مدرسة الأميش: فهم نظام التعليم غير الرسمي في مجتمع الأميش

تعتبر “مدرسة الأميش” من أهم الكتيبات التي تسلط الضوء على النظام التعليمي غير التقليدي الذي يتبعه مجتمع الأميش، والذي يختلف بشكل كبير عن نظم التعليم الحديثة المعتمدة في العالم الغربي. تأليف سارة إي. فيشر ورايتشل ك. ستال، هذا الكتيب، الذي نشرته دار “غود بوكس” في يناير 1986، يمثل دراسة قيمة لأسلوب حياة الأميش وأهدافهم التعليمية، مما يساهم في فهم أعمق لأسباب إدارة الأميش لمدارسهم بشكل مستقل ورفضهم لنظم التعليم الحكومية أو غيرها.

نظرة عامة على تعليم الأميش

تتمثل أهمية هذا الكتيب في تقديم شرح شامل عن سبب اختيار الأميش إدارة مدارسهم الخاصة، وهو قرار ينبع من رغبتهم في حماية قيمهم الدينية والثقافية. يرفض الأميش تعليم الدولة الرسمي لأسباب عدة، أبرزها أن التعليم الحكومي يتعارض مع مبادئهم الروحية والحياتية التي تقوم على التواضع، البساطة، والتعاون المجتمعي. هم يؤمنون بأن التعليم الرسمي قد يزرع في نفوس الأطفال الرغبة في الاستقلالية أو الطموحات الفردية التي تتنافى مع قيمهم المجتمعية.

الأميش، الذين يعيشون غالباً في مجتمعات ريفية منعزلة، يحرصون على توفير بيئة تعليمية تنسجم مع احتياجاتهم الحياتية اليومية. ولذلك، تعتمد المدارس الأميشية على التعليم العملي والتركيز على المهارات الأساسية التي يحتاجها الأطفال في حياتهم اليومية مثل الزراعة، النجارة، والتدبير المنزلي.

اختيار المعلمين

فيما يتعلق باختيار المعلمين، تقدم سارة إي. فيشر ورايتشل ك. ستال نظرة مفصلة حول المعايير التي يعتمدها الأميش في هذا الشأن. تُختار المعلمات غالباً من داخل المجتمع الأميشي نفسه، وهن في الغالب شابات في أوائل العشرينات، لم يكملن سوى التعليم الابتدائي. لا يتطلب اختيار المعلمين في مدارس الأميش مؤهلات تعليمية عالية أو شهادات متخصصة كما هو الحال في المدارس الحكومية. يعتمد التعيين أكثر على القيم الأخلاقية والقدرة على التواصل الجيد مع الطلاب وتعليمهم المبادئ الدينية والقيم المجتمعية.

المنهج الدراسي والتقييم

يتناول الكتاب أيضاً موضوع المنهج الدراسي الذي تتبعه مدارس الأميش. تعتمد المناهج الدراسية في الغالب على تعليم مهارات القراءة والكتابة والحساب، مع اهتمام خاص بتعليم القيم الدينية والمبادئ الأخلاقية. كما أن التدريس غالباً ما يتم بلغتين: الألمانية البنسلفانية والإنجليزية. على الرغم من التركيز على المهارات الأساسية، إلا أن هناك اهتماماً كبيراً بتعزيز المهارات العملية التي تساعد الطلاب على الاندماج في الحياة اليومية للمجتمع الأميشي.

التقييم في هذه المدارس ليس بالصرامة التي نجدها في المدارس الرسمية. بدلاً من ذلك، يتم تشجيع الطلاب على تحسين أدائهم بطرق تعزز التعاون والتواضع. لا يوجد تركيز كبير على المنافسة الفردية أو التميز الأكاديمي، بل يُقدر الجهد والمثابرة في التعلم.

الأعياد والمكتبات

يناقش الكتيب كذلك العطلات المدرسية والمكتبات في مدارس الأميش. تعتمد هذه المدارس جدولاً زمنياً مختلفاً عن المدارس العامة، حيث تكون الإجازات مرتبطة بالأحداث الزراعية والاحتياجات المجتمعية، مثل موسم الحصاد. المكتبات في مدارس الأميش ليست مجهزة كما هو الحال في المدارس الأخرى، وتتركز الكتب في الغالب حول النصوص الدينية والتاريخية التي تنسجم مع قيم الأميش.

يوم دراسي نموذجي

يعرض الكتيب وصفاً ليوم دراسي عادي في مدرسة الأميش. يبدأ اليوم الدراسي مبكراً، وغالباً ما يتضمن فترات للصلاة والتأمل قبل الشروع في الدروس. الطلاب يتعلمون في بيئة بسيطة؛ حيث يتوفر الحد الأدنى من الوسائل التكنولوجية الحديثة. الفصول الدراسية تحتوي على مزيج من الطلاب من مختلف الأعمار، وهو ما يعزز التعاون بين الطلاب الأكبر سناً والأصغر.

التعليم غير الرسمي وتأثيره

تعتبر هذه الدراسة بمثابة نافذة على عالم التعليم غير الرسمي الذي ينتهجه الأميش. فهم يفضلون أن يكون التعليم وسيلة لتعزيز القيم الدينية والاجتماعية بدلاً من كونه وسيلة لتحقيق الازدهار المادي أو التقدم المهني. يسعى الأميش من خلال هذا النظام التعليمي إلى الحفاظ على نمط حياتهم المتواضع وتقليل تأثيرات العالم الخارجي عليهم.

بفضل هذا الكتيب، يمكن للقارئ أن يفهم بشكل أعمق كيف أن مدارس الأميش تعكس الفلسفة الحياتية لهذا المجتمع الذي يسعى جاهداً للحفاظ على هويته الثقافية والدينية وسط عالم سريع التغير. النظام التعليمي لديهم هو جزء لا يتجزأ من حفاظهم على تقاليدهم العريقة، وهو ما يجعل تجربة الأميش التعليمية فريدة من نوعها.

الخاتمة

إن كتيب “مدرسة الأميش” يتيح فهماً دقيقاً ومفصلاً لأسلوب حياة الأميش وتعليمهم الذي يهدف إلى حماية خصوصيتهم الثقافية. من خلال تحليل الجوانب المختلفة للمدارس الأميشية مثل اختيار المعلمين، المناهج، وتقييم الطلاب، يمكن للقارئ أن يلمس أهمية التعليم غير الرسمي في الحفاظ على الهوية الدينية والاجتماعية لهذا المجتمع. هذا النظام التعليمي الذي يدور حول المبادئ الروحية والقيم المجتمعية يقدم نموذجاً تعليمياً فريداً، ويظهر أهمية التعليم في تشكيل هوية المجتمعات.