مرض الزهري: نظرة شاملة على الأعراض والأسباب والعلاج

مرض الزهري (Syphilis) هو واحد من الأمراض المعدية التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، ويتميز بكونه مرضًا بكتيريا مزمن يمكن أن يؤثر على أجزاء متعددة من الجسم إذا لم يتم تشخيصه وعلاجه في الوقت المناسب. يعد الزهري من أقدم الأمراض المنقولة جنسيًا التي تم تسجيلها في التاريخ الطبي، وما يزال يشكل تحديًا صحيًا عالميًا بسبب تنوع أعراضه وصعوبة اكتشافه في مراحله المبكرة.

تعريف مرض الزهري

مرض الزهري هو عدوى بكتيرية تسببها بكتيريا تسمى Treponema pallidum. تنتقل العدوى عادةً من خلال الاتصال الجنسي المباشر مع شخص مصاب، وقد تصيب أي شخص يمارس الجنس دون استخدام وسائل الحماية. لا يقتصر انتقال المرض على الجنس فقط، بل يمكن أن ينتقل من الأم الحامل إلى الجنين عبر المشيمة، مما يسبب ما يعرف بالزهري الخلقي، وهو شكل خطير يؤثر على صحة الطفل.

مراحل مرض الزهري

يمر مرض الزهري بعدة مراحل متتابعة، وتختلف الأعراض وطبيعة المرض في كل مرحلة عن الأخرى. يمكن تقسيم المرض إلى أربع مراحل رئيسية:

1. المرحلة الابتدائية (الزهري الأولي)

تبدأ هذه المرحلة بعد فترة حضانة تتراوح بين 10 إلى 90 يومًا من التعرض للبكتيريا. يظهر في هذه المرحلة قرحة أو قرح صغيرة غير مؤلمة في موقع دخول البكتيريا، غالبًا في الأعضاء التناسلية أو الفم أو الشرج. هذه القرح تكون عادةً غير مؤلمة وتشفى تلقائيًا خلال 3 إلى 6 أسابيع حتى بدون علاج، ما قد يخدع المصاب ويظن أن المرض انتهى، بينما البكتيريا تستمر في الانتشار في الجسم.

2. المرحلة الثانوية (الزهري الثانوي)

تحدث هذه المرحلة بعد أسابيع إلى أشهر من اختفاء القرحة الأولية. تتميز بأعراض أكثر شمولاً تشمل:

• طفح جلدي غالبًا ما يكون على راحة اليد وأخمص القدم، لكنه قد يظهر على أجزاء مختلفة من الجسم.

• بقع صغيرة أو نتوءات على الجلد أو الأغشية المخاطية.

• حمى وصداع وتورم الغدد الليمفاوية.

• آلام عضلية وشعور عام بالإرهاق.

• تساقط الشعر بطريقة غير منتظمة.

• التهابات في الحلق وأعراض تشبه الإنفلونزا.

تستمر هذه الأعراض لعدة أسابيع، وقد تختفي أيضًا تلقائيًا، لكن المرض لا يزول بدون علاج.

3. المرحلة الكمون (الزهرى الكامن)

في هذه المرحلة، لا تظهر أعراض واضحة على المريض، ولكن البكتيريا تبقى نشطة في الجسم وتنتشر داخليًا. يمكن أن تستمر هذه المرحلة لسنوات طويلة، ويظل المصاب ناقلاً للعدوى في بعض الأحيان، خاصة خلال السنة الأولى من المرحلة الكمون.

4. المرحلة المتأخرة (الزهري الثالثي أو المتأخر)

تظهر هذه المرحلة بعد عدة سنوات من الإصابة الأولية في حال عدم تلقي العلاج المناسب. تؤثر العدوى على عدة أعضاء وأنسجة في الجسم، مثل:

• القلب: تسبب التهابات تؤدي إلى مشاكل في الأوعية الدموية والشرايين.

• الجهاز العصبي: قد تصاب خلايا الدماغ والأعصاب بما يعرف بالزهري العصبي، مما يؤدي إلى تغيرات عقلية، ضعف في الحركة، وشلل.

• العظام والمفاصل: يمكن أن تحدث التهابات مزمنة تؤدي إلى تشوهات أو آلام مزمنة.

• الجلد: ظهور أورام متقدمة تسمى “غومات”، وهي عبارة عن تكتلات نسيجية تتلف الأنسجة المحيطة بها.

الزهري الثالثي قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تهدد حياة المصاب إذا لم يتم علاجه.

أسباب مرض الزهري

ينتج مرض الزهري عن الإصابة ببكتيريا Treponema pallidum التي تدخل الجسم عادة من خلال تماس الجلد أو الأغشية المخاطية مع القرح المفتوحة أو الإفرازات من الشخص المصاب. كما يمكن أن ينتقل عبر الدم أثناء نقل الدم إذا لم يتم فحص المتبرع بدقة، ولكن هذا أقل شيوعًا في الوقت الحالي بفضل التقدم الطبي.

تنتقل العدوى بشكل رئيسي عن طريق:

• الاتصال الجنسي غير المحمي (الجنس المهبلي، الفموي، الشرجي).

• من الأم إلى الجنين أثناء الحمل.

• استخدام أدوات ملوثة في الحالات النادرة.

أعراض مرض الزهري

تعتمد أعراض مرض الزهري على المرحلة التي وصل إليها المرض، وتتنوع من أعراض موضعية إلى عامة تشمل أجزاء مختلفة من الجسم. قد تكون الأعراض غير واضحة أو تشبه أمراضًا أخرى، مما يصعب اكتشاف المرض مبكرًا.

الأعراض الأولية

• قرحة واحدة أو عدة قروح صغيرة غير مؤلمة في موقع الإصابة.

• تورم الغدد الليمفاوية القريبة من مكان القرحة.

الأعراض الثانوية

• طفح جلدي غير حاكٍ.

• حمى وصداع وإرهاق عام.

• تساقط الشعر.

• آلام عضلية ومفصلية.

• تقرحات في الفم أو الحلق.

• تورم الغدد الليمفاوية.

أعراض المرحلة المتأخرة

• ضعف الذاكرة والتغيرات العقلية.

• شلل أو اضطرابات في الحركة.

• مشاكل في القلب والأوعية الدموية.

• أورام أو تكتلات جلدية عميقة.

• مشاكل في العظام والمفاصل.

تشخيص مرض الزهري

يتم التشخيص اعتمادًا على الفحص السريري والفحوصات المخبرية. يطلب الطبيب عادةً تحليل دم للكشف عن الأجسام المضادة التي ينتجها الجسم لمواجهة بكتيريا الزهري. من أهم الفحوصات:

• اختبار VDRL (Venereal Disease Research Laboratory).

• اختبار RPR (Rapid Plasma Reagin).

• اختبارات تأكيدية مثل FTA-ABS (Fluorescent Treponemal Antibody Absorption).

في بعض الحالات، قد يحتاج الطبيب لأخذ عينة من القرحة للفحص المجهري أو إجراء فحوصات خاصة للسائل النخاعي إذا كان هناك اشتباه بالزهري العصبي.

علاج مرض الزهري

العلاج الأساسي لمرض الزهري هو المضادات الحيوية، ويعتبر البنسلين العلاج الأكثر فعالية حتى الآن، خاصة في المراحل المبكرة. يعتمد نوع ومدة العلاج على مرحلة المرض:

• في المرحلة الأولية والثانوية، يتم إعطاء جرعة واحدة من البنسلين حقنًا في العضلة.

• في المرحلة الكمون أو المتأخرة، قد يحتاج المريض لعدة حقن عبر فترة زمنية طويلة.

• في حالات الزهري العصبي، يتطلب العلاج دخول المستشفى واستخدام جرعات عالية من البنسلين عبر الوريد.

في حالات الحساسية للبنسلين، يمكن استخدام أدوية أخرى مثل الدوكسيسيكلين أو التتراسايكلين، لكن البنسلين يظل الخيار الأول.

يجب متابعة المرضى بعد العلاج بفحوصات دورية للتأكد من استجابة الجسم للعلاج وعدم عودة العدوى.

مضاعفات مرض الزهري

عند عدم علاج مرض الزهري، قد تتطور المضاعفات لتشمل:

• تلف دائم في الجهاز العصبي المركزي، قد يؤدي إلى خرف أو شلل.

• أمراض القلب والأوعية الدموية مثل التهاب الشريان الأورطي.

• تلف الأعضاء الحيوية مثل الكبد والكلى.

• الزهري الخلقي الذي يسبب مشاكل خطيرة عند الأطفال المولودين من أمهات مصابات.

• زيادة خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز).

الوقاية من مرض الزهري

الوقاية هي الوسيلة الأهم للحد من انتشار المرض، وتشمل:

• استخدام وسائل الحماية مثل الواقي الذكري في جميع أشكال الاتصال الجنسي.

• فحص دوري للأشخاص المعرضين للخطر، خاصة المصابين بأمراض منقولة جنسيًا.

• تجنب تعدد الشركاء الجنسيين أو العلاقات غير الآمنة.

• فحص الحوامل وعلاج المصابات لمنع انتقال العدوى إلى الجنين.

الخلاصة

مرض الزهري مرض بكتيري خطير ينتقل أساسًا عبر الاتصال الجنسي، وله مراحل متعددة تبدأ بقرحة موضعية بسيطة وتنتهي بمضاعفات خطيرة تهدد صحة حياة المصاب. التشخيص المبكر والعلاج السريع بالمضادات الحيوية، خاصة البنسلين، هما الركيزتان الأساسيتان للسيطرة على المرض ومنع تطوره. الوعي والوقاية من خلال تبني سلوكيات جنسية آمنة والفحوصات الدورية تلعب دورًا حاسمًا في الحد من انتشار الزهري وحماية الصحة العامة.

المراجع:

1. منظمة الصحة العالمية (WHO) – معلومات عن مرض الزهري

2. موقع Mayo Clinic – Syphilis overview and treatment