الدولة الفاطمية، المعروفة أيضًا باسم الخلافة الفاطمية أو الدولة العبيدية، كانت إحدى دول الخلافة الإسلامية التي تميزت بتبنيها المذهب الشيعي الإسماعيلي كمذهب رسمي. أُسست هذه الدولة بفعل نشاط الدُعاة الإسماعيليين الذين دعوا إلى الجهاد باسم الإمام المهدي المُنتظر، مما جعلها تحقق نجاحًا في المناطق البعيدة عن مركز الحكم العباسي، خاصةً في المغرب حيث استقطبوا الجماهير بين قبائل البربر. توسعت نفوذ الدولة الفاطمية على طول الساحل المتوسطي من المغرب إلى مصر، وشملت مناطق واسعة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مما جعلها أكبر دولة انفصلت عن الدولة العباسية ومنافستها الرئيسية.
المصادر التاريخية تختلف في تحديد نسب الفاطميين، حيث يرجع معظم المصادر الشيعية نسبهم إلى الإمام علي بن أبي طالب، في حين أن مصادر أُخرى تُنكر هذا النسب وترجعه إلى أصول فرسية أو يهودية. أسس الفاطميون مدينة المهدية كعاصمة أولية لهم ثم انتقلوا إلى المنصورية وأخيرًا إلى القاهرة التي أصبحت عاصمتهم. عرفت الدولة الفاطمية بتعصب بعض خلفائها للمذهب الإسماعيلي، مما جعل أتباع المذاهب والديانات الأخرى يعانون، لكنها في الوقت ذاته اشتهرت بتسامحها مع الأقليات الدينية والعرقية والثقافية.
في فترة العصر الفاطمي، كانت المدينة القاهرة تحظى بمكانة روحية وثقافية وسياسية بارزة، وكان الجامع الأزهر ودار الحكمة من أهم مراكز نشر العلم والمعرفة. تعاقبت الخلافة الفاطمية بين فترات من العظمة والتراجع، حيث أدى اختيار الخلفاء من قبل الوزراء والصراعات الداخلية إلى ضعف السلطة وانحدار الدولة. استمر تراجع الدولة الفاطمية حتى استقلال صلاح الدين الأيوبي بمصر، حيث أزال سلطتهم الاسمية بعد فترة من الانهيار السياسي والعسكري.
هكذا، يمثل العصر الفاطمي فترة مهمة في تاريخ الإسلام، حيث تجسدت فيها تحديات الحكم والتعايش الديني والثقافي في إطار دولة شيعية معقدة ومتنوعة فيما بين التعصب والتسامح.
تأسست دولة الفاطميين في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) في مصر وشمال أفريقيا،
هناك عدة أسباب وراء تأسيس دولة الفاطميين
1- الدعوة الدينية: كان الفاطميون ينتمون إلى الفرقة الإسماعيلية الشيعية، وكانوا يروجون للدعوة الدينية والإصلاح في العالم الإسلامي. تأسست الدولة الفاطمية على يدي الداعية الإسماعيلي عبد الله الشيعي، الذي كان يروج لفكرة الخلافة الإسماعيلية.
2- الطموح السياسي: كان لدى الفاطميين طموح سياسي لتوسيع نفوذهم وسط العالم الإسلامي، والسيطرة على الخلافة الإسلامية. كانوا يتطلعون إلى استعادة الأراضي التي كانت تحت سيطرة الدولة العباسية في بغداد.
3- العنف والتمرد: شهدت الدولة العباسية في بغداد فترة من الاضطرابات والصراعات الداخلية، وكانت هناك انتفاضات وتمردات من الشيعة والخوارج. استغل الفاطميون هذا الاضطراب والفوضى لتوسيع نفوذهم والسيطرة على الأراضي العربية وشمال إفريقيا.
4- الثقافة والعلم: كان الفاطميون يشجعون العلوم والفنون والثقافة، وأسسوا جامعة القاهرة ومكتبة الأزهر، وكانوا يستقطبون العلماء والفنانين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
باختصار، تأسست دولة الفاطميين بسبب الدعوة الدينية والطموح السياسي والاضطرابات الداخلية في الدولة العباسية.
معلومات عن الدولة الفاطمية
للدولة الفاطمية تاريخ طويل ومعقد، وتعتبر فترة عصرها من بين الفترات الهامة في تاريخ الإسلام، حيث شهدت تحولات سياسية وثقافية كبيرة. يمكننا استكمال النقاش بالتركيز على بعض الجوانب الهامة للدولة الفاطمية:
1. السياسة والحكم:
- السلطة والتراجع: على الرغم من أن الدولة الفاطمية كانت تمتلك نفوذًا واسعًا في بدايتها، إلا أن الفترات اللاحقة شهدت تