيرًا من النساء يقمن بالقص في الساحات المكشوفة أو بين الجموع، وهذا مما لا يليق بالمسلمة.

سابعًا: هل يجوز للمرأة أن تقص شعرها بنفسها؟

نعم، يجوز للمرأة أن تقص شعرها بنفسها في العمرة، ولا يشترط وجود محرم أو امرأة أخرى تقوم بذلك نيابة عنها، ما دامت تستطيع الوصول إلى شعرها. ويُستحب أن تقوم بذلك امرأة أخرى حفاظًا على الدقة والسهولة، خصوصًا إن كان الشعر طويلًا أو كثيفًا.

ويُفضل استخدام مقص نظيف ومعقم لأداء هذه الشعيرة، لتجنب حدوث أي تهيج أو التهابات في فروة الرأس.

ثامنًا: طريقة قص الشعر للمرأة خطوة بخطوة

فيما يلي الخطوات العملية التي تتبعها المرأة المسلمة لقص شعرها بعد الانتهاء من مناسك العمرة:

1. التأكد من إتمام مناسك العمرة: الطواف بالكعبة سبعة أشواط، ثم السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط.

2. التوجه إلى مكان آمن ومستور: يُفضل أن يكون في مقر الإقامة أو زاوية هادئة في أحد الفنادق.

3. تجهيز أداة القص: يفضل استخدام مقص خاص بالشعر ونظيف.

4. فك الشعر إن كان مربوطًا: يجب فك الضفائر أو الربطات، ليكون الشعر مفكوكًا.

5. تمشيط الشعر جيدًا: لتوزيع الشعر بالتساوي وتحديد الأطراف.

6. أخذ خصلة من أطراف الشعر: يُفضل الإمساك بالشعر كاملاً على شكل ذيل حصان.

7. قص قدر أنملة (2 سم تقريبًا) من جميع أطراف الشعر.

8. جمع الشعر المقصوص والتخلص منه بطريقة مناسبة: يُستحب دفنه، ولكن لا يوجد حكم ملزم بذلك.

9. التحلل التام من الإحرام: بعد هذه الخطوة، تكون المرأة قد أتمت عمرتها بالكامل ويحلّ لها ما كان محرمًا أثناء الإحرام.

تاسعًا: أخطاء شائعة يجب تجنبها

• القص قبل إتمام السعي: لا يصح، ويُعتبر إخلالًا بترتيب المناسك.

• قص شعرة واحدة فقط: غير كافٍ ولا يُجزئ، بل يجب تعميم التقصير على الشعر.

• إظهار الشعر أمام الرجال: مخالفة شرعية، ويجب ستر الشعر أثناء أو بعد القص.

• الحلق بدل التقصير: لا يجوز شرعًا للمرأة حلق شعرها.

• القص من منتصف الشعر: لا يُعتبر صحيحًا، بل يجب من أطرافه.

عاشرًا: آراء المذاهب الفقهية

الحادي عشر: رمزية قص الشعر في العمرة

يمثل قص الشعر في العمرة تحولًا روحيًا يعكس طاعة المؤمن وانقياده لأوامر الله تعالى. فالتحلل من الإحرام يعني بداية مرحلة جديدة من النقاء والعبادة، وإزالة مظاهر الترف والزينة للتقرب إلى الله بقلوب خاشعة. وللمرأة، يكون القص إشارة رمزية للتواضع والتجرد عن المظاهر الدنيوية، كما أنه جزء من طقوس الطهارة التي تُعد من أهم خصائص الشعائر الإسلامية.

الثاني عشر: هل يجب الوضوء أو الطهارة عند قص الشعر؟

لا يُشترط الطهارة الكبرى أو الوضوء عند قص الشعر في العمرة، لأنه لا يُعد من العبادات التي تتطلب طهارة، وإنما هو فعل عبادي رمزي فقط. ولكن يُستحب أن تكون المرأة على طهارة كأدب من آداب العبادة.

الثالث عشر: فتوى اللجنة الدائمة

ورد في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية ما يلي:

“إذا فرغت المرأة من الطواف والسعي في العمرة، فإنها تقص من كل أطراف شعرها قدر أنملة فأكثر، ولا يجوز لها الحلق، وإذا فعلت ذلك فقد تمّت عمرتها وتحللت من الإحرام”.

المراجع:

• الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف الكويتية.

• فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية.