الحمى: تعريفها، أسبابها، وآلياتها وتأثيرها على الجسم

مقدمة

الحمى حالة شائعة تعبر عن استجابة الجسم لعدة محركات مرضية أو غير مرضية. بالرغم من كونها عرضًا وليس مرضًا بحد ذاته، إلا أن الحمى تمثل إشارة مهمة من جهاز المناعة للدفاع ضد عوامل ضارة، وقد تكون مؤشراً على أمراض مختلفة تتراوح بين البسيطة والشديدة. الحمى تُعرف طبيًا بأنها ارتفاع في درجة حرارة الجسم فوق المعدل الطبيعي، والذي يتراوح عادة بين 36.5 و37.5 درجة مئوية عند الإنسان. يعتبر تجاوز درجة حرارة الجسم 38 درجة مئوية مؤشراً على وجود الحمى.

آلية حدوث الحمى في الجسم

تنشأ الحمى نتيجة استجابة معقدة من الجهاز المناعي لوجود مواد تسمى “البيوجينات” (Pyrogens)، التي قد تكون خارجية أو داخلية:

• البيوجينات الخارجية: مثل البكتيريا والفيروسات التي تفرز سمومًا أو تحفز إنتاج مواد تسبب الحمى.

• البيوجينات الداخلية: وهي مواد يفرزها الجسم استجابةً للعدوى أو الالتهاب، مثل السيتوكينات (Interleukin-1, Interleukin-6, TNF-α).

تبدأ عملية الحمى عندما تؤثر هذه المواد على مركز تنظيم الحرارة في الدماغ، وتحديدًا في منطقة الوطاء (Hypothalamus). يقوم الوطاء بضبط “درجة الحرارة المضبوطة” أو نقطة التوازن الحراري في الجسم، وعندما ترفع هذه النقطة استجابة للبيوجينات، يبدأ الجسم بزيادة إنتاج الحرارة وتقليل فقدانها، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة الجسمانية.

تتضمن آليات ارتفاع الحرارة:

• زيادة التمثيل الغذائي الخلوي.

• تقلص الأوعية الدموية الجلدية (لمنع فقدان الحرارة).

• ارتعاش العضلات (لزيادة توليد الحرارة).

• السلوكيات المصاحبة مثل ارتداء ملابس أكثر أو تجنب التبريد.

الأسباب المختلفة للحمى

تتعدد أسباب الحمى ويمكن تصنيفها بشكل واسع إلى أسباب معدية وغير معدية:

الأسباب المعدية

1. العدوى البكتيرية: مثل التهاب الحلق بالبكتيريا العقدية، الالتهاب الرئوي، السل، التهاب المسالك البولية.

2. العدوى الفيروسية: كفيروس الإنفلونزا، فيروس كورونا، الحصبة، الحصبة الألمانية.

3. العدوى الطفيلية والفطرية: مثل الملاريا وبعض الفطريات الجلدية والجهازية.

4. الأمراض المعدية الحادة والمزمنة: قد تظهر الحمى كعرض رئيسي أو ثانوي.

الأسباب غير المعدية

1. الالتهابات المناعية الذاتية: مثل الذئبة الحمراء، التهاب المفاصل الروماتويدي.

2. الأورام: بعض أنواع السرطان كسرطان الدم (اللوكيميا) واللمفوما قد تتسبب في حمى مستمرة.

3. الحساسية: ردود الفعل التحسسية الشديدة قد تكون مصحوبة بحمى.

4. الأدوية: بعض الأدوية تسبب حمى دوائية ناجمة عن تفاعل مناعي.

5. الاضطرابات الأيضية والهرمونية: مثل فرط نشاط الغدة الدرقية.

تصنيف الحمى بحسب مدتها ودرجاتها

يمكن تصنيف الحمى وفقًا لمدة استمرارها وارتفاع درجة الحرارة:

• حمى حادة: تستمر لأيام قليلة، غالبًا ما تكون ناتجة عن عدوى فيروسية أو بكتيرية.

• حمى مزمنة أو مستمرة: تستمر لأكثر من أسبوعين وتستلزم تحقيقًا طبيًا معمقًا.

• حمى متقطعة: تنخفض درجة الحرارة أحيانًا وترتفع أحيانًا أخرى، مثل حالات الملاريا.

• حمى مستمرة: تحافظ على ارتفاع مستمر في درجة الحرارة دون فواصل.

• حمى منخفضة الدرجة: ارتفاع طفيف في درجة الحرارة (بين 37.5 و38 درجة).

• حمى عالية الدرجة: فوق 39 درجة مئوية، قد تؤدي إلى مضاعفات.

التأثيرات الفسيولوجية للحمى على الجسم

عندما ترتفع درجة حرارة الجسم، تحدث عدة تغيرات في أنظمة الجسم الحيوية:

• الجهاز القلبي الوعائي: يزداد معدل ضربات القلب لتلبية الحاجة المتزايدة للأكسجين والمواد الغذائية بسبب ارتفاع الأيض.

