متى يبدأ الطفل بإمساك الأشياء؟
يعتبر تطور حركة اليدين لدى الطفل من المراحل الهامة في نموه الجسدي والعقلي، وهو يشير إلى تطور قدرته على التفاعل مع البيئة المحيطة به. يمثّل إتقان الطفل لإمساك الأشياء خطوة محورية في نموه الحركي، حيث يعكس تفاعله المباشر مع عالمه الخارجي وقدرته على استكشافه بشكل عملي.
يمر الطفل بعدد من المراحل التي تختلف فيها قدرته على إمساك الأشياء، وذلك بناءً على مراحل تطور النمو البدني والذهني. من المعروف أن النمو لا يتبع جدولاً زمنياً ثابتاً، ولكن هناك بعض المعالم العامة التي يمكن أن تساعد الأهل في فهم تطور مهارات الطفل الحركية.
1. المرحلة الأولى: التحكم باليدين (الشهر الأول – الثالث)
في الأشهر الأولى من حياة الطفل، تظل يديه مرفوعتين بشكل غير مدرك، وغالبًا ما تكون حركة اليدين عشوائية وغير منسقة. مع تقدم الطفل في الأشهر الأولى، يبدأ في تحريك يديه بشكل أكثر تكرارًا، لكن ذلك يكون في الغالب بشكل غير هدف محدد. خلال هذه الفترة، لا يستطيع الطفل الإمساك بالأشياء، إلا إذا كانت يداه قد تم مسكها أو تحفيزها بشكل معين.
ومع ذلك، يظهر لدى بعض الأطفال ما يُسمى بـ “منعكس القبضة”، حيث يقوم الطفل بإغلاق قبضته تلقائيًا عندما يلمس شيء ما، وهذه استجابة فطرية لا إرادية. يمكن ملاحظة هذه الحركة في الأسابيع الأولى، ولكنها ليست بداية لإمساك الأشياء عن وعي.
2. المرحلة الثانية: ظهور التنسيق بين اليد والعين (الشهر الرابع – السادس)
بحلول الشهر الرابع أو الخامس، يبدأ الطفل في تحسين قدرته على التنسيق بين يديه وعينيه. تصبح حركات يديه أكثر تنسيقًا، حيث يبدأ في محاولة الوصول إلى الأشياء أمامه. هذه المحاولات تكون غير محكمة وقد يتطلب الأمر تدريبًا للطفل كي يوجه يديه باتجاه هدفه بشكل دقيق.
خلال هذه الفترة، يمكن للطفل الإمساك بالأشياء بشكل غير كامل أو مؤقت. فقد يمسك الطفل يدًا واحدة بشيء ما لفترة قصيرة ثم يتركه. كما يبدأ الطفل في وضع الأشياء في فمه، مما يعتبر جزءًا من استكشافه للعالم من حوله. يتزامن هذا التطور مع زيادة قدرة الطفل على تنسيق حركة العين واليد، مما يساعده في تعزيز قدرته على الإمساك بالأشياء لاحقًا.
3. المرحلة الثالثة: الإمساك الهادف والتنسيق المتقدم (الشهر السابع – العاشر)
في هذه المرحلة، يصبح الطفل قادرًا على إمساك الأشياء بشكل أكثر دقة وهدفية. في الشهر السابع أو الثامن، يستطيع الطفل القبض على الأشياء باستخدام قبضة “اليد الكاملة”، وهو أمر يعكس تنسيقًا أكبر بين اليد والعين. يبدأ الطفل في تكرار هذا الفعل بشكل متكرر، وقد يبدأ في استخدام أصابعه بشكل أكثر دقة.
خلال هذه الفترة، يصبح من الشائع أن يتمكن الطفل من مسك الألعاب والأشياء الصغيرة التي توضع أمامه. وفي بعض الحالات، يبدأ الطفل في استخدام يديه اليسرى أو اليمنى بشكل مائل، مما يدل على تطور التنسيق الحركي. يمكن للأطفال في هذه المرحلة الإمساك بالأشياء لفترة أطول وقد يبدؤون في إزاحة الأشياء أو رميها.
4. المرحلة الرابعة: الإمساك الدقيق واستخدام الأصابع (الشهر العاشر – الثاني عشر)
بين الشهر التاسع والشهر الثاني عشر، يبدأ الطفل في تطوير مهارة الإمساك باستخدام “قبضة الإبهام والسبابة” أو ما يُسمى بـ “القبضة الدقيقة”، وهي القدرة على الإمساك بالأشياء الصغيرة بين الإبهام والسبابة. هذا التطور يعد علامة بارزة في النمو الحركي للطفل، حيث يمكنه الآن مسك الحبوب الصغيرة أو قطع الطعام أو حتى الأقلام الصغيرة.
يعتبر الإمساك الدقيق خطوة مهمة في تطور الطفل، لأنه لا يقتصر فقط على إمساك الأشياء، بل يشمل القدرة على نقل الأشياء من يد إلى أخرى، وبالتالي تحسين التنسيق الحركي. يصبح الطفل الآن قادرًا على التحكم في يديه بشكل أكبر، مما يساعده على أداء العديد من الأنشطة التي تتطلب مهارات حركية دقيقة.
5. المرحلة الخامسة: اكتساب المهارات المتقدمة (ما بعد الشهر الثاني عشر)
عندما يبلغ الطفل سن العام الواحد، تصبح حركاته اليدوية أكثر تعقيدًا وتنظيمًا. يبدأ الطفل في ممارسة الإمساك بالأشياء بشكل أكثر تعقيدًا، مثل فتح وإغلاق الأكواب، تحريك الأشياء عبر الطاولة، بل وحتى بناء أبراج صغيرة من المكعبات. تتطور مهاراته الحركية بشكل كبير، مما يسمح له بالتفاعل بشكل أكثر فعالية مع البيئة المحيطة به.
بحلول عمر 18 شهرًا، يستطيع الطفل إمساك الأشياء بشكل متقن وفعال، ويمكنه أيضًا استخدام يديه في أداء العديد من الأنشطة المتقدمة مثل مسك القلم بشكل صحيح أو حتى تناول الطعام باستخدام الأدوات المساعدة مثل الشوكة أو الملعقة.
6. العوامل المؤثرة في تطور مهارة الإمساك
من المهم أن نفهم أن تطور مهارة الإمساك بالأشياء لا يحدث في فراغ، بل يتأثر بعدد من العوامل التي تشمل:
أ. التطور الجسدي
ينمو الطفل جسديًا بشكل مستمر في الأشهر الأولى من حياته. تبدأ العضلات الدقيقة في اليدين والذراعين في النمو بشكل متزايد، مما يعزز قدرة الطفل على التنسيق بين اليد والعين. كما أن تطور المفاصل والأنسجة في اليدين يساعد الطفل على إمساك الأشياء بشكل أفضل.
ب. التغذية
التغذية السليمة تعتبر أحد العوامل المهمة في نمو الطفل، حيث تساهم العناصر الغذائية مثل البروتينات والكربوهيدرات والدهون في تقوية عضلات الطفل وتحسين أدائه الحركي.
ج. البيئة المحيطة
تلعب البيئة التي يعيش فيها الطفل دورًا كبيرًا في تطور مهاراته الحركية. البيئة الغنية بالمحفزات البصرية واللمسية تساعد الطفل في استكشاف الأشياء وتطوير قدرته على الإمساك بها. كما أن التفاعل مع الأهل والأشخاص المحيطين بالطفل يشجع على النمو الحركي والعقلي.
د. الوراثة
تختلف سرعة تطور المهارات الحركية بين الأطفال، وقد تلعب الوراثة دورًا في تحديد المدى الذي سيتطور فيه الطفل في هذا المجال. بعض الأطفال قد يبدأون في إمساك الأشياء في وقت مبكر مقارنةً بغيرهم، بينما قد يحتاج آخرون إلى وقت أطول.
7. مؤشرات تأخر النمو الحركي
في بعض الحالات، قد يكون هناك تأخر في قدرة الطفل على إمساك الأشياء. يمكن أن يشير هذا إلى مشكلة في تطور المهارات الحركية الدقيقة، وقد يكون من المهم استشارة الطبيب المختص إذا لاحظ الأهل أن الطفل لا يبدأ في إمساك الأشياء بحلول الشهر التاسع أو العاشر. قد يشير ذلك إلى مشاكل في التنسيق الحركي أو ضعف في العضلات الدقيقة.
في حالات نادرة، يمكن أن يكون تأخر الإمساك بالأشياء علامة على اضطرابات في التطور العصبي أو الحركي للطفل، ولذلك من الضروري متابعة نمو الطفل مع الطبيب للتأكد من صحة تطوره.
8. الخلاصة
إن عملية إمساك الطفل بالأشياء هي واحدة من العلامات المبكرة على تطوره الحركي والعقلي. تبدأ هذه القدرة بالتشكل منذ الولادة، وتتحسن مع مرور الوقت من خلال تفاعل الطفل مع محيطه وتطوير قدراته العضلية والدماغية. يعتبر التطور الحركي للطفل عملية معقدة تشمل نمو العضلات، التنسيق بين اليد والعين، وزيادة القدرة على التركيز والوعي بالبيئة المحيطة. يمكن أن يختلف توقيت هذه المرحلة بين الأطفال، لكن العلامات الرئيسية مثل تحسين التنسيق بين اليد والعين واستخدام الأصابع تشير إلى اقتراب الطفل من إتقان هذه المهارة الأساسية في نموه.
