مرض السهو: الأسباب والعلاج

يُعدّ مرض السهو من الاضطرابات العقلية والسلوكية التي تُصنَّف ضمن المشكلات الإدراكية التي تؤثر على قدرة الإنسان على التركيز، وتثبيت المعلومات، واسترجاع الذكريات، واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب. وعلى الرغم من أن السهو يُعتبر في مراحله الطفيفة سلوكًا طبيعيًا قد يصيب أي شخص في ظل ضغوط الحياة اليومية، إلا أن تحوله إلى حالة مزمنة ومتكررة بشكل مرضي يجعله من المواضيع التي تستوجب دراسة طبية ونفسية متعمقة. يتسم مرض السهو بضعف التركيز، وتشتت الانتباه، والنسيان المستمر، ما ينعكس سلبًا على جودة الحياة الفردية والمهنية والاجتماعية.

ماهية مرض السهو

السهو هو غياب مؤقت أو دائم للتركيز والانتباه، ما يؤدي إلى ارتكاب أخطاء، ونسيان المواعيد، وتكرار الأسئلة، والشرود الذهني، وعدم القدرة على التفاعل بفعالية مع المحيط. ويصنف السهو كمرض إذا تجاوز الحد الطبيعي وأصبح يؤثر على الحياة اليومية، أو كان مصحوبًا بأعراض أخرى تشير إلى خلل في الإدراك أو وظائف الدماغ. قد يظهر مرض السهو لدى الأطفال أو البالغين أو كبار السن، لكنه يأخذ طابعًا خاصًا في كل مرحلة عمرية، من حيث الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج.

الأسباب العصبية والنفسية

ينتج مرض السهو عن عدة أسباب معقدة تتداخل فيها العوامل البيولوجية والنفسية والبيئية، منها:

1. اختلال في الناقلات العصبية

يؤدي اضطراب التوازن بين المواد الكيميائية في الدماغ، مثل الدوبامين والسيروتونين، إلى ضعف في نقل الإشارات العصبية، ما يُسبب خللاً في التركيز والانتباه.

2. القلق والاكتئاب

تلعب الاضطرابات النفسية مثل القلق العام والاكتئاب دورًا كبيرًا في ضعف التركيز والسهو المستمر، إذ يُسبب القلق فرط التفكير ويُشتت الانتباه، في حين يُضعف الاكتئاب من وظائف الدماغ الإدراكية.

3. قلة النوم واضطراباته

النوم غير الكافي أو المتقطع يؤدي إلى تدهور في أداء الدماغ، ما يُسبب النسيان، والسهو، وصعوبة تثبيت المعلومات الجديدة.

4. نقص التغذية

يُعد نقص الفيتامينات والمعادن الأساسية، خاصة فيتامين B12، الحديد، وأوميغا-3، من الأسباب المهمة لاضطرابات التركيز.

5. أمراض عصبية تنكسية

قد يكون السهو أحد الأعراض المبكرة لأمراض عصبية مزمنة مثل مرض الزهايمر، أو التصلب المتعدد، أو الخرف، حيث تتأثر الذاكرة قصيرة الأمد والوظائف التنفيذية تدريجيًا.

6. الضغوط الحياتية والإجهاد الذهني

الضغوط النفسية الحادة أو المستمرة تُنهك الجهاز العصبي وتؤدي إلى اضطراب في القدرات العقلية والتنظيمية.

الأعراض والعلامات الإكلينيكية

تختلف أعراض مرض السهو بحسب شدته وسببه، ومن أبرز العلامات التي تظهر على المريض:

• نسيان مستمر ومتكرر للمواعيد أو المهام اليومية.

• صعوبة في متابعة الحوارات أو التركيز على التفاصيل.

• شرود ذهني أثناء القيادة أو أداء الأعمال.

• تكرار طرح الأسئلة ذاتها في وقت قصير.

• النسيان المتكرر للأسماء أو الأماكن.

• التردد في اتخاذ القرارات حتى البسيطة منها.

• الشعور الدائم بالتشوش أو ضبابية التفكير.

قد تُصاحب هذه الأعراض علامات إضافية مثل الأرق، والصداع، والتوتر العضلي، والعزلة الاجتماعية، مما يعزز من حدة الحالة.

الفرق بين السهو العادي ومرض السهو

أنواع السهو

يصنّف مرض السهو إلى أنواع مختلفة بحسب نمط الأعراض أو مسبباتها، منها:

• السهو الذهني: شرود فكري متكرر، غالبًا ما يرتبط بالقلق أو الاكتئاب.

• السهو الحسي: ضعف في استقبال أو معالجة المعلومات الحسية.

• السهو الإدراكي: خلل في الانتباه أو تثبيت المعلومات الجديدة.

• السهو التنفيذي: عدم القدرة على التخطيط أو اتخاذ القرارات نتيجة ضعف في الوظائف التنفيذية للدماغ.

طرق التشخيص

يعتمد تشخيص مرض السهو على مجموعة من الفحوصات الطبية والنفسية، تتضمن:

• المقابلة السريرية النفسية: لتقييم السلوك، والذاكرة، والتركيز.

• اختبارات الأداء العصبي: مثل اختبار ستروب أو اختبارات الانتباه المستمر.

• تصوير الدماغ: كالرنين المغناطيسي (MRI) أو التصوير المقطعي (CT) لاستبعاد الأمراض العضوية.

• تحاليل الدم: لتقييم نقص الفيتامينات أو اضطرابات الغدة الدرقية.

التدخلات العلاجية

تعتمد استراتيجيات العلاج على السبب الجذري لمرض السهو، وتتضمن:

1. العلاج النفسي

من خلال العلاج المعرفي السلوكي (CBT) الذي يساعد في تحسين آليات التركيز والتحكم في القلق والتوتر.

2. العلاج الدوائي

قد يُستخدم في حالات الاكتئاب أو القلق المزمن أدوية مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، أو منشطات الجهاز العصبي مثل الميثيلفينيديت في حال وجود تشخيص باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.

3. التغذية العلاجية

تعويض نقص العناصر الغذائية الحيوية مثل فيتامين B12، أوميغا-3، والزنك يساهم في تحسين الأداء العقلي.

4. تحسين نمط الحياة

يشمل النوم المنتظم، والابتعاد عن مصادر التوتر، والممارسة المنتظمة للرياضة، والتمارين الذهنية.

5. العلاج السلوكي المعرفي

يفيد في تقوية التركيز والتدريب على تنظيم الوقت والمهام اليومية، خصوصًا في الحالات غير المرتبطة بأمراض عصبية عضوية.

التمارين الذهنية ودورها في العلاج

أثبتت الدراسات الحديثة أن التمارين العقلية المنتظمة تساهم في تقوية الذاكرة والتركيز، مثل:

• الألغاز والكلمات المتقاطعة.

• ألعاب التفكير مثل الشطرنج.

• تعلم لغات جديدة.

• القراءة المنتظمة وتحليل النصوص.

• تدريبات اليقظة الذهنية (Mindfulness).

التأثيرات الاجتماعية والمهنية

يؤثر مرض السهو بشكل كبير على حياة الفرد المهنية والاجتماعية، حيث يؤدي إلى ضعف الأداء في العمل، وتراجع التحصيل الدراسي، وزيادة نسبة الحوادث، وتدهور العلاقات الاجتماعية. كما يشعر المريض بالخجل أو الإحباط بسبب تكرار النسيان، ما يضاعف من التوتر ويزيد من الأعراض.

الوقاية والممارسات الوقائية

من أهم النصائح الوقائية التي تقلل من احتمالية تطور مرض السهو:

• تنظيم النوم بمعدل لا يقل عن 7-8 ساعات يوميًا.

• تجنب الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية ومشتتات التركيز.

• تناول وجبات غذائية متوازنة تحتوي على مضادات الأكسدة والفيتامينات.

• التفاعل الاجتماعي النشط لتقوية الذاكرة.

• تقليل التوتر عبر تمارين التنفس أو التأمل.

• المداومة على النشاط البدني لتحفيز إفراز الإندورفينات.

الختام

مرض السهو ليس مجرد عرض عابر، بل قد يكون مؤشرًا على وجود اضطراب نفسي أو عصبي يحتاج إلى تدخل متكامل بين الطب النفسي وطب الأعصاب والتغذية. التشخيص المبكر والتعامل الجاد مع الأعراض يساهم في تحسين جودة الحياة والوقاية من المضاعفات المرتبطة بهذا المرض. ومن خلال تعزيز الوعي المجتمعي حول هذه المشكلة، يمكن تحقيق نتائج علاجية أكثر فاعلية وشمولًا.

المصادر والمراجع:

1. American Psychological Association (APA). Cognitive Disorders.

2. National Institute of Mental Health. Attention and Concentration Disorders.

3. Mayo Clinic. Memory Loss: When to Seek Help.

4. Harvard Health Publishing. Foods linked to better brainpower.

5. DSM-5: Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fifth Edition.

6. World Health Organization – Mental Health and Neurological Disorders.

7. WebMD – Causes and Symptoms of Forgetfulness and Focus Issues.