مراحل تكوّن الجنين بالتفصيل

متى يتكون الجنين؟

تعد عملية تكوّن الجنين من أروع وأعقد العمليات البيولوجية التي تحدث في الطبيعة. تتراوح مراحل تكوّن الجنين بين العديد من المراحل الدقيقة، التي تبدأ من لحظة الإخصاب وتستمر عبر مراحل متعددة حتى الوصول إلى مرحلة الولادة. وبالرغم من أن معظم الناس يدركون أن الجنين يتكون في رحم الأم بعد حدوث الحمل، إلا أن عملية التكوين نفسها معقدة للغاية وتتضمن مجموعة من التفاعلات الكيميائية والفيزيائية التي تساهم في تشكيل الكائن الحي. في هذا المقال، سنغطي كافة مراحل تكوّن الجنين بدءًا من الإخصاب، مرورًا بالنمو والتطور، وصولًا إلى المرحلة النهائية قبل الولادة.

1. الإخصاب: بداية تكوّن الجنين

يبدأ تكوّن الجنين من اللحظة التي يحدث فيها الإخصاب. يحدث الإخصاب عندما يلتقي الحيوان المنوي الذكري بالبويضة الأنثوية في قناة فالوب. ويحتوي كل من الحيوان المنوي والبويضة على نصف عدد الكروموسومات اللازمة لتكوين الكائن الحي. بعد أن يتم إخصاب البويضة، يصبح الكائن الجديد، الذي يسمى الزيغوت، خليطًا من المادة الوراثية للأب والأم.

في هذه المرحلة، تكون الزيغوت في البداية خلية واحدة تحتوي على كامل المادة الوراثية اللازمة لتكوين جنين كامل. وتبدأ الخلية في الانقسام سريعًا لتشكيل خلايا جديدة مع مرور الوقت، ويحدث ذلك في عملية تُسمى “الانقسام الفتيلي” أو “الانقسام الميوزي”.

2. التكوين المبكر والتخصيب

بعد مرور حوالي 24 إلى 30 ساعة من الإخصاب، تبدأ البويضة المخصبة في الانقسام إلى خليتين، ثم إلى أربع خلايا، ثم إلى مزيد من الانقسامات السريعة لتشكيل ما يعرف بـ “الكرة الذاهبة” أو “التوتة” التي تضم مجموعة من الخلايا المترابطة معًا. مع مرور الوقت، هذه التكتلات الخلوية تبدأ في التمايز، حيث تنقسم الخلايا إلى أنواع مختلفة كل واحدة منها تختص بوظيفة معينة في بناء أعضاء وأجزاء الجسم المستقبلية.

تستمر الكرة الذاهبة في الانقسام والتطور لتتحول إلى مرحلة تعرف بـ “الجنين المبكر”، وهي مرحلة يتشكل فيها كل الأنسجة الأساسية التي ستتحول إلى الأعضاء الحيوية مثل القلب، الدماغ، والعضلات.

3. مرحلة التكوّن الخلوي: التمايز والتطور المبكر

في هذه المرحلة المبكرة من التكوين، يبدأ التمايز الخلوي في أن يصبح أكثر وضوحًا. تتجه الخلايا إلى التخصص في وظائف محددة، ويبدأ الجنين في تشكيل الطبقات الجنينية. هذه الطبقات هي:

• الطبقة الخارجية (الأديم الظاهر): التي ستؤدي إلى تكوين الجلد والجهاز العصبي.

• الطبقة الوسطى (الأديم المتوسط): التي ستشكل العضلات والعظام والأوعية الدموية.

• الطبقة الداخلية (الأديم الباطن): التي ستؤدي إلى تكوين الأعضاء الداخلية مثل الأمعاء والمعدة.

تستمر هذه العملية من التمايز طوال الأسابيع الأولى من الحمل، وفي نهايتها، تتشكل الأنسجة الأولية التي ستتطور إلى أعضاء الجسم.

4. تكون الأعضاء: الأعضاء الحيوية تبدأ بالتشكل

في الأسبوع الخامس من الحمل، يبدأ الجنين في التطور بشكل كبير. تبدأ بعض الأعضاء في الظهور مثل القلب، الذي يبدأ في النبض في هذا الوقت تقريبًا. في هذا الوقت أيضًا، يتشكل الدماغ والنخاع الشوكي، مما يشير إلى بدء تكوّن الجهاز العصبي.

تتكون أجهزة أخرى في هذه المرحلة مثل الكبد والكلى. وفي الأسبوع السادس، يمكن للأطباء باستخدام الفحوصات الطبية مثل الأشعة فوق الصوتية (السونار) اكتشاف نبضات القلب والجنين الصغير في الرحم.

5. مرحلة الأعضاء الداخلية والهيكل العظمي: النمو الملحوظ

مع مرور الأسابيع التالية، تبدأ الأعضاء في النمو بشكل أسرع وتكتمل بعض الهياكل الحيوية مثل القلب، الجهاز العصبي، والجهاز التنفسي. في الأسبوع الثامن، يبدأ هيكل الجنين العظمي في التكوين، ويظهر في صور الأشعة السينية. ومع استمرار النمو، تتطور أعضاء مثل الأمعاء والمعدة بشكل أكبر، وتبدأ الأطراف في التشكّل، مثل اليدين والقدمين.

بحلول الأسبوع التاسع، يكون الجنين قد مر بالكثير من التغيرات الحيوية، ويبدأ حجم الرأس في التقلص مقارنةً بالجسم الذي يستمر في النمو. الأعضاء الداخلية تواصل تطورها، وتبدأ بعض الأجزاء الصغيرة مثل الأذنين والعينين في التشكّل.

6. مرحلة ما بعد 12 أسبوعًا: استقرار الأعضاء

بعد مرور ثلاثة أشهر من الحمل، يكون الجنين قد اكتمل في معظم أعضائه الداخلية، ويتم تثبيت الهيكل العظمي. مع بداية الشهر الرابع، تبدأ حركة الجنين في الرحم وتصبح أكثر وضوحًا، على الرغم من أن الأم قد لا تشعر بها بعد. تتطور الحواس بشكل متزايد، وتبدأ الأذنان في العمل بشكل جزئي، حيث يمكن للجنين سماع الأصوات الخافتة في الرحم.

الجنين يصبح أكثر نشاطًا خلال هذه المرحلة، ويبدأ في تحريك يديه وقدميه بشكل أكبر. كما تنمو الأظافر والشعر في هذه الفترة، مما يضيف بعض التفاصيل الجمالية إلى تكوين الجنين.

7. النمو المستمر في الأشهر الأخيرة

مع اقتراب نهاية الحمل، تنمو الأعضاء بشكل كامل ويبدأ الجنين في اكتساب الوزن بسرعة. في الشهر السابع، تبدأ الرئتان في النضوج، وهو أمر بالغ الأهمية استعدادًا للولادة. في هذه المرحلة، يكون الجنين قادرًا على التنفس بشكل جزئي داخل الرحم، ولكن لن يكتمل النمو التام حتى اللحظة التي يولد فيها.

في الأشهر الأخيرة، يكون الجنين في مرحلة “النمو السريع”، حيث يصبح وزنه وحجمه أكبر، وتستمر الأنسجة في النمو حتى تكتمل في الأشهر الأخيرة من الحمل. تكون تحركات الجنين أكثر تميزًا، حيث تشعر الأم بحركاته بوضوح.

8. الولادة: اكتمال التطور

في الأسابيع الأخيرة من الحمل، يصبح الجنين جاهزًا للولادة. جميع الأعضاء قد اكتملت وأصبحت قادرة على أداء وظائفها الأساسية. مع بدء عملية الولادة، يتحرك الجنين من مكانه في الرحم ليتم وضعه في القناة الولادية استعدادًا للولادة الطبيعية.

خلاصة

تتكون عملية تكوّن الجنين من عدة مراحل معقدة تبدأ من الإخصاب في قناة فالوب وتستمر حتى الولادة. يشهد الجنين خلال هذه المراحل تحولات كبيرة تتضمن التمايز الخلوي، تكوين الأعضاء الحيوية، وتطور الهياكل العظمية والأعضاء الداخلية. تعتبر هذه العملية من أروع مظاهر الحياة البشرية، وتستمر عبر فترة حمل تستغرق تسعة أشهر حتى اكتمال نمو الجنين وتكونه ككائن حي مكتمل جاهز للولادة.