كيفية تكوّن الفحم الحجري

كيف يتكون الفحم الحجري؟

الفحم الحجري هو واحد من أهم أنواع الوقود الأحفوري الذي يستخدم في العديد من المجالات الصناعية والكهربائية، وله دور كبير في تلبية احتياجات البشرية من الطاقة. يعتبر الفحم من أقدم مصادر الطاقة التي استخدمها الإنسان في العصور القديمة، حيث كانت مجتمعات ما قبل الثورة الصناعية تعتمد عليه بشكل رئيسي في توفير الطاقة للطهي، التدفئة، والنقل. لكن، الفحم لا يزال يلعب دوراً مهماً في عصرنا الحديث رغم تقدم مصادر الطاقة المتجددة وتزايد الوعي البيئي. في هذا المقال، سيتم التطرق إلى كيف يتكون الفحم الحجري، من نشأته، مراحله، وأنواعه المختلفة، بالإضافة إلى أهمية هذا الوقود في عصرنا الحالي.

1. الأساس الجيولوجي للفحم الحجري

الفحم الحجري هو صخور رسوبية، تتكون في الغالب من بقايا النباتات التي ماتت في البيئات الرطبة مثل المستنقعات والبرك. بداية تكوّن الفحم يبدأ من تراكم هذه البقايا النباتية في بيئات مواتية، وتعرضها بعد ذلك لظروف بيئية وظروف جيولوجية معينة تشمل الحرارة، الضغط، والوقت الطويل.

في البداية، تتراكم كميات كبيرة من النباتات المتحللة في بيئات المياه الراكدة، حيث تمنع الظروف البيئية التحلل الكامل للمادة العضوية بسبب نقص الأوكسجين. تتحول هذه المادة العضوية بمرور الزمن إلى مادة تعرف بالـ “تورف”، وهي المادة الأولية التي تتحول في مراحل لاحقة إلى الفحم الحجري.

2. مراحل تكوّن الفحم الحجري

تعد عملية تكوّن الفحم عملية طويلة ومعقدة، تمر عبر عدة مراحل:

2.1 مرحلة التورف (البداية)

تبدأ عملية تكوّن الفحم بتراكم المواد النباتية الميتة مثل الأشجار والنباتات في مستنقعات أو بيئات مائية، حيث تكون عملية تحلل المواد العضوية بطيئة بسبب نقص الأوكسجين. هذه المرحلة تعرف بمرحلة “التورف”، حيث تبقى المواد النباتية في شكل متحلل جزئيًا، وتكون غنية بالكربون.

2.2 مرحلة الليغنيت (الفحم البني)

مع مرور الوقت، تبدأ طبقات التورف في التراكم على بعضها البعض تحت طبقات من الرواسب الأخرى، مما يؤدي إلى ضغط المواد النباتية في الأعماق. يتسبب هذا الضغط في انضغاط المواد العضوية، وبالتالي تصاعد الحرارة، مما يؤدي إلى تحول التورف إلى مادة أكثر صلابة وأغمق لونًا تعرف باسم “الليغنيت” أو “الفحم البني”. يعتبر الليغنيت نوعًا من الفحم ضعيف القيمة مقارنةً بالفحم الحجري، إلا أنه لا يزال يحتوي على نسبة عالية من الكربون مقارنة بالمواد العضوية الأصلية.

2.3 مرحلة الفحم الحجري (الفحم الأسود)

مع مرور الوقت، تستمر الطبقات المتراكمة من الفحم في التعرض للضغط والحرارة الناتجة عن التفاعلات الجيولوجية. في هذه المرحلة، يتحول الفحم البني (الليغنيت) إلى فحم حجري عميق اللون وأكثر صلابة. تصل نسبة الكربون في الفحم الحجري إلى مستويات عالية، مما يجعله وقودًا ذا طاقة حرارية مرتفعة.

2.4 مرحلة الأنتراسيت (الفحم القاري)

أعلى درجة من الفحم هي “الأنتراسيت”، وهو نوع من الفحم المتحول الذي يحتوي على نسبة عالية جدًا من الكربون، ويتميز بلمعانه الشديد وصلابته. ينتج الأنتراسيت عندما يتعرض الفحم الحجري لظروف ضغط وحرارة أكبر على مدى فترات زمنية أطول. يعتبر الأنتراسيت من أفضل أنواع الفحم، حيث يتمتع بأعلى قيمة حرارية ويستخدم في صناعات عالية الكفاءة مثل صناعة الفولاذ.

