تعريف علم الغيب وأبعاده في الإسلام
علم الغيب من المفاهيم الأساسية في الدين الإسلامي، وهو يتعلق بكل ما لا يستطيع الإنسان إدراكه أو معرفته بشكل مباشر عبر حواسه أو عبر الوسائل المادية المتاحة له. يتناول هذا العلم ما وراء الظواهر المادية التي تدور في الكون، ويشمل كل ما يختص بالمستقبل، وما يحدث في السماوات، بالإضافة إلى معرفة ما في القلوب. إنه علم يختص به الله سبحانه وتعالى، وتقتصر معرفته على عالم الغيب الذي لا يشاركه فيه أحد من خلقه، إلا من أذن له الله بالكشف عن شيء منه.
من خلال هذا المقال، سنحاول تسليط الضوء على مفهوم علم الغيب في الإسلام، وكيفية تأثيره على العقيدة الإسلامية، وأبعاد هذا العلم في حياة المسلمين، مع الإشارة إلى بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي تتناول هذه القضية.
تعريف علم الغيب في الإسلام
علم الغيب في اللغة العربية يشير إلى كل ما هو خارج عن نطاق الإدراك البشري. فهو يتعلق بالأمور التي لا يستطيع الإنسان معرفتها عبر الحواس الخمسة، أو العقل، أو أي وسيلة مادية أخرى. فالغيب في مجمله يتضمن كل شيء لا يعلمه البشر إلا إذا أذن الله لهم بمعرفته.
في القرآن الكريم، جاء تعريف علم الغيب على أنه من الأمور التي تقتصر على الله عز وجل. قال تعالى في سورة “الجن”:
“قُل لَا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ” [النمل: 65].
وذلك يعني أن علم الغيب هو من صفات الله التي لا يمكن للبشر الوصول إليها من تلقاء أنفسهم.
علاقة علم الغيب بعقيدة التوحيد
إن الإيمان بعلم الغيب يتماشى مع عقيدة التوحيد في الإسلام، حيث أن الله تعالى هو الوحيد الذي يعلم ما خفي وما ظهر، وما كان وما سيكون. يشمل علم الغيب كل ما هو خارج عن الحواس البشرية، مثل معرفة المستقبل، معرفة حال الناس في الآخرة، معرفة موعد القيامة، وغير ذلك من القضايا التي لا يمكن للإنسان التنبؤ بها.
الإيمان بعلم الغيب يعزز من الإيمان بوحدانية الله، ويجعل المسلم يدرك أنه ليس هناك من شيء يمكن أن يحدث في الكون دون علم الله به. بل إن علم الله يسبق وقوع أي شيء، وهو محيط بكل تفاصيل الحياة.
الغيب في القرآن الكريم
القرآن الكريم يذكر علم الغيب في العديد من الآيات التي تبين بوضوح أن علم الغيب لا يعلمه إلا الله. من هذه الآيات:
-
الآية الأولى: في سورة “الآل عمران”، قال الله تعالى:
“إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [لقمان: 34].
هذه الآية تظهر بوضوح أن الله وحده هو الذي يعلم وقت قيام الساعة، ويعلم متى سينزل المطر، وماذا سيحدث غدًا. -
الآية الثانية: في سورة “الجن”، كما ذكرنا سابقًا:
“قُل لَا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ” [النمل: 65].
هذه الآية تبين صراحة أن العلم بالغيب مختص بالله وحده. -
الآية الثالثة: في سورة “الأنعام”:
“قُل لَا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ” [الأنعام: 59].
وهي أيضًا تأكيد على أن الغيب لا يعلمه إلا الله، وهذا يستدعي توجيه المسلم إلى اليقين في قدرة الله.
علم الغيب والأنبياء
على الرغم من أن علم الغيب يختص بالله عز وجل، إلا أن الله قد منح بعضًا من أنبيائه علمًا بالغيب، ولكن هذا العلم لا يخرج عن حدود ما علمهم الله به. فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، على سبيل المثال، كان على دراية ببعض الأمور التي أخبره بها الوحي، ولكن لم يكن يعلم الغيب بنفسه. الله سبحانه وتعالى أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأشياء من علم الغيب من خلال الوحي.
وقد ورد في الحديث الشريف ما يوضح ذلك، ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم:
“مَا أَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَحْتَسِبُهُ”.
هذا الحديث يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، ولا يمكنه التنبؤ بما سيحدث في المستقبل.
أنواع علم الغيب
يتنوع علم الغيب في الإسلام إلى عدة أنواع، حيث يشتمل على العديد من الأمور التي تختلف في طبيعتها. من أبرز هذه الأنواع:
-
الغيب المرتبط بالآخرة:
ويشمل كل ما يتعلق بما سيحدث بعد الموت، مثل القيامة، والجنة، والنار، والعذاب، والحساب. هذا النوع من الغيب لا يعلمه إلا الله، وهو يتطلب إيمانًا كاملاً من المسلم بما أخبرنا به الله ورسوله من تفاصيل عن الآخرة. -
الغيب المرتبط بالمستقبل:
ويشمل الأحداث المستقبلية التي لا يمكن للبشر التنبؤ بها، مثل متى سيحدث الموت، أو ما الذي سيحدث في المستقبل على مستوى الأمة أو الشخص. مثل هذه الأمور لا يمكن للبشر معرفتها إلا إذا أخبرهم الله بذلك، كما في حالة الوحي. -
الغيب المرتبط بأمور غير مرئية للبشر:
مثل حياة الملائكة، والجن، والروح، والأحداث التي تحدث في السماوات. هذه الأمور التي لا يمكن للإنسان رؤيتها أو إدراكها بالحواس، ويجب الإيمان بها دون التشكيك في صحتها. -
الغيب المرتبط بالقلب:
وهو علم الله بما في قلوب البشر من مشاعر وأفكار، لا يمكن لأحد من البشر أن يطلع عليها إلا الله. وقال تعالى في سورة “آل عمران”:
“وَيَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ” [آل عمران: 154].
علم الغيب ووسائل التنبؤ
في الإسلام، لا يجوز للإنسان أن يحاول البحث عن الغيب أو أن يستعين بوسائل التنبؤ المستقبلية مثل التنجيم، وقراءة الأبراج، والعرافة، والسحر. هذا النوع من الممارسات يتنافى مع الإيمان بأن الله وحده هو عالم الغيب.
وقد جاء في الحديث النبوي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“مَن أَتَى عَارِفًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ”.
هذا الحديث يوضح تحذير الإسلام من اللجوء إلى مثل هذه الوسائل التي تدعي معرفة الغيب.
الخاتمة
علم الغيب في الإسلام هو من خصائص الله وحده، وهو عنصر أساسي في عقيدة التوحيد. يؤمن المسلمون بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم ما كان وما سيكون، ولا يشاركه في ذلك أحد. وعليه، يجب على المسلم أن يكون على يقين تام بأن الغيب لا يمكن إدراكه إلا بواسطة الله، وأن محاولات البشر للبحث عن الغيب عبر الوسائل المحرمة مثل السحر والتنجيم هي محاولات باطلة لا يجوز للمسلمين الانخراط فيها.
