زيادة الدهون الثلاثية: الأسباب والمخاطر وطرق العلاج

مقدمة عن الدهون الثلاثية

الدهون الثلاثية (Triglycerides) تعد من أهم أنواع الدهون التي يحملها الدم البشري، وهي تتكون من جزيء جليسرول متصل بثلاثة أحماض دهنية. الجسم يحصل على الدهون الثلاثية من الغذاء، وخاصة من الزيوت والدهون الحيوانية والنباتية، كما يقوم الكبد بتصنيعها. الدهون الثلاثية ضرورية لتوفير الطاقة، ولكن عند ارتفاع مستوياتها في الدم، فإنها تشكل خطراً كبيراً على صحة الإنسان وترتبط بزيادة احتمالية الإصابة بأمراض القلب والشرايين، والسكتات الدماغية، والتهاب البنكرياس، واضطرابات التمثيل الغذائي.

ما هي الدهون الثلاثية؟

الدهون الثلاثية هي الشكل الأساسي للدهون المخزنة في الجسم وتنتقل عبر مجرى الدم لتستخدم كمصدر للطاقة أو لتخزن في الخلايا الدهنية لاستخدامها لاحقًا. بعد تناول الطعام، يقوم الجسم بتحويل السعرات الحرارية الزائدة التي لا يحتاجها إلى دهون ثلاثية تُخزن في الخلايا الدهنية. عند الحاجة للطاقة، يفرز الجسم هذه الدهون ويحولها إلى طاقة.

عندما تكون مستويات الدهون الثلاثية في الدم ضمن المعدل الطبيعي، فإنها لا تشكل أي خطر، بل إنها تلعب دوراً مهماً في دعم العمليات الحيوية للجسم. لكن ارتفاع مستوياتها بشكل مفرط قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، وهو ما يعرف بفرط ثلاثي الغليسريد (Hypertriglyceridemia).

المعدل الطبيعي للدهون الثلاثية في الدم

الجدول التالي يوضح مستويات الدهون الثلاثية وتصنيفاتها حسب المعايير الطبية العالمية:

أسباب ارتفاع الدهون الثلاثية

ارتفاع الدهون الثلاثية في الدم قد يكون ناتجاً عن مجموعة من العوامل الوراثية والسلوكية والصحية. من أبرز هذه الأسباب:

1. العادات الغذائية غير الصحية

تناول كميات كبيرة من الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة، والسكريات المكررة، والكربوهيدرات البسيطة مثل الحلويات والمخبوزات، يساهم بشكل كبير في رفع مستويات الدهون الثلاثية.

2. قلة النشاط البدني

الخمول وقلة ممارسة التمارين الرياضية يضعفان قدرة الجسم على استهلاك الدهون الثلاثية وتحويلها إلى طاقة، مما يؤدي إلى تراكمها في الدم.

3. السمنة وزيادة الوزن

زيادة الوزن، وخاصة تراكم الدهون حول منطقة البطن، يعد من العوامل الرئيسية التي تزيد من خطر ارتفاع الدهون الثلاثية.

4. الأمراض المزمنة

بعض الأمراض مثل السكري من النوع الثاني، وقصور الغدة الدرقية، وأمراض الكلى والكبد المزمنة تؤدي إلى اضطراب في استقلاب الدهون وزيادة الدهون الثلاثية.

5. العوامل الوراثية

في بعض الحالات يكون ارتفاع الدهون الثلاثية مرتبطاً بعوامل وراثية تؤثر على طريقة تعامل الجسم مع الدهون.

6. تناول الكحول

الإفراط في تناول المشروبات الكحولية يؤدي إلى تحفيز الكبد لإنتاج المزيد من الدهون الثلاثية.

7. استخدام بعض الأدوية

بعض الأدوية مثل مدرات البول، وحاصرات بيتا، والكورتيكوستيرويدات، وحبوب منع الحمل، قد تتسبب في ارتفاع مستويات الدهون الثلاثية كأحد الآثار الجانبية.

أعراض ارتفاع الدهون الثلاثية

ارتفاع الدهون الثلاثية غالباً لا يسبب أعراضاً مباشرة، لكنه قد يترافق مع مؤشرات صحية يجب الانتباه لها، مثل:

• تراكم الدهون حول منطقة البطن.

• ارتفاع ضغط الدم.

• ظهور كتل دهنية تحت الجلد تُعرف بالورم الأصفر (Xanthomas).

• تضخم الكبد أو الطحال.

• في الحالات الحادة: التهاب البنكرياس والذي يتسبب في آلام شديدة في البطن، وقد يهدد الحياة.

مخاطر ارتفاع الدهون الثلاثية

ارتفاع الدهون الثلاثية ليس مجرد رقم مرتفع في التحاليل الطبية، بل هو مؤشر لخطر صحي حقيقي له تأثيرات سلبية على الجسم تشمل:

1. أمراض القلب والشرايين

الدهون الثلاثية العالية تزيد من احتمالية الإصابة بتصلب الشرايين، حيث تتراكم الدهون في جدران الأوعية الدموية، مما يضيقها ويزيد خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

2. التهاب البنكرياس

عندما ترتفع الدهون الثلاثية إلى مستويات خطيرة (أكثر من 500 ملغ/ديسيلتر)، قد تؤدي إلى التهاب حاد في البنكرياس، وهي حالة طبية طارئة.

3. متلازمة الأيض

ارتفاع الدهون الثلاثية يُعد عنصراً أساسياً في متلازمة الأيض، وهي مجموعة من الحالات التي تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري والسكتة الدماغية.

4. مرض الكبد الدهني

الدهون الزائدة قد تتراكم في الكبد مما يؤدي إلى الإصابة بالكبد الدهني غير الكحولي، والذي قد يتطور إلى التهاب الكبد وتليف الكبد.

تشخيص ارتفاع الدهون الثلاثية

يتم تشخيص ارتفاع الدهون الثلاثية من خلال فحص دم بسيط يُسمى “تحليل الدهون” أو “تحليل الكوليسترول الكامل”، والذي يتطلب الصيام لمدة تتراوح بين 9 إلى 12 ساعة قبل أخذ العينة للحصول على قراءة دقيقة لمستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول بأنواعه.

طرق خفض الدهون الثلاثية

خفض الدهون الثلاثية يعتمد بشكل كبير على تعديل نمط الحياة بالإضافة إلى التدخلات الطبية في بعض الحالات. وتشمل استراتيجيات العلاج:

1. تحسين النظام الغذائي

تقليل السكريات والكربوهيدرات البسيطة

التقليل من تناول المشروبات الغازية، العصائر المحلاة، الحلويات والمعجنات، يقلل بشكل فعال من الدهون الثلاثية.

زيادة استهلاك الألياف

الأطعمة الغنية بالألياف مثل الحبوب الكاملة، الخضروات، والبقوليات تساعد على تقليل امتصاص الدهون وتخفض مستوياتها في الدم.

تناول الدهون الصحية

استبدال الدهون المشبعة والمتحولة بدهون صحية مثل الأحماض الدهنية أوميغا 3 الموجودة في الأسماك الدهنية (السلمون، السردين، الماكريل) وزيت الزيتون.

تقليل السعرات الحرارية الزائدة

التقليل من استهلاك السعرات الحرارية بشكل عام يساعد على خفض الدهون الثلاثية المخزنة.

2. ممارسة الرياضة بانتظام

ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة مثل المشي السريع أو ركوب الدراجة لمدة 30 دقيقة يومياً على الأقل، خمسة أيام في الأسبوع، يساهم في خفض مستويات الدهون الثلاثية بشكل ملحوظ.

3. التحكم في الوزن

فقدان 5% إلى 10% من وزن الجسم يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في تقليل مستويات الدهون الثلاثية.

4. الإقلاع عن الكحول

الابتعاد تماماً عن تناول الكحوليات يُعد خطوة ضرورية لتحسين مستويات الدهون في الدم.

5. ضبط مستويات السكر وضغط الدم

الحفاظ على مستويات السكر في الدم وضغط الدم ضمن المعدلات الطبيعية يدعم صحة القلب ويساعد على التحكم في الدهون الثلاثية.

6. تناول الأدوية عند الحاجة

في بعض الحالات التي تكون فيها الدهون الثلاثية مرتفعة جداً ولا تستجيب للتغيير في نمط الحياة، قد يوصي الطبيب باستخدام أدوية مثل:

• الفايبرات (Fibrates): مثل جيمفيبروزيل وفينوفيبرات، التي تخفض الدهون الثلاثية بشكل مباشر.

• النياسين (Niacin): الذي يساهم في خفض الدهون الثلاثية ورفع الكوليسترول الجيد.

• أحماض أوميغا 3 الدهنية بجرعات دوائية: وهي فعالة في خفض الدهون الثلاثية.

• الستاتينات (Statins): رغم أن تأثيرها الرئيسي يكون على خفض الكوليسترول، إلا أنها قد تساعد في حالات معينة.

الوقاية من ارتفاع الدهون الثلاثية

الوقاية تبدأ باتباع نمط حياة صحي منذ وقت مبكر، وتشمل:

• تبني نظام غذائي متوازن غني بالألياف وقليل الدهون المشبعة.

• ممارسة الرياضة بانتظام.

• الامتناع عن التدخين والكحول.

• الحفاظ على وزن صحي.

• مراقبة مستويات الدهون بشكل دوري خاصة لمن لديهم تاريخ عائلي أو عوامل خطر.

الخلاصة العلمية

ارتفاع الدهون الثلاثية حالة مرضية شائعة لكنها قابلة للسيطرة والوقاية عند اتباع السلوكيات الصحية المناسبة. التغذية المتوازنة، النشاط البدني، وضبط الوزن تمثل حجر الأساس في الوقاية والعلاج، مع إمكانية استخدام الأدوية في الحالات التي تتطلب تدخلات طبية إضافية. الاهتمام بقياس الدهون بانتظام أمر ضروري للكشف المبكر عن أي اختلال يمكن أن يؤثر سلباً على صحة القلب والأوعية الدموية.

المصادر

• Mayo Clinic: Triglycerides: Why do they matter?

• American Heart Association: Understanding Blood Fats.