تطور الجنين في الشهر الثامن

تطور الجنين في الشهر الثامن: مرحلة حاسمة في نمو الطفل

في الشهر الثامن من الحمل، يدخل الجنين مرحلة متقدمة في تطوره، حيث تزداد معدلات النمو بشكل ملحوظ وتظهر العديد من التغيرات المدهشة. يعتبر الشهر الثامن من الحمل فترة حاسمة بالنسبة للجنين، إذ يتجلى فيه العديد من التغيرات الحيوية والجسدية التي تقربه من الاستعداد للولادة. هذا الشهر يعكس مرحلة انتقالية بين الأعضاء الداخلية المكتملة تقريبًا، وبين الحاجة إلى المزيد من النضج الذي سيمكن الجنين من العيش خارج رحم الأم.

التغيرات الفيزيائية للجنين في الشهر الثامن

يبدأ الجنين في الشهر الثامن من الحمل بالنمو السريع على مختلف الأصعدة، حيث تزداد أبعاده بشكل ملحوظ. في هذا الشهر، يتراوح وزن الجنين بين 1.8 إلى 2.2 كيلوغرام تقريبًا، ويصل طوله إلى حوالي 45 إلى 50 سنتيمترًا. يعتبر النمو في هذا الشهر استمرارًا للأشهر السابقة، إلا أنه يصبح أكثر وضوحًا، خاصة في حجم الأعضاء الداخلية.

تطور الأعضاء الحيوية

الأعضاء الحيوية للجنين، مثل الرئتين والكبد، تكون قد وصلت إلى مراحل متقدمة من النمو ولكنها لا تزال بحاجة إلى بعض الوقت لكي تكتمل تمامًا. في هذا الشهر، تبدأ رئتا الجنين في تطوير القدرة على التنفس بشكل طبيعي، حيث تكتمل خلايا الرئة وتبدأ في إنتاج مادة “السطح الفعال” أو “Surfactant” التي تمنع التكتل بين الحويصلات الهوائية في الرئتين، ما يساعد الجنين على التنفس بشكل أكثر كفاءة عند الولادة. رغم ذلك، قد يحتاج الجنين في هذه المرحلة إلى رعاية خاصة في حال حدوث ولادة مبكرة، وذلك بسبب استمرار تطور رئتيه.

أما بالنسبة للكبد، فيبدأ في أداء العديد من وظائفه الحيوية، مثل تخزين السكر واستخراج السموم. ومع تقدم الحمل في هذا الشهر، يصبح الكبد قادرًا على أداء مهامه بشكل أفضل، لكنه لا يزال بحاجة إلى بعض الوقت لكي يصل إلى النضج الكامل.

تطور الجهاز العصبي

في الشهر الثامن، يستمر الجهاز العصبي للجنين في النضوج، مما يعزز قدرته على الاستجابة للمنبهات. يبدأ الجنين في هذا الشهر في استشعار الضوء والصوت بشكل أكثر وضوحًا. يمكن أن يستجيب لحركة اليد أو للمؤثرات الخارجية مثل الأصوات العالية أو الموسيقى، حيث يتحرك أو يركل عندما يسمع صوتًا قويًا. يتم تطوير الدماغ بشكل سريع خلال هذه الفترة، حيث تتشكل المزيد من الشبكات العصبية التي تدعم حواس الطفل الأساسية.

تطور جهاز المناعة

خلال الشهر الثامن، يكون جهاز المناعة للجنين قد بدأ في أخذ شكل أكثر نضجًا. يقوم الجنين في هذا الشهر بالحصول على الأجسام المضادة من الأم عبر المشيمة، وهو ما يعزز من قدرة الجهاز المناعي للجنين على مكافحة الأمراض بعد الولادة. رغم ذلك، يبقى جهاز المناعة للطفل غير مكتمل تمامًا ويعتمد على الأجسام المضادة التي يحصل عليها من الأم.

الحركة والتطور العضلي في الشهر الثامن

واحدة من أبرز التغيرات التي تلاحظها الحامل في الشهر الثامن هي زيادة حركة الجنين. في هذه الفترة، يكون الجنين قد أصبح أكبر وأقوى، وبالتالي تزداد حركته داخل الرحم. يمكن أن يشعر الأم بزيادة الركلات واللكمات، وقد يصبح بعضها أكثر قوة من ذي قبل. ولكن بالرغم من أن الجنين يستمر في الحركة، قد تصبح المساحة داخل الرحم ضيقة نوعًا ما بسبب حجم الجنين المتزايد، مما يجعل الحركة أقل تكرارًا، لكنها أكثر وضوحًا.

التغيرات في البشرة والشعر

على المستوى الجمالي، يبدأ جلد الجنين في الشهر الثامن بالتغير، حيث يتماسك وتظهر على سطحه طبقة من الدهون تحت الجلد. تساعد هذه الدهون في حماية الجنين من تأثيرات بيئة الرحم وضمان درجة حرارته المناسبة. هذه الدهون تعتبر أساسية في قدرة الجنين على التكيف مع بيئة الحياة بعد الولادة. كما يظهر لدى الجنين في هذه المرحلة شعر ناعم للغاية، يمكن أن يغطي جسمه بالكامل، وهو ما يسمى “الزغب” (Lanugo). يبدأ الزغب في التساقط مع اقتراب موعد الولادة، لكن بعض الأطفال قد يولدون ببعض من هذا الشعر.

تطور الأظافر والعينين

الأظافر في الشهر الثامن من الحمل تصل إلى أطراف الأصابع، وتكتمل تدريجيًا. أما العينان، فهي تفتح تمامًا، ويبدأ الجنين في هذا الشهر بالتركيز على الضوء الذي يدخل عبر جدار الرحم. وعلى الرغم من أن الجنين لا يستطيع التمييز بين الأشياء بشكل كامل، فإنه يمكنه التفاعل مع الضوء الذي يمر من خلال جدار بطن الأم.

تغيرات في الحالة النفسية للأم

في الشهر الثامن، تزداد المشاعر المختلطة لدى الأم بين القلق والترقب، وقد يزداد الشعور بالتعب والإرهاق نتيجة لنمو الجنين وزيادة الوزن. يترافق مع هذا الشهر أيضًا بعض التغيرات الجسدية التي تؤثر على الأم مثل صعوبة في التنفس أو تورم القدمين والكاحلين. ومع تقدم الحمل، تبدأ الأم أيضًا في الشعور بتوتر الأعصاب بسبب اقتراب موعد الولادة، ما يتطلب منها الراحة الجسدية والنفسية بشكل أكبر.

الاستعداد للولادة

في هذه المرحلة من الحمل، يبدأ الجسم في التحضير للولادة بشكل تدريجي. ينخفض الجنين في الرحم استعدادًا للخروج، وقد تشعر الأم بضغط أكبر على منطقة الحوض نتيجة لموقع الجنين. وتبدأ المشيمة في إفراز هرمونات تساعد على تمهيد الطريق لعملية الولادة، مثل هرمون “الأوكسيتوسين” الذي يساعد في تحفيز الانقباضات الرحمية.

بالإضافة إلى ذلك، قد تبدأ الأم في الشعور بالتقلصات التي تسبق الولادة المعروفة بـ “التقلصات الكاذبة” أو “الطلق الكاذب” (Braxton Hicks contractions). رغم أن هذه التقلصات ليست قوية بما يكفي لبدء الولادة، إلا أنها تشير إلى استعداد جسم الأم لتحديات الولادة الحقيقية.

نصائح للأم في الشهر الثامن

• الراحة والنوم: من الضروري أن تحصل الأم على قدر كافٍ من الراحة في هذا الشهر لتقليل التوتر والإرهاق. قد يكون من الصعب النوم في هذه المرحلة بسبب حركة الجنين، لكن الاسترخاء والراحة قد يساعدان في تخفيف الضغط.

• المتابعة مع الطبيب: يجب أن تستمر الأم في زيارة الطبيب بشكل منتظم لمتابعة تطور الجنين وضمان سلامة الحمل. قد يوصي الطبيب ببعض الفحوصات مثل فحص نمو الجنين أو فحص السائل الأمنيوسي.

• التغذية السليمة: من المهم أن تحافظ الأم على تغذية صحية ومتوازنة تضمن نمو الجنين بشكل جيد. ينبغي تناول الأطعمة الغنية بالبروتين، الفيتامينات، والمعادن.

• الاستعداد النفسي: من الجيد أن تبدأ الأم في التحضير النفسي للولادة. قد يشمل ذلك حضور دروس الولادة أو التحدث مع مستشار للتعامل مع القلق والتوتر.

في الختام، يمثل الشهر الثامن من الحمل مرحلة حاسمة في حياة الجنين والأم على حد سواء. مع اقتراب موعد الولادة، يتقدم الجنين بشكل كبير نحو اكتساب المهارات التي ستساعده في الحياة خارج الرحم، بينما تزداد متطلبات الأم من حيث الراحة والرعاية الصحية.