عدد ساعات الصيام في السويد: تحديات وواقع رمضان في الدول الإسكندنافية
يعتبر شهر رمضان من أهم الشهور في حياة المسلمين حول العالم، حيث يشهد تزايداً ملحوظاً في العبادة والطاعات، بالإضافة إلى تواصل الأسرة والمجتمع. من أبرز مظاهر هذا الشهر الفضيل هو الصيام، الذي يمتد من الفجر حتى غروب الشمس. ومع ذلك، تختلف ساعات الصيام بشكل كبير من بلد إلى آخر، خاصة في الدول التي تقع بالقرب من الدائرة القطبية الشمالية، مثل السويد.
في هذه الدول، يواجه المسلمون تحدياً كبيراً يتعلق بطول ساعات الصيام، حيث أن الشمس لا تغرب في بعض الفترات من السنة، ما يجعل الصيام يمتد لساعات طويلة جداً. وعلى الرغم من أن هناك بعض التسهيلات التي قد توفرها الحكومات أو الهيئات الدينية، فإن الوضع يظل يمثل تحدياً فريداً من نوعه للمسلمين في تلك المنطقة.
1. السويد: الجغرافيا وتأثيرها على ساعات الصيام
السويد هي إحدى الدول الإسكندنافية التي تقع في شمال أوروبا، وهي تتسم بتضاريس متنوعة تشمل الغابات والجبال والمياه، مع مدن ساحلية تقع على البحر. ونظراً لموقعها الجغرافي، فإن السويد تشهد فصولاً طويلة من النهار في الصيف وفترات طويلة من الليل في الشتاء. في فصل الصيف، لا تغرب الشمس في بعض المناطق الشمالية من البلاد، وهو ما يُسمى بـ “الشمس المشرقة الدائمة” أو “الشمس التي لا تغيب”.
في المدن الواقعة أقصى الشمال مثل “كيرونا” و”جونا” يشهد المسلمون ليالي لا تنقض فيها الظلمة، حيث تستمر الشمس في السماء طوال الليل. بينما في المناطق الجنوبية مثل “ستوكهولم” و”غوتنبرغ”، قد تكون ساعات الليل أطول ولكنها ما زالت غير كافية للمسلمين للتوقف عن تناول الطعام والشراب قبل الفجر.
2. التحديات المرتبطة بالصيام في السويد
تتمثل أكبر تحديات الصيام في السويد في طول ساعات الصيام، حيث يمكن أن تتراوح بين 18 إلى 21 ساعة في بعض السنوات، خاصة في فترة الصيف. ويزيد هذا التحدي في المناطق الشمالية من البلاد التي تشهد الشمس طوال الليل، مما يؤدي إلى صيام يستمر لأيام متواصلة بدون ظلام ليلاً.
على سبيل المثال، في مدينة “ستوكهولم”، قد تصل ساعات الصيام في منتصف الصيف إلى حوالي 18 ساعة، وهو ما يعني أن المسلم يجب أن يتوقف عن الأكل والشرب منذ الفجر وحتى غروب الشمس. في حين أن هذا قد لا يبدو طويلاً مقارنة ببعض الدول التي تشهد صياماً لمدة 12 إلى 14 ساعة، فإن طول ساعات الصيام في السويد يشكل تحدياً كبيراً نظراً للظروف البيئية.
3. التكيف مع ساعات الصيام الطويلة
لحسن الحظ، يجد المسلمون في السويد طرقاً للتكيف مع هذه التحديات. على الرغم من طول ساعات الصيام، إلا أن العديد من الجاليات المسلمة في السويد تتبع بعض الاستراتيجيات التي تساعدهم على إتمام صيامهم بأقل قدر من المعاناة.
3.1 التنظيم الغذائي
يولي المسلمون في السويد أهمية كبيرة لما يتناولونه في السحور والإفطار. فالسحور يصبح وجبة أساسية، حيث يحرص الصائمون على تناول طعام يحتوي على كميات كبيرة من السوائل والبروتينات والكربوهيدرات المعقدة التي تمدهم بالطاقة وتساعد على تحمل ساعات الصيام الطويلة.
أما الإفطار، فيكون بداية الراحة بعد يوم طويل من الصيام، ويشمل عادةً التمر والماء، بالإضافة إلى وجبات تقليدية مثل الحساء واللحوم والأرز، مما يعزز قدرة الصائمين على استعادة نشاطهم بعد يوم طويل.
3.2 التركيز على الروحانية والعبادات
إلى جانب التكيف البدني مع ساعات الصيام الطويلة، يركز المسلمون في السويد على تعزيز الجانب الروحي لشهر رمضان. بما أن رمضان هو وقت للعبادة والتقرب إلى الله، فإن العديد من المسلمين يحرصون على أداء الصلاة في وقتها، وقراءة القرآن، والمشاركة في الأنشطة الدينية، سواء كانت في المساجد أو في المنازل.
في السويد، يُنظم العديد من الأنشطة الجماعية للمجتمع المسلم، بما في ذلك الإفطارات الجماعية والدروس الدينية، حيث توفر المساجد بيئة مريحة للمسلمين لعيش تجربة رمضانية مع مجتمعهم.
3.3 التواصل مع الجاليات المسلمة حول العالم
في ظل هذه التحديات، يتواصل المسلمون في السويد مع الجاليات المسلمة في مناطق أخرى من العالم للحصول على الدعم الروحي والمشورة حول كيفية التعامل مع ساعات الصيام الطويلة. بعضهم يستعين بالإفتاء الديني الذي يجيز لهم إما اتباع توقيت الصلاة في مدن أخرى، أو اعتماد أوقات غروب الشمس من المدن القريبة التي تقع في مناطق أقل تحدياً من ناحية طول النهار.
4. التسهيلات الحكومية والدينية
تحاول بعض الجهات الحكومية والدينية في السويد تقديم تسهيلات للمسلمين خلال شهر رمضان. فقد يتم تعديل مواعيد العمل في بعض القطاعات، كما يتم توفير وجبات الإفطار للمحتاجين والفقراء من خلال الجمعيات الخيرية.
كما توجد بعض المقترحات التي تدعو إلى تقديم استشارات دينية حول كيفية التعامل مع ساعات الصيام الطويلة، حيث تتم مناقشة المسائل الفقهية المتعلقة بالصيام في المناطق التي لا تغرب فيها الشمس لفترات طويلة.
5. التأثير الاجتماعي والاقتصادي على المسلمين في السويد
لا تقتصر تحديات رمضان على الجانب الديني فحسب، بل يمتد تأثيرها إلى الجانب الاجتماعي والاقتصادي. في السويد، حيث العمل غالباً يتطلب ساعات طويلة من العمل والالتزام، قد يعاني المسلمون من صعوبة في المواءمة بين العمل والصيام. وفي بعض الأحيان، قد يجد البعض صعوبة في الحفاظ على إنتاجيتهم خلال ساعات الصيام الطويلة، مما يتطلب منهم المزيد من التنظيم والتحضير.
5.1 التضامن المجتمعي
العديد من الجاليات المسلمة في السويد تظهر مستوى عالياً من التضامن خلال شهر رمضان. حيث تقوم العديد من المنظمات والجمعيات الإسلامية بتقديم الدعم لأفراد المجتمع عبر المساعدات الغذائية والمشاركة في الأنشطة الجماعية، بما في ذلك توزيع الوجبات على الفقراء والأيتام.
5.2 الاحتفال بعيد الفطر
يعتبر عيد الفطر مناسبة احتفالية كبيرة للمسلمين في السويد، حيث يشهد اليوم الأخير من رمضان طقوساً دينية واجتماعية مميزة، تبدأ بصلاة العيد التي تجمع المسلمين في المساجد والساحات. يُعد هذا اليوم فرصة لتجديد العلاقات الاجتماعية، والتأكيد على وحدة المسلمين رغم التحديات الكبيرة التي تواجههم.
6. الختام
يمثل الصيام في السويد تجربة فريدة من نوعها، حيث يواجه المسلمون تحديات جغرافية وطبيعية تجعل من شهر رمضان تجربة روحانية وجسدية تتطلب التكيف. ورغم أن ساعات الصيام قد تكون طويلة، إلا أن الجاليات المسلمة في السويد تتمتع بالقدرة على التكيف مع هذه الظروف، والتضامن مع المجتمع المحلي، مما يعكس قدرة المسلمين على الحفاظ على شعائر دينهم في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك في الظروف الأكثر تحدياً.