3. العوامل المؤثرة في تكوّن الفحم

تعد عملية تكوّن الفحم عملية معقدة تؤثر فيها عدة عوامل جيولوجية وبيئية، يمكن تلخيص أهم هذه العوامل في النقاط التالية:

3.1 الضغط والحرارة

يعد الضغط والحرارة من العوامل الرئيسية التي تؤثر في عملية تحول التورف إلى فحم حجري. مع مرور الوقت، تتراكم طبقات من الرواسب على طبقات التورف، مما يؤدي إلى زيادة الضغط ودرجة الحرارة. يتسبب هذا في تسخين المواد العضوية، مما يحولها إلى الفحم.

3.2 الوقت

يتطلب تكوّن الفحم فترة زمنية طويلة قد تصل إلى ملايين السنين. هذه الفترة الزمنية ضرورية لتحول المواد العضوية المتحللة إلى الفحم بسبب التفاعلات الكيميائية التي تحدث في عمق الأرض.

3.3 البيئة النباتية

نوع النباتات التي تنمو في البيئة المحيطة يعتبر عاملًا حاسمًا في تكوّن الفحم. المناطق التي تحتوي على غطاء نباتي كثيف مثل الغابات الاستوائية أو المستنقعات هي الأكثر ملاءمة لتشكيل الفحم، حيث توفر كميات ضخمة من المواد العضوية.

3.4 المياه والتفاعلات الكيميائية

وجود المياه في البيئات التي يتكون فيها الفحم يعد أمرًا أساسيًا، إذ يمنع نقص الأوكسجين في الماء عملية التحلل الكامل للنباتات، مما يؤدي إلى تكوّن التورف.

4. أنواع الفحم الحجري

هناك عدة أنواع من الفحم الحجري تختلف في تركيبها الكيميائي والفيزيائي، حسب مراحل تكوّنها ودرجة الضغط والحرارة التي تعرضت لها. من أشهر أنواع الفحم:

4.1 الفحم البني (الليغنيت)

يعتبر الفحم البني نوعًا من الفحم منخفض القيمة، حيث يحتوي على نسبة منخفضة من الكربون، ويحتوي على كمية أكبر من الرطوبة مقارنة بالفحم الحجري.

4.2 الفحم الحجري

الفحم الحجري هو النوع الأكثر شيوعًا واستخدامًا في العالم، ويتميز بارتفاع نسبة الكربون (60-80%) مما يجعله وقودًا ذا قيمة حرارية عالية. يتميز هذا النوع بلونه الأسود وقوته.

4.3 الأنتراسيت

يعد الأنتراسيت من أفضل أنواع الفحم وأكثرها صلابة. يحتوي على نسبة عالية من الكربون ويتميز بلمعانه الشديد. يستخدم في الصناعات الثقيلة مثل صناعة الفولاذ.

5. استخدامات الفحم الحجري

الفحم الحجري يعتبر من أهم مصادر الطاقة في العالم، حيث يستخدم بشكل رئيسي في إنتاج الكهرباء، كما يستخدم في العديد من الصناعات الأخرى:

5.1 إنتاج الكهرباء

يعد توليد الكهرباء من الفحم من الاستخدامات الرئيسية لهذا الوقود. تحترق كتل الفحم في محطات توليد الكهرباء لتوليد البخار الذي يقوم بتشغيل التوربينات المولدة للطاقة الكهربائية.

5.2 الصناعات الثقيلة

يستخدم الفحم في صناعة الحديد والفولاذ، حيث يتم استخدامه كمصدر للطاقة والحرارة في عمليات الصهر.

5.3 الأنشطة المنزلية

على الرغم من تراجع استخدام الفحم في النشاطات المنزلية بسبب انتشار الغاز والكهرباء، لا يزال الفحم يستخدم في بعض المناطق النائية للطهي والتدفئة.

6. تأثيرات استخدام الفحم الحجري

رغم أهمية الفحم في تلبية احتياجات الطاقة، إلا أن له العديد من التأثيرات السلبية على البيئة. عملية احتراق الفحم تنتج العديد من الغازات الضارة مثل ثاني أكسيد الكربون، الذي يساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى الجسيمات الملوثة التي تؤثر في جودة الهواء.

تعتبر صناعة الفحم من الصناعات التي تساهم بشكل كبير في تلوث الهواء والمياه، حيث تنتج مناجم الفحم كميات هائلة من الغبار والغازات السامة. وعليه، فإن استخدام الفحم يثير العديد من القضايا البيئية والصحية، وهو ما دفع العديد من الدول إلى البحث عن بدائل أكثر استدامة للطاقة.

7. خاتمة

الفحم الحجري هو مصدر طبيعي للطاقة يعود تكوّنه إلى ملايين السنين نتيجة تراكم المواد العضوية في بيئات معينة تحت تأثير الضغط والحرارة. مع تطور العلم والتكنولوجيا، تم استغلال الفحم في العديد من الصناعات لتلبية احتياجات الطاقة، لكن الآثار البيئية الناتجة عن استخدامه قد تفرض على العالم ضرورة البحث عن حلول طاقة أكثر نظافة واستدامة.