أول من نطق بالشعر

أول من نطق بالشعر

الشعر هو أحد أقدم وأسمى أشكال التعبير الأدبي في تاريخ الإنسانية، وهو لغةٌ تهتف بها النفس البشرية للحديث عن المشاعر والأفكار والعواطف. ومنذ الأزل، ارتبط الشعر بالإنسانية كوسيلة للتعبير عن الفكر والجمال والحكمة، واعتُبر من أرقى الفنون الأدبية وأكثرها تأثيرًا. لكن من هو أول من نطق بالشعر؟ وهل كان هذا النطق مجرد تفاعل عابر مع اللغة أم كان انعكاسًا لواقع اجتماعي وثقافي يتسم بالغنى والعمق؟ للإجابة على هذه الأسئلة، يجب العودة إلى أقدم العصور التاريخية وتحليل تطور الشعر في حضارات ما قبل التاريخ.

الشعر في العصور ما قبل التاريخ

في العصور القديمة، لم يكن للشعر الذي نعرفه اليوم أي شكل ثابت أو قاعدة لغوية معينة، بل كان يشمل تفاعلات لغوية ورمزية اعتمدت على الصوت والموسيقى في تنسيق الكلمات. اعتُبرت هذه الكلمات الموسيقية أكثر من مجرد لغة تواصل، فقد كانت حاملة لرموز معنوية عميقة، وكان لها دور كبير في طقوس المجتمع وأدوات تواصل الإنسان مع الطبيعة والآلهة.

لقد كانت أولى تجليات الشعر هي المحاكاة الطبيعية لأصوات البيئة، مثل أصوات الرياح، المياه، الحيوانات، وسمفونية الكون. قد تكون هذه الأصوات هي النواة الأولى لتطور الشعر، حيث كانت تسهم في خلق نوع من التناغم بين الإنسان والعالم المحيط به.

الشعر في الثقافة السومرية

أحد أقدم أشكال الشعر الذي وصلنا هو الشعر السومري، الذي نشأ في بلاد ما بين النهرين. يمكننا القول إن السومريين هم من أسسوا لبناء الشعر المكتوب. كانت قصائدهم، مثل “ملحمة جلجامش”، تتضمن الكثير من الأساطير والشخصيات التي تركت بصماتها في الأدب العالمي. أما نطق الشعر وتوظيفه في تلك الحقبة، فقد كان يحمل جانبًا احتفاليًا ودينيًا في جوهره، حيث كان يتم تلاوة الأناشيد والأغاني في المعابد والطقوس الدينية.

تُعد “ملحمة جلجامش” واحدة من أقدم الأعمال الأدبية التي نُظمت على شكل شعر، والتي سجلت في شكل لوحات طينية مع رموز مميزة. تمثل هذه الملحمة، التي يعود تاريخها إلى حوالي 2000 قبل الميلاد، محاكاة لرحلة الإنسان بحثًا عن الخلود. كانت هذه القصائد أولى التعبيرات الأدبية التي نطقت بالشعر بشكل يجمع بين الأسطورة، الملاحم، والسرد الفلسفي.

الشعر في الحضارات العربية القديمة

أما في شبه الجزيرة العربية، فقد كان الشعر جزءًا لا يتجزأ من حياة العرب قبل الإسلام. كان الشعر لدى العرب يُستخدم كوسيلة للتفاخر، والمدح، والهجاء، والتاريخ، وكان يتم تناقله شفهيًا بين الأجيال. ارتبطت بداية الشعر العربي بالشعراء الجاهليين الذين عاشوا في القرن السادس الميلادي، وكانوا يعدون شعرهم جزءًا أساسيًا من حياتهم اليومية.

ورغم أن الشعر العربي قد تطور بشكل ملحوظ في فترة ما بعد الجاهلية، إلا أن الجذور العميقة للشعر العربي يمكن إرجاعها إلى ما قبل ذلك بكثير. يقال إن أول من نطق بالشعر كان الشاعر العربي “امرؤ القيس”، الذي يعد من أشهر شعراء العصر الجاهلي. وُلد في جزيرة العرب في فترة ما قبل الإسلام، وُصِف بأنه شاعر مفوّه له قدرة هائلة على صياغة الأبيات الشعرية، وتميز شعره بالصور الشعرية الرقيقة والمجازات المبدعة التي أدخلت الفكرة الإنسانية في لغة الشعر.

ورغم أن “امرؤ القيس” يُعد من أشهر