مبروك عطية السيرة والتأثير

مبروك عطية: الداعية والأكاديمي المصري بين المنبر والجامعة

يُعد الدكتور مبروك عطية واحدًا من أبرز الشخصيات الدينية في مصر والعالم العربي، لما يتمتع به من حضور قوي في وسائل الإعلام، وأسلوب فريد في الدعوة، إضافةً إلى خلفيته الأكاديمية المتميزة التي أكسبته مكانة رفيعة في الوسطين الديني والجامعي. يجمع عطية بين ثقافتين: ثقافة التراث الأزهري العريق، وثقافة العصر الحديث بكل تعقيداته وتحدياته، مما جعله يحظى بقبول واسع لدى شريحة كبيرة من الجمهور، بينما يثير في الوقت ذاته جدلاً مستمراً بين المتابعين والنقاد بسبب أسلوبه المباشر والصادم في كثير من الأحيان.

تُعَدُّ دراسة سيرة مبروك عطية وتحليل منهجه الدعوي والأكاديمي أمرًا مهمًا لفهم طبيعة الخطاب الديني المعاصر في العالم العربي، خاصةً في ظل التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية في ما يتعلق بالهوية الدينية، والتجديد، والتفاعل مع معطيات الحداثة.

النشأة والتعليم

وُلد مبروك عطية في محافظة سوهاج بجنوب مصر عام 1958، وسط بيئة ريفية محافظة، أثرت بشكل كبير على تكوينه الفكري والديني. التحق بالأزهر الشريف منذ صغره، وتدرّج في مساراته التعليمية حتى حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية. سافر إلى المملكة العربية السعودية حيث حصل على درجة الدكتوراه من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، مما أتاح له فرصة الاندماج في بيئة علمية ذات طابع دولي، وأكسبه اطلاعاً واسعاً على مختلف المدارس الفقهية والفكرية الإسلامية.

المسار الأكاديمي

يُعتبر عطية من الأكاديميين البارزين في مجاله، حيث شغل منصب عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر في مدينة القاهرة. وقد تميز بمسيرته الأكاديمية المتعمقة في علوم الشريعة واللغة العربية، وأسهم في إعداد العديد من البحوث والرسائل الجامعية. كما شارك في ندوات علمية، وأشرف على أطروحات الماجستير والدكتوراه.

اعتمد عطية في تدريسه على المزج بين العمق الفقهي وبين تبسيط المفاهيم لطلابه، مما جعله محببًا إلى العديد من الدارسين الذين وجدوا في محاضراته مزيجًا من العلم والوضوح. لم يكن عطية منغلقًا على المجال الأكاديمي فقط، بل سعى إلى ربطه بالواقع المجتمعي، إذ يؤمن أن دور العالم لا يكتمل إلا بالاشتباك الإيجابي مع هموم الناس وأسئلتهم اليومية.

الأسلوب الدعوي

يُعد أسلوب مبروك عطية في الدعوة من أكثر الأساليب التي أثارت الانتباه في العقود الأخيرة. فهو يمتاز بالبساطة، والوضوح، واللغة العامية المصرية التي يستخدمها بشكل متقن لإيصال المعلومة الدينية إلى عامة الناس. يرفض التكلف في الخطاب، ويبتعد عن التعقيد اللغوي، معتمدًا على الأمثلة الشعبية والواقعية التي تمس حياة الناس اليومية.

هذا الأسلوب أكسبه جماهيرية كبيرة في مصر والعالم العربي، وخاصة من الطبقة البسيطة التي تبحث عن خطاب ديني واضح ومباشر. غير أن أسلوبه الصريح – وأحيانًا الحاد – أثار الكثير من الجدل، لا سيما عندما يتناول قضايا شائكة أو حين يُعبّر عن آرائه بلهجة صارمة قد تُفهم على أنها تقليل من شأن المخالفين أو تسطيح لبعض المفاهيم المعقدة.

الانتشار الإعلامي

برز عطية في العديد من البرامج التلفزيونية، أهمها برنامجه الشهير “كلمة السر” الذي كان يُبث على قناة MBC مصر، حيث يتلقى الأسئلة من المشاهدين ويجيب عنها بأسلوبه المعروف. كما ظهر ضيفًا دائمًا على عدد من البرامج الأخرى، مما عزز من حضوره الإعلامي.

لقد استطاع عطية من خلال الإعلام أن يتجاوز حدود الجامعة والمسجد، ليصل إلى بيوت الملايين، وهو ما مكنه من التأثير الكبير في الرأي العام، وخصوصًا فيما يتعلق بالقضايا الدينية والاجتماعية مثل الزواج، الطلاق، الحجاب، التوبة، التعامل مع الأبناء، وغيرها من المواضيع الحيوية التي تشغل المجتمعات العربية.

آراؤه المثيرة للجدل

عُرف عن مبروك عطية جرأته في التعبير عن آرائه، حتى وإن كانت مخالفة للمألوف أو للتيار السائد. فقد أثار جدلاً واسعًا حين تحدث عن بعض الفتاوى المتعلقة بالحجاب، والزواج، والعلاقات الأسرية، بل وصل الأمر أحيانًا إلى حدّ الانتقادات الحادة التي واجهها من علماء آخرين أو من الجمهور العام.

من أبرز آرائه التي أثارت الجدل كانت تصريحاته حول وجوب تغطية المرأة لجسدها حمايةً لها من الأذى، حيث قدم الموضوع بمنطق دنيوي يركز على الحماية الشخصية بدلًا من الطاعة لله كسبب أساسي. كذلك، انتقد بعض أساليب الدعاة الآخرين الذين يرون أن خطابهم يفتقر إلى الواقعية ويتعامل مع الناس من برج عاجي.

التفاعل مع الأحداث الاجتماعية

لم يكن عطية داعيةً منعزلاً عن محيطه، بل كثيرًا ما شارك في النقاشات العامة المرتبطة بالقضايا المجتمعية الكبرى مثل الإرهاب، الفقر، الإلحاد، الانتحار، البطالة، والفساد الأخلاقي. وغالبًا ما قدّم وجهة نظره من منطلق ديني عقلاني، يحاول فيه الجمع بين النصوص الشرعية ومتطلبات الواقع.

كما أنه لم يتردد في انتقاد بعض السياسات أو المظاهر الاجتماعية التي يرى أنها تنحرف عن المبادئ الدينية، وإن كان يُراعي في ذلك عدم الاصطدام المباشر مع المؤسسات الرسمية أو السلطات، ملتزمًا بنوع من التوازن الذي يُبقيه مؤثرًا دون أن يفقد شرعيته أمام الجهات التنظيمية.

تعرضه لمحاولة اغتيال

في يونيو 2022، تعرض مبروك عطية لحادث هجوم من شاب بسلاح أبيض أثناء خروجه من الجامعة، وهو حادث صدم الرأي العام المصري والعربي. ورغم إصابته، فقد تعافى بسرعة واستأنف ظهوره الإعلامي، وقد أثار هذا الحادث موجة تضامن كبيرة معه، وأعاد طرح موضوع خطاب الكراهية ضد الدعاة، وخطورة بعض التأويلات الدينية التي قد تفضي إلى العنف.

مواقفه من قضايا المرأة

من أكثر الموضوعات التي يكثر عطية الحديث عنها هي قضايا المرأة، مثل الزواج، الحجاب، الطلاق، والنفقة، وحقوق المرأة في الإسلام. وقد دافع عن المرأة في مواقف عديدة، منتقدًا بعض الأعراف الاجتماعية التي تُقيدها باسم الدين، لكنه في الوقت نفسه، تعرض لانتقادات نسوية حادة بسبب أسلوبه الذي اعتبرته بعض المنظمات تقليليًا أو ذكوريًا في بعض الأحيان.

يرى عطية أن للمرأة في الإسلام مكانة عظيمة، ويجب الحفاظ عليها من الانحلال والتغريب، لكنه لا يتوانى عن استخدام أسلوب صارم في توجيه النصيحة للنساء، مما يُفقده أحيانًا تعاطف بعض الشرائح.

أثره في المجتمع والدعوة

تمكن مبروك عطية من إعادة تعريف صورة الداعية في العصر الحديث، فهو ليس فقط عالمًا في الشريعة، بل أيضًا شخصية إعلامية لها حضور وتأثير. وقد ساعدته شخصيته الجريئة والصدامية أحيانًا في الوصول إلى شرائح واسعة من الناس، خاصة أولئك الذين يعزفون عن متابعة الدروس الدينية التقليدية.

إن حضوره المستمر على المنصات الإعلامية، وإجاباتُه المباشرة على أسئلة الناس، أسهمت في نشر الثقافة الدينية بصورة مبسطة، وفي تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة التي يتناقلها العامة. كما كان له دور كبير في الحد من الغلوّ الديني لدى بعض الفئات، من خلال تأكيده الدائم على الوسطية، والاعتدال، وتقديم الدين على أنه وسيلة لصلاح الدنيا والآخرة لا وسيلة للقهر والتكفير.

إرثه وآثاره المستقبلية

لا شك أن مبروك عطية قد ترك بصمة واضحة في المجالين الدعوي والأكاديمي، وأن تأثيره سيستمر حتى بعد غيابه، سواء من خلال طلابه في الجامعة، أو من خلال آلاف الحلقات المصورة التي انتشرت عبر الفضائيات واليوتيوب. لقد أسّس لنمط مختلف من الخطاب الديني، مزج فيه بين المعرفة الدينية العميقة والقدرة على التواصل الفعّال مع الجمهور المعاصر.

وبالرغم من الانتقادات والجدل الذي يحيط به، فإن حضوره ظل قويًا، وهو ما يدل على أن شريحة كبيرة من الناس ترى في عطية صورةً للداعية الواقعي الذي يتحدث بلغة الحياة اليومية، وليس فقط بلغة الكتب والتراث.

جدول: مقارنة بين منهج مبروك عطية وبعض الدعاة المعاصرين

الخاتمة

يُعد مبروك عطية نموذجًا معاصرًا للداعية الذي استطاع أن يتفاعل مع متغيرات العصر دون أن يتخلى عن أصول العلم الديني، وقد نجح في ملء فراغ كبير في مجال الدعوة الشعبية، بفضل شخصيته الجدلية التي تجمع بين الجرأة والعلم، وبين الدعابة والجد. إن سيرته تُعد مرآةً لما يمكن أن يكون عليه الخطاب الديني في عالم عربي متغير، يفتقر إلى المصداقية والتوازن في كثير من خطاباته الدعوية.

المصادر:

1. موقع جامعة الأزهر – كلية الدراسات الإسلامية والعربية.

2. أرشيف قناة MBC مصر – برنامج كلمة السر.