• الجهاز التنفسي: يرتفع معدل التنفس لتعزيز تبادل الغازات وزيادة الأكسجين.

• الجهاز العصبي المركزي: قد تسبب الحمى شعورًا بالصداع، التهيج، والارتباك، وفي حالات شديدة قد تؤدي إلى نوبات صرع خاصة عند الأطفال.

• الجهاز العضلي الهيكلي: يمكن أن يصاحب الحمى رعشة عضلية لزيادة توليد الحرارة.

بالإضافة إلى ذلك، تؤثر الحمى على العمليات الكيميائية الحيوية مثل زيادة نشاط الإنزيمات وبعض الأجسام المضادة التي تساعد الجسم في مواجهة العدوى.

الفوائد والدور الوقائي للحمى

على الرغم من أن الحمى قد تبدو مزعجة، فإنها تمثل جزءًا أساسيًا من آليات الدفاع المناعي في الجسم. ترفع الحمى درجة حرارة البيئة الداخلية، مما قد يقلل من تكاثر بعض الميكروبات التي تكون حساسة للحرارة العالية. كما تساهم في:

• تعزيز إنتاج خلايا الدم البيضاء.

• زيادة إفراز السيتوكينات والإنترفيرونات.

• تسريع عمليات التئام الأنسجة.

المخاطر والمضاعفات المحتملة للحمى

مع أن الحمى تعتبر آلية دفاعية مهمة، إلا أن ارتفاعها المفرط أو استمرارها لفترات طويلة قد يكون خطيراً. المضاعفات تشمل:

• الجفاف: بسبب فقدان السوائل عبر التعرق.

• تشنجات الحمى: خاصة عند الأطفال الصغار، وهي نوبات عصبية ناتجة عن ارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة.

• ضعف وظائف الأعضاء الحيوية: عند ارتفاع الحرارة لأكثر من 40 درجة، قد تتأثر وظائف الدماغ والقلب والكلى.

• تسارع ضربات القلب: ما قد يؤثر سلبًا على المرضى الذين يعانون من مشاكل قلبية.

طرق قياس درجة حرارة الجسم

لقياس الحمى يمكن استخدام عدة طرق شائعة تختلف بدقتها:

• القياس الفموي: شائع وسهل لكنه قد يتأثر بتناول الطعام أو الشراب.

• القياس تحت الإبط: أقل دقة لكنه مريح.

• القياس الشرجي: أكثر دقة ويستخدم في الأطفال الرضع.

• القياس بالأذن (الطبلي): سريع ودقيق لكنه يعتمد على تقنية صحيحة.

• القياس بواسطة الترمومتر الرقمي أو الزئبقي.

العلاج وإدارة الحمى

العلاج يعتمد أساساً على السبب الكامن وراء الحمى، لكن يمكن استخدام بعض التدابير لتخفيف أعراض الحمى نفسها:

• الأدوية الخافضة للحرارة: مثل الباراسيتامول (Acetaminophen) والإيبوبروفين (Ibuprofen).

• شرب السوائل بكثرة: لتجنب الجفاف وتعويض ما يفقده الجسم.

• الراحة التامة: لتقليل الجهد على الجسم.

• تخفيف الملابس: لمساعدة الجسم على فقدان الحرارة.

• استخدام الكمادات الباردة: في حالات الحمى الشديدة.

لا ينصح بخفض الحمى بشكل مبالغ فيه دون استشارة طبية خاصة إذا كانت الحمى تساعد في مكافحة العدوى.

الحالات التي تستوجب مراجعة الطبيب

هناك حالات معينة يجب فيها التوجه للطبيب فورًا عند وجود حمى، مثل:

• الحمى المستمرة لأكثر من 3 أيام دون تحسن.

• ارتفاع درجة الحرارة فوق 39.5 درجة مئوية.

• ظهور أعراض شديدة مثل صعوبة التنفس، ألم الصدر، الصداع الشديد، تشنجات، أو الطفح الجلدي.

• الحمى عند الأطفال الرضع أقل من ثلاثة أشهر.

مقارنة درجات الحرارة الطبيعية والحمى وأنواعها

خلاصة

الحمى هي استجابة فسيولوجية طبيعية دفاعية تنشأ عن تفاعل الجسم مع مؤثرات داخلية وخارجية، وهي مؤشر هام على وجود اضطراب صحي قد يكون بسيطًا أو معقدًا. آليات الحمى معقدة وتشمل تغيرات في مراكز تنظيم الحرارة، ويصحبها تغيرات متعددة في وظائف الجسم الحيوية. على الرغم من فوائد الحمى في مكافحة العدوى، يجب التعامل معها بحذر لتجنب المضاعفات، مع ضرورة تحديد السبب الكامن والعلاج المناسب. المعرفة الدقيقة بالحمى وكيفية التعامل معها تساهم في تحسين الرعاية الصحية وضمان السلامة للمصابين بها.

المراجع:

1. Harrison’s Principles of Internal Medicine, 20th Edition, 2018.

2. Kumar, Abbas, Aster – Robbins Basic Pathology, 10th Edition, 2017.