مصير بقايا الطعام: رحلة تحويل النفايات إلى موارد قيمة

تُعد بقايا الطعام واحدة من أكبر التحديات البيئية والاجتماعية التي تواجه العالم اليوم، إذ يقدر حجم الطعام المهدور سنوياً بمليارات الأطنان على مستوى العالم، ما يترتب عليه تأثيرات بيئية واقتصادية واجتماعية جسيمة. لفهم مصير بقايا الطعام، من الضروري تتبع مراحل تعامل المجتمعات والصناعات مع هذه النفايات، بدءًا من التخلص البسيط وحتى التحول إلى موارد مستدامة، مروراً بالتحديات والحلول المتاحة.

تعريف بقايا الطعام وأهميتها

بقايا الطعام تشير إلى الأجزاء المتبقية من الأطعمة التي لم تُستهلك سواء في المنازل أو المطاعم أو الأسواق أو الصناعات الغذائية. يمكن أن تكون هذه البقايا على شكل فضلات صلبة مثل القشور والأجزاء غير الصالحة للأكل، أو طعام مطهو أو نيء لم يُستهلك بسبب فائض الإنتاج أو انتهاء مدة الصلاحية.

تعد بقايا الطعام من النفايات العضوية التي تحمل قيمة عالية لأنها تحتوي على مواد غذائية وعناصر عضوية يمكن إعادة استخدامها بطرق مختلفة. لذلك، فإن إدارتها بشكل صحيح يمكن أن يقلل من الضياع الغذائي ويحسن من استدامة الموارد البيئية.

حجم المشكلة وتأثيرها البيئي

تشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من ثلث الطعام المنتج عالمياً يتم هدره، وهذا يشكل حوالي 1.3 مليار طن من الطعام سنوياً. يؤدي هدر الطعام إلى هدر كميات هائلة من المياه والطاقة والموارد الزراعية المستخدمة في إنتاجه. كما أن تراكم بقايا الطعام في مكبات النفايات ينتج عنه انبعاثات غاز الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة التي تسرّع من ظاهرة الاحتباس الحراري.

على صعيد آخر، فإن رمي بقايا الطعام في الأماكن غير المناسبة يؤدي إلى تلوث التربة والمياه السطحية والجوفية، الأمر الذي يؤثر سلباً على التنوع البيولوجي ويهدد صحة الإنسان والحيوان.

طرق التخلص من بقايا الطعام

1. الطمر الصحي

تعتبر المكبات الصحية إحدى الطرق التقليدية للتخلص من بقايا الطعام، حيث يتم دفنها في أماكن مخصصة مع إجراءات لمنع تسرب الملوثات. إلا أن هذه الطريقة لا تعالج بقايا الطعام كموارد، بل تتحول إلى عبء بيئي بسبب انبعاثات الغازات العضوية وتكون مصدرًا لمشاكل روائح كريهة وانتشار الحشرات.

2. الحرق

في بعض المناطق يتم حرق بقايا الطعام كمصدر للتخلص السريع منها، لكنها تساهم بشكل كبير في تلوث الهواء عبر انبعاث الدخان والجزيئات الدقيقة، بالإضافة إلى فقدان الموارد العضوية المفيدة التي يمكن إعادة تدويرها.

3. تحويل بقايا الطعام إلى سماد عضوي

يعتبر تحويل بقايا الطعام إلى سماد عضوي من أكثر الطرق فعالية في الاستفادة من النفايات العضوية. يتم جمع بقايا الطعام وخلطها مع مخلفات نباتية أخرى في مراكز التسميد حيث تخضع لعملية تحلل حيوي تنتج سمادًا غنيًا بالمواد الغذائية التي تستخدم لتحسين خصوبة التربة وزيادة الإنتاج الزراعي.

هذه الطريقة تساعد في تقليل حجم النفايات وتعيد الدورة الطبيعية للمغذيات في البيئة، مما يقلل الحاجة إلى الأسمدة الكيميائية التي تضر بالتربة والبيئة.

4. إنتاج الغاز الحيوي

تُستخدم بقايا الطعام في إنتاج الغاز الحيوي من خلال عملية التحلل اللاهوائي في مفاعلات خاصة. ينتج عن هذه العملية غاز الميثان الذي يمكن استخدامه كمصدر للطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء أو التدفئة، بالإضافة إلى إنتاج مواد تسميدية صلبة وسائل.

إنتاج الغاز الحيوي من بقايا الطعام يشكل حلاً بيئياً واقتصادياً متكاملاً يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري ويخفض من الانبعاثات الضارة.

5. إعادة الاستخدام في الصناعات الغذائية

في بعض الحالات يمكن استخدام بقايا الطعام القابلة للاستهلاك مثل الفواكه والخضروات التالفة جزئياً في صناعة الأعلاف الحيوانية أو تحضير منتجات غذائية أخرى مثل العصائر والمربيات. هذا النوع من إعادة الاستخدام يقلل من الفاقد ويعزز من الاستدامة الصناعية.

التحديات في إدارة بقايا الطعام

1. ضعف الوعي المجتمعي

عدم إدراك أهمية فرز بقايا الطعام وطرق معالجتها الصحيحة يؤدي إلى مزيد من الهدر وتلوث البيئة. الحاجة ملحة لبرامج توعية تشجع على تقليل الهدر وإعادة التدوير.

2. نقص البنية التحتية

غياب مراكز التسميد ومصانع الغاز الحيوي في الكثير من المناطق يجعل إدارة بقايا الطعام غير فعالة، مما يؤدي إلى تراكمها في المكبات أو التخلص منها بطرق تقليدية مضرة.

3. تكلفة جمع ونقل النفايات

تتطلب إدارة بقايا الطعام جمعاً خاصاً ونقلاً منفصلاً عن بقية النفايات، وهذا يحتاج إلى استثمارات مالية كبيرة ونظام لوجستي معقد.

4. القيود الصحية والتنظيمية

تخضع بقايا الطعام التي تستخدم في صناعة الأعلاف أو السماد إلى شروط صحية صارمة للحد من انتقال الأمراض. قلة التنظيم والرقابة قد تحد من الاستفادة المثلى منها.

المبادرات العالمية والمحلية لتحسين مصير بقايا الطعام

في إطار جهود التنمية المستدامة، تبنت عدة دول مؤسسات ومنظمات مبادرات لتقليل هدر الطعام وإعادة تدوير بقاياه. على سبيل المثال:

• إطلاق حملات توعية عامة للحد من الإسراف في الطعام.

• تطوير مراكز متخصصة لتحويل النفايات العضوية إلى سماد وغاز حيوي.

• تشجيع التقنيات الحديثة مثل تدوير النفايات باستخدام الذكاء الاصطناعي لفرز بقايا الطعام.

• سن قوانين تحفز المطاعم والأسواق على التبرع بالأطعمة الصالحة للاستهلاك قبل انتهاء الصلاحية.

في الدول العربية، بدأت بعض المدن بتطبيق مشاريع تسميد وتحويل بقايا الطعام إلى طاقة، رغم وجود تحديات بنيوية وتقنية ما تزال تحتاج إلى تطوير.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين طرق معالجة بقايا الطعام من حيث الفعالية البيئية والتكلفة والتطبيق العملي:

الخاتمة

مصير بقايا الطعام لا يقتصر على كونها نفايات يجب التخلص منها، بل هي موارد يمكن استغلالها بطرق ذكية ومستدامة تساهم في حماية البيئة وتقليل الفاقد الغذائي وتحقيق منافع اقتصادية متعددة. التطور في تقنيات المعالجة وتحسين الوعي المجتمعي والبنية التحتية، كلها عوامل حاسمة لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الموارد. لذلك، يتوجب على الحكومات والمؤسسات والأفراد العمل سوياً من أجل بناء نظام متكامل لإدارة بقايا الطعام يمكنه أن يلعب دوراً محورياً في الحفاظ على كوكب الأرض وضمان استدامة موارده للأجيال القادمة.

المصادر

1. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، تقرير هدر الطعام العالمي، 2021

2. وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)، إدارة النفايات العضوية، 2022