مراحل تحلية مياه البحر

مراحل معالجة مياه البحر:

تعتبر مياه البحر من الموارد الهامة التي تزداد الحاجة إليها مع مرور الوقت، نظراً للأزمات المتزايدة في مصادر المياه العذبة في العديد من أنحاء العالم. ولذلك، تعد معالجة مياه البحر جزءاً أساسياً من استراتيجيات الحفاظ على المياه واستخدامها في شتى المجالات، بدءاً من الشرب وصولاً إلى الاستخدامات الصناعية والزراعية. في هذا المقال، سنعرض بشكل مفصل مراحل معالجة مياه البحر، التي تتضمن عمليات معقدة وتكنولوجيا متطورة تهدف إلى تحويل المياه المالحة إلى مياه عذبة صالحة للاستهلاك البشري.

1. سحب المياه من البحر

أول خطوة في عملية معالجة مياه البحر هي سحب المياه من المحيط أو البحر. يتم هذا باستخدام مضخات ضخمة تعمل على سحب المياه من مناطق محددة، غالباً بالقرب من السواحل أو المنشآت البحرية المخصصة لهذه الغاية. وتتم هذه العملية بحذر شديد لتجنب إدخال كميات كبيرة من الرمال أو الأجسام البحرية التي قد تؤثر على عمليات المعالجة لاحقًا.

تعتبر جودة المياه في هذه المرحلة مهمة جداً، حيث يمكن أن تحتوي مياه البحر على مواد عضوية ومواد ملوثة أخرى قد تؤثر سلبًا على عملية المعالجة. لذلك، يتم وضع إجراءات وقائية لفلترة هذه المياه خلال مرحلة السحب، بحيث لا تدخل المواد غير المرغوب فيها إلى النظام المعقد لمعالجة المياه.

2. الترشيح الأولي (المعالجة المبدئية)

بعد سحب المياه من البحر، تأتي مرحلة الترشيح الأولي. هذه المرحلة تشمل تمرير المياه عبر فلاتر ضخمة أو مصافي شبكية لفصل الأجسام الكبيرة مثل الأعشاب البحرية، الحطام، والرواسب التي قد تكون عائمة في المياه. تعد هذه الفلاتر أساسية لضمان التخلص من الشوائب الكبيرة التي قد تضر ببقية المعدات والأنظمة المستخدمة في المراحل اللاحقة من المعالجة.

عادةً ما يتم استخدام فلاتر مصنوعة من مواد مثل الشبك الفولاذي أو الفلاتر الرملية، ويتم تنظيفها بانتظام للحفاظ على أدائها الفعّال.

3. إزالة المواد العضوية والكائنات الدقيقة

تتضمن هذه المرحلة معاملة المياه باستخدام تقنيات متنوعة لإزالة المواد العضوية والملوثات الأخرى. تختلف هذه العمليات حسب نوع الملوثات ومستوى تلوث المياه. وتشمل طرق إزالة المواد العضوية والكائنات الدقيقة:

• المعالجة الكيميائية: تستخدم المواد الكيميائية مثل الكلور أو الأوزون لقتل البكتيريا والفيروسات التي قد تكون موجودة في المياه. كما تعمل بعض المواد الكيميائية على تكسير المواد العضوية التي قد تكون عالقة في المياه.

• المعالجة بالأشعة فوق البنفسجية (UV): هي طريقة أخرى لقتل الكائنات الدقيقة الضارة في المياه. في هذه التقنية، يتم استخدام الأشعة فوق البنفسجية لتعقيم المياه وقتل الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والفيروسات دون الحاجة لاستخدام مواد كيميائية.

• التخثر والترسيب: تستخدم بعض المحطات عملية التخثر لإزالة الجسيمات العالقة في المياه. في هذه العملية، يتم إضافة مواد كيميائية تساعد في تجميع الجسيمات الصغيرة وجعلها تتكتل معًا لتصبح ثقيلة وتترسب في قاع الخزانات.

4. التحلية (إزالة الأملاح)

من أبرز وأهم المراحل في معالجة مياه البحر هي إزالة الأملاح التي تحتوي عليها المياه، إذ إن المياه المالحة لا يمكن استخدامها للشرب أو الزراعة دون إزالة الأملاح. يتم ذلك من خلال عملية التحلية التي تُستخدم بشكل رئيسي عبر تقنيتين هما:

• التناضح العكسي (Reverse Osmosis): هذه التقنية تعتمد على استخدام غشاء شبه نافذ يسمح بمرور الماء النقي فقط ويمنع مرور الأملاح والشوائب. يتم الضغط على المياه المالحة عبر هذا الغشاء باستخدام مضخات عالية الضغط، مما يؤدي إلى انفصال الأملاح عن الماء العذب.

• التقطير: تعتبر عملية التقطير من أقدم الطرق المستخدمة لتحلية المياه. تعتمد هذه التقنية على تسخين المياه المالحة حتى تتحول إلى بخار، ثم يتم تكثيف هذا البخار ليتحول إلى ماء عذب خالي من الأملاح.

يعتبر التناضح العكسي الأكثر استخدامًا في محطات تحلية المياه الحديثة، حيث يتميز بكفاءته العالية في إزالة الأملاح.

5. التوازن المعدني والمعالجة الكيميائية الإضافية

بعد إزالة الأملاح، لا تكون المياه المحلاة دائمًا صالحة للاستهلاك البشري مباشرة. فقد تفتقر المياه إلى المعادن الأساسية التي يحتاجها جسم الإنسان، مثل الكالسيوم والمغنيسيوم. لذلك، يتم إضافة المعادن الأساسية إلى المياه من خلال عملية تسمى “المعالجة الكيميائية الإضافية” أو “التعديل المعدني”.

خلال هذه المرحلة، تتم إضافة مواد معدنية معينة إلى المياه مثل الكالسيوم أو البيكربونات لإعادة توازن الماء وجعلها قريبة من تركيب المياه العذبة الطبيعية. هذه الخطوة ضرورية لضمان جودة المياه وملاءمتها للاستهلاك البشري.

6. التعقيم النهائي

رغم أن المياه قد تم تطهيرها في المراحل السابقة من المعالجة، إلا أنه لا يمكن الاعتماد على هذه المراحل فقط لضمان السلامة الصحية للمياه. في هذه المرحلة الأخيرة من المعالجة، يتم تعقيم المياه باستخدام طرق مختلفة لضمان القضاء التام على أي كائنات دقيقة قد تكون موجودة في المياه.

طرق التعقيم تشمل:

• إضافة الكلور: يعد الكلور من أكثر المواد الكيميائية استخدامًا في تعقيم المياه. يتم إضافته إلى المياه في الجرعات المناسبة للقضاء على أي بكتيريا أو فيروسات قد تكون موجودة.

• الأشعة فوق البنفسجية (UV): هذه الطريقة لا تقتصر فقط على تعقيم المياه في مرحلة سابقة، بل يتم استخدامها مرة أخرى في هذه المرحلة لتوفير تعقيم إضافي.

• الأوزون: يُستخدم الأوزون أيضًا كوسيلة فعالة لتعقيم المياه. يمتاز الأوزون بقدرته الكبيرة على قتل الكائنات الحية الدقيقة دون ترك أي بقايا كيميائية ضارة.

7. التخزين والنقل

بعد اكتمال جميع مراحل المعالجة والتعقيم، تُخزن المياه في خزانات مخصصة قبل نقلها إلى شبكة توزيع المياه. يتم التأكد من أن المياه لا تتعرض لأي تلوث إضافي أثناء النقل أو التخزين، حيث يتم استخدام أنابيب مقاومة للتآكل ويتم مراقبة جودة المياه بانتظام.

8. مراقبة الجودة والتقييم المستمر

تُعتبر المراقبة المستمرة لجودة المياه أمرًا أساسيًا في أي عملية تحلية ومعالجة مياه البحر. يتم فحص المياه بشكل دوري من حيث محتوى الأملاح، المعادن، المواد الكيميائية، والميكروبات لضمان سلامتها وملاءمتها للاستهلاك.

خاتمة:

إن معالجة مياه البحر هي عملية متكاملة ومعقدة تتطلب استخدام تقنيات متطورة لضمان توفير مياه عذبة ونقية يمكن استخدامها في الحياة اليومية. تمثل هذه العملية خطوة هامة نحو الاستدامة في استخدام موارد المياه، خاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه العذبة.