مرض البري بري: الأسباب والعلاج

مرض البري بري: الأسباب، الأنواع، الأعراض، التشخيص، العلاج، الوقاية وتأثيراته الصحية طويلة الأمد

يُعتبر مرض البري بري من الأمراض الناتجة عن نقص حاد في أحد أهم الفيتامينات الضرورية للجسم وهو فيتامين B1، المعروف بالثيامين. ورغم أنه مرض قديم، إلا أنه لا يزال يشكل خطرًا في بعض المجتمعات، خاصةً تلك التي تعتمد في غذائها على الأرز الأبيض منزوع القشرة أو تفتقر إلى تنوع غذائي كافٍ. يرتبط هذا المرض بتأثيرات مدمّرة على الجهاز العصبي والجهاز القلبي الوعائي، وقد يؤدي إلى مضاعفات شديدة في حال لم يتم التدخل العلاجي المبكر. تتنوع أشكال البري بري بحسب العضو المستهدف، كما تتفاوت أعراضه بين الطفيفة والمهددة للحياة.

تعريف مرض البري بري

البري بري هو اضطراب غذائي ينجم عن النقص المزمن أو الحاد في الثيامين (فيتامين B1)، الذي يُعد عنصرًا أساسياً في عمليات إنتاج الطاقة داخل خلايا الجسم. يتسبب هذا النقص في عجز الجسم عن تحويل الكربوهيدرات إلى طاقة، مما يؤدي إلى تراكم حمض البيروفيك وحمض اللبنيك، اللذان يؤثران بشكل سلبي على العضلات والأعصاب والقلب.

فيتامين B1 (الثيامين): الدور الحيوي في الجسم

الثيامين هو أحد فيتامينات المجموعة B القابلة للذوبان في الماء، ويُشارك في التفاعلات الأنزيمية الأساسية لإنتاج الطاقة من الكربوهيدرات، كما يلعب دورًا هامًا في وظيفة الأعصاب والعضلات والقلب والدماغ. لا يُخزَّن الثيامين بكميات كبيرة في الجسم، مما يجعل النقص الغذائي أو الامتصاصي له سريعًا في إحداث أعراض واضحة.

الأسباب والعوامل المساهمة في الإصابة بالبري بري

يمكن تلخيص الأسباب والعوامل المرتبطة بحدوث مرض البري بري في النقاط التالية:

1. سوء التغذية: الاعتماد على وجبات فقيرة بالثيامين، خصوصاً الأرز الأبيض المقشور أو الأغذية المصنعة.

2. الإدمان على الكحول: حيث يعوق الكحول امتصاص الثيامين من الجهاز الهضمي ويزيد من فقدانه في البول.

3. الحمل والرضاعة: الحاجات المرتفعة للثيامين في هذه المراحل قد تؤدي إلى النقص السريع.

4. الأمراض المزمنة: مثل الفشل الكلوي، أمراض الكبد، الإيدز.

5. العمليات الجراحية في الجهاز الهضمي: مثل استئصال جزء من الأمعاء الدقيقة.

6. استخدام بعض الأدوية: مثل مدرات البول، أو العوامل المضادة للثيامين الموجودة في بعض الأعشاب أو الأغذية النيئة مثل السمك النيء.

أنواع مرض البري بري

يصنَّف مرض البري بري إلى نوعين رئيسيين بحسب الأعراض والأعضاء المتأثرة:

1. البري بري الجاف (Dry Beriberi)

يرتبط بشكل أساسي بالجهاز العصبي، ويحدث غالبًا بسبب نقص مزمن في الثيامين. الأعراض تشمل:

• تنميل ووخز في الأطراف

• ضعف عضلي تدريجي يبدأ من الساقين

• فقدان التوازن وصعوبة المشي

• ضمور العضلات

• ردود فعل عصبية بطيئة

• تشوش ذهني أو اكتئاب

2. البري بري الرطب (Wet Beriberi)

يؤثر على القلب والأوعية الدموية، ويحدث بسبب النقص الحاد للثيامين، مما يؤدي إلى:

• خفقان القلب السريع

• انخفاض ضغط الدم

• تورم في الأطراف السفلية

• صعوبة في التنفس

• احتقان الرئتين

• قصور في القلب قد يصل إلى الوفاة في الحالات المتقدمة

3. متلازمة كورساكوف ومتلازمة فيرنيك

تُعد شكلاً متقدماً وخطيراً من البري بري يحدث نتيجة النقص الحاد في الثيامين لدى مدمني الكحول، وتشمل أعراضًا عصبية ونفسية مثل فقدان الذاكرة وفقدان التنسيق الحركي وتشوش الإدراك.

الأعراض العامة لمرض البري بري

مراحل تطور مرض البري بري

يتطور البري بري على مراحل، تبدأ بأعراض غير محددة مثل الضعف والتعب، ثم تتقدم إلى:

1. مرحلة النقص تحت السريري: لا تظهر فيها أعراض واضحة، لكن الجسم يعاني من نقص في مستويات الثيامين.

2. مرحلة الأعراض الأولية: تبدأ بالأعراض العصبية أو القلبية الطفيفة.

3. المرحلة المتقدمة: تظهر مضاعفات مهددة للحياة مثل فشل القلب أو الخلل العصبي الدائم.

تشخيص مرض البري بري

يعتمد التشخيص على الفحص السريري، التاريخ الغذائي، بالإضافة إلى فحوصات مختبرية تشمل:

• قياس مستوى الثيامين في الدم أو البول

• قياس نشاط إنزيم ترانس كيتولاز في كريات الدم الحمراء

• تخطيط القلب الكهربائي (ECG)

• التصوير بالرنين المغناطيسي في الحالات العصبية المتقدمة

علاج مرض البري بري

يعتمد العلاج على تعويض الثيامين بسرعة إلى جانب الدعم الغذائي العام. يشمل البروتوكول العلاجي:

1. إعطاء الثيامين:

   • عن طريق الفم في الحالات الخفيفة.

   • عن طريق الحقن العضلي أو الوريدي في الحالات المتقدمة أو العصبية.

2. تعديل النظام الغذائي:

   • إدخال مصادر غنية بالثيامين مثل اللحوم، البقوليات، الحبوب الكاملة، المكسرات.

3. علاج الأعراض المرافقة:

   • استخدام أدوية لتحسين وظيفة القلب.

   • إعادة تأهيل عصبي أو علاج فيزيائي لتحسين القوة العضلية.

الوقاية من مرض البري بري

تُعد الوقاية من البري بري ممكنة وسهلة نسبياً من خلال الخطوات التالية:

• تناول نظام غذائي متوازن يحتوي على مصادر طبيعية للثيامين.

• تجنب الإفراط في تناول الكحول.

• الابتعاد عن الأنظمة الغذائية الفقيرة بالمغذيات أو الأحادية (مثل الاعتماد فقط على الأرز الأبيض).

• إعطاء مكملات فيتامين B1 للفئات المعرضة للخطر مثل الحوامل، المرضعات، كبار السن، ومدمني الكحول.

• تحصين الأغذية مثل طحين القمح أو الأرز بالثيامين في الدول التي تعاني من نقص غذائي.

الجدول التالي يوضح بعض أهم الأطعمة الغنية بفيتامين B1 (الثيامين):

الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالبري بري

• الرضع الذين يرضعون من أمهات تعاني من نقص الثيامين

• كبار السن ممن يتناولون غذاءً محدود التنوع

• الأشخاص الذين يتبعون أنظمة حمية شديدة أو صارمة

• مرضى الكحولية المزمنة

• المرضى الذين يعانون من سوء الامتصاص المعوي

• المرضى الذين يتناولون مدرات البول لفترات طويلة

المضاعفات طويلة الأمد للبري بري

في حال عدم علاج المرض في مراحله المبكرة، يمكن أن يؤدي إلى:

• تلف دائم في الأعصاب الطرفية

• اعتلال دماغي دائم

• فشل القلب الحاد

• فقدان الذاكرة الطويل الأمد (متلازمة كورساكوف)

• العجز الجسدي المرتبط بالشلل العضلي

أهمية التوعية والبرامج الوقائية

تساهم التوعية الصحية في المجتمعات الفقيرة أو التي تعتمد على نظام غذائي غير متوازن في خفض نسبة الإصابة بالبري بري. كما أن تشجيع الصناعات الغذائية على تحصين منتجاتها بالثيامين يُعد من الخطوات الفعالة لمواجهة هذا المرض في بُعده المجتمعي.

الخلاصة

يمثل مرض البري بري نموذجًا كلاسيكيًا لمخاطر النقص الغذائي في المجتمعات التي تعاني من الفقر أو سوء التغذية المزمن. وعلى الرغم من بساطة أسبابه ووضوح سبل الوقاية منه، إلا أن إهماله قد يقود إلى مضاعفات قاتلة. ولذا، فإن إدراك الأفراد والمؤسسات الطبية والصحية لخطورة هذا النقص وأهمية معالجته مبكرًا يعتبر حجر الزاوية في التصدي لهذا المرض.

المراجع:

1. World Health Organization. Thiamine Deficiency and its Prevention and Control in Major Emergencies. Geneva: WHO, 1999.

2. National Institutes of Health (NIH) – Office of Dietary Supplements. Thiamin Fact Sheet for Health Professionals.