انشقاق القمر: معجزة نبوية

حادثة انشقاق القمر: معجزة نبوية خالدة في التاريخ الإسلامي

تُعدّ حادثة انشقاق القمر واحدة من أبرز المعجزات التي أيد الله بها نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهي حادثة ذات دلالة عظيمة على صدق النبوة، وردت نصًا في القرآن الكريم، وتناقلتها كتب الحديث والسيرة، وثبتت بأسانيد صحيحة في مصادر الإسلام الموثوقة. لا تتعلق أهمية هذه الحادثة بطبيعتها الخارقة فقط، بل بعمقها العقدي، وارتباطها بالمجادلات التي كانت تدور بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش، وطلبهم للآيات المادية تأييدًا لرسالته.

في هذا المقال، سنتناول هذه الحادثة بالتفصيل من حيث ورودها في النصوص الشرعية، وتحليل دلالتها العقدية، والتفسيرات التي أوردها علماء الإسلام، إضافة إلى الإشارات العلمية والتاريخية المتعلقة بها، وما أثير حولها من نقاشات قديمة وحديثة، مع الإشارة إلى موقف الغرب والباحثين المعاصرين من هذه المعجزة.

أولًا: نص الحادثة في القرآن الكريم

جاء ذكر حادثة انشقاق القمر في مطلع سورة القمر، في قوله تعالى:

﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾

﴿وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾

(سورة القمر، الآيتان 1-2)

هذا النص يُعدّ صريحًا في وقوع حادثة انشقاق القمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، باعتبارها إحدى الآيات التي طلبها المشركون، فجاءت معجزة مادية بيّنة لتثبت صدق النبي.

ثانيًا: روايات الحديث النبوي وإجماع المحدثين

وردت حادثة انشقاق القمر في عدد من الأحاديث الصحيحة عن الصحابة، وتواترت عند أهل الحديث، ومن أبرز هذه الروايات:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

“بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِنى، فانشقّ القمر شقّتين، فمالت شقّة وراء الجبل، ومالت الأخرى دونه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا.”

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

كذلك جاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

“سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر.”

هذه الأحاديث بمجموعها تمثل رواية متواترة عند جمهور المحدثين، مما يعني أنّها نقلت عن عدد كبير من الصحابة لا يمكن تواطؤهم على الكذب، وبهذا فهي معجزة ثبتت بالقرآن والسنة معًا.

ثالثًا: الخلفية التاريخية للحادثة

وقعت هذه المعجزة في مكة المكرمة، في فترة الدعوة الجهرية، حيث واجه النبي صلى الله عليه وسلم عناد قريش وطلبهم لآيات مادية تُثبت صدق دعوته، على غرار ما كانوا يذكرونه من معجزات أنبياء بني إسرائيل. فأراد الله أن يُريهم آية كبرى، فانشق القمر نصفين، وشاهدها عدد من المشركين.

لكن رد فعلهم لم يكن التصديق، بل أصروا على الكفر، وقالوا: سحرنا محمد! ثم راحوا يتحرّون في القوافل القادمة إلى مكة: “هل رأيتم شيئًا غريبًا في السماء؟”، ليتأكدوا أن ما رأوه لم يكن سحرًا بل ظاهرة واقعية. وقد أقرّ بعض من خارج مكة برؤيتها، مما أحرج قريش وزادها عنادًا.

رابعًا: التفسير العقدي والمعرفي للمعجزة

تنقسم الآيات النبوية إلى نوعين:

• آيات بيانية (قرآنية): وهي التي تتجلى في الإعجاز البلاغي والعلمي والتشريعي للقرآن الكريم.

• آيات حسية (معجزات مادية): مثل معجزات عيسى عليه السلام وموسى عليه السلام، وقد جاءت لتناسب عقول ومطالب أقوامهم.

وانشقاق القمر يندرج ضمن المعجزات الحسية، وهو آية مادية خارقة، تثبت أن قدرة الله تعالى لا يعجزها شيء، وتؤكد أن الله أيّد نبيّه بآيات كما أيد الرسل من قبله، تأكيدًا لرسالته. وقد وقع الانشقاق، وانتهى، دون أن يُترك أثر دائم في القمر، لأن الغرض منه لم يكن التغيير الكوني، بل إقامة الحجة على من شهد المعجزة.

خامسًا: أقوال العلماء والمفسرين في الحادثة

ابن كثير:

قال في تفسيره:

“قد كان هذا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت بالأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء.”

الزمخشري:

قال في “الكشاف”:

“انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان آية باهرة ظهرت للناس.”

النووي:

أورد في شرحه على صحيح مسلم أن هذا الحدث “من المعجزات الباهرة، والدلائل الظاهرة، وقد نقلها جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب.”

فخر الدين الرازي:

رأى أن انشقاق القمر دليل على إمكان خرق العادة، وبهذا يكون ردًا على من ينكر المعجزات المادية من أهل الفلسفة أو التأويل المجازي.

سادسًا: النقاشات التأويلية والرد على المشككين

في العصر الحديث، ظهرت بعض الاتجاهات التي تنكر وقوع هذه المعجزة فعليًا، وترى أنها مجاز عن انشقاق القمر في يوم القيامة، مستندين إلى أن الآية في صدر سورة القمر تشير إلى “اقتراب الساعة”، وبالتالي فقد تكون الآية خبرًا عن المستقبل.

لكن هذا الرأي مخالف لإجماع المفسرين، والسياق لا يدعم هذا التأويل، لأن المشركين رأوا الآية فعليًا ورفضوا تصديقها، ولو كانت إشارة إلى يوم القيامة لما كان ذلك محل تكذيب أو جدال منهم.

ومن جهة أخرى، فإن رد الأحاديث المتواترة بحجة التأويل العقلي أمر خطير، لأن ذلك يُفضي إلى رد جميع معجزات الأنبياء.

سابعًا: التأثيرات المعرفية والتاريخية

لا توجد وثائق معروفة في التاريخ الفلكي لغير المسلمين تسجل هذه الظاهرة صراحة، إلا أن بعض النقوش القديمة في الهند وبابل يُحتمل أن تكون أشارت إليها. ويُذكر أحيانًا أن بعض المخطوطات البوذية القديمة أو النقوش الفلكية في الصين سجلت ظواهر قمرية غريبة، لكنها تحتاج إلى مراجعة علمية دقيقة، ولم يتم إثبات علاقتها بانشقاق القمر يقينًا حتى الآن.

لكن غياب التوثيق الفلكي لا يعني نفي الحادثة، فهي وقعت في لحظة معينة، ولم يكن التوثيق العلمي كما هو في عصرنا.

ثامنًا: القمر بين الإعجاز والمعرفة المعاصرة

حاول بعض الباحثين في العصر الحديث ربط انشقاق القمر بوجود شقوق سطحية على القمر، مثل “الريما”، وهي شقوق طولية تظهر في صور القمر من الأقمار الصناعية، واعتبروا أنها قد تكون بقايا ذلك الانشقاق. ولكن هذه النظرية تفتقر إلى دليل قاطع، ولا يمكن الجزم بها علميًا.

ومع ذلك، فالمسلم لا يعتمد على هذا الربط لتثبيت العقيدة، لأن ثبوت المعجزة لا يتوقف على الإثبات العلمي المعاصر، بل على النصوص الصحيحة المتواترة.

تاسعًا: الجدول الزمني للحادثة والرد على شبهات العصر

عاشرًا: الخاتمة العلمية والتحليل الإيماني

حادثة انشقاق القمر تبقى واحدة من الآيات الكبرى التي تثبت النبوة وتُظهر قدرة الله عز وجل على خرق قوانين الطبيعة لإثبات صدق رسله. إنها ليست مجرد مشهد خارق في السماء، بل رسالة كونية تحمل دلالات عقدية عظيمة، وتذكّر الإنسان بضعفه أمام إرادة الخالق.

رغم محاولات التشكيك أو التأويل، فإن الثوابت النقلية الصحيحة، وإجماع الأمة، يكفيان لإثبات هذه المعجزة. وإذا كان الغرب يطالب بالدليل الحسي، فإن المؤمن لا يعتمد فقط على المادي، بل يوقن بالغيب اعتمادًا على صدق الخبر، وقوة البرهان، ووثاقة النقل.

المراجع:

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة.

2. النووي، شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي.