مد الصلة في سورة مريم

أمثلة على مد الصلة في سورة مريم

تُعدُّ سورة مريم من السور المكية التي تتسم بجمال الأسلوب، وبلاغة التعبير، وعذوبة الإيقاع، وتضم بين آياتها العديد من الظواهر الصوتية واللغوية التي تُثري التلاوة وتُعمّق الفهم. من أبرز هذه الظواهر: مد الصلة، وهو نوع خاص من المدود يتعلق بالضمير المتصل “الهاء” إذا وقع بين حرفين متحركين. وفي هذا المقال، نستعرض بالتفصيل مفهوم مد الصلة، أنواعه، شروطه، وأمثلة واقعية مأخوذة من سورة مريم، مع تحليل بلاغي وصوتي يُظهر الأثر الجمالي لهذا المد في التلاوة القرآنية.

تعريف مد الصلة

مد الصلة هو إطالة الصوت عند لفظ هاء الضمير المفرد الغائب، المضمومة أو المكسورة، الواقعة بين حرفين متحركين، فيُمد الحرف بحرف مد مناسب لحركته، ويُسمّى:

• مد الصلة الصغرى: إذا لم يقع بعد هاء الضمير همز.

• مد الصلة الكبرى: إذا وقع بعد هاء الضمير همز.

شروط مد الصلة

1. أن تكون الهاء ضميرًا غائبًا مفردًا، متصلًا بكلمة.

2. أن تكون الهاء متحركة (مضمومة أو مكسورة).

3. أن تقع بين متحركين (أي لا يكون الحرف السابق أو اللاحق ساكنًا).

4. ألا تكون الهاء جزءًا من أصل الكلمة، وإنما ضميرًا.

5. في حالة المد الصلة الكبرى، يجب أن يلي الهاء همز.

أهمية مد الصلة في التلاوة

• يُسهم في الحفاظ على المعنى.

• يمنع التباس الضمائر.

• يُضفي جمالًا صوتيًّا وتوازنًا إيقاعيًّا.

• يعكس دقة الرسم العثماني في ضبط النطق والمعنى.

أمثلة على مد الصلة في سورة مريم

فيما يلي، نعرض أمثلة واضحة لمد الصلة من سورة مريم، مع بيان نوع المد، وموضعه في الآية، وتأثيره الصوتي:

1. قوله تعالى:

﴿إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾

• موضع المد: “رَبَّهُ نِدَاءً”

• نوع المد: صلة صغرى

• التحليل: الهاء في “ربه” ضمير مضاف إلى زكريا عليه السلام، وهي مضمومة وتقع بين متحركين، ولم يعقبها همز، لذا تُمد بمقدار حركتين بصوت واو.

2. قوله تعالى:

﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾

• موضع المد: “قَوْمِهِ مِنَ”

• نوع المد: صلة صغرى

• التحليل: الهاء في “قومه” مكسورة، بعدها “من” (متحرك)، والسابقة متحركة أيضًا، فتُمد الهاء بياء مدية مقدارها حركتان.

3. قوله تعالى:

﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا﴾

• موضع المد: “لَهُ مِن”

• نوع المد: صلة صغرى

• التحليل: الهاء مضمومة بين متحركين ولم يعقبها همز، فتُمد بوصل واو مدية.

4. قوله تعالى:

﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾

• موضع المد: “يَرِثُنِي وَيَرِثُ”

• التحليل: لا توجد هاء ضمير هنا، لكن تُذكر لتوضيح الفرق بين ضمائر الغائب المتصلة وغير المتصلة.

5. قوله تعالى:

﴿فَلَمَّا قَضَىٰ أَمْرًا قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾

• موضع المد: “رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ”

• التحليل: “هو” ضمير غائب منفصل، لا تُمد بصيغة مد الصلة لأنها ليست متصلة بكلمة سابقة، ولكن لها وقع مشابه في الإيقاع.

6. قوله تعالى:

﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾

• موضع المد: “بِهِ قَوْمَهَا” و”تَحْمِلُهُ”

• نوع المد: صلة صغرى

• التحليل: “به” و”تحمله” كلتاهما تحتويان على هاء ضمير مضمومة واقعة بين متحركين، فتُمد حركتين مع واو مدية.

7. قوله تعالى:

﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا﴾

• موضع المد: “إِلَيْهِ قَالُوا”

• نوع المد: صلة صغرى

• التحليل: الهاء في “إليه” مضمومة، تليها “قالوا”، وكلتا الحركتين متحركتان، فتمد الهاء حركتين.

الجدول التوضيحي لمد الصلة في سورة مريم

التفسير البلاغي والجمالي

يُعد مد الصلة من الظواهر الصوتية التي تمنح التلاوة بعدًا بلاغيًا وجماليًا، فمن جهة:

• يحافظ على وضوح الضمائر، فلا تختلط “به” مع “بِهْ” مثلًا.

• يزيد من وضوح التراكيب اللغوية، خصوصًا في السياقات التي تتعدد فيها الضمائر، كما في قصة زكريا ومريم.

• يُسهم في جمال الإيقاع العام للسورة، ويُحافظ على توازنها الصوتي.

عند تأمل التلاوة المجودة لسورة مريم، يتبين كيف أن مد الصلة يُضفي طابعًا موسيقيًا يُحافظ على إيقاع الآيات رغم تنوع أوزانها، مما يجعل السورة أقرب إلى الترتيل الموقّع الذي يسهل حفظه واستيعابه.

أثر مد الصلة على المعنى والدلالة

في السياق القرآني، تتجلى أهمية مد الصلة من حيث المعنى أيضًا، فمثلاً:

• في قول الله تعالى: ﴿رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾، تمييز الضمير هنا يمنع اللبس في معرفة من الذي نادى ومن المقصود بـ”ربه”.

• وفي ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾، يُوضّح الضمير “به” بجلاء أن المقصود هو الطفل الذي تحمله، وهو عيسى عليه السلام.

ختام تحليلي

تمثل ظاهرة مد الصلة أحد أركان الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم، وتُجسّد العناية الربانية في حفظ اللفظ والمعنى، وتوحيد القراءة على النحو الذي نُقل به عن النبي ﷺ. وتُظهر سورة مريم عبر هذا المد مقدارًا عاليًا من التنسيق الصوتي والدلالي، لا سيما أن السورة تتناول موضوعات دقيقة ذات طابع عاطفي وإنساني عميق، مثل البشارة، الولادة، الدعاء، والخشوع، مما يجعل للوقفات الصوتية ــ ومنها مد الصلة ــ أثرًا في إيصال المعنى الكامل والتأثير الوجداني على المستمع والقارئ.

المصادر:

• ابن الجزري، “النشر في القراءات العشر”، دار الكتب العلمية.

• عبد الفتاح القاضي، “البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة”، دار المعارف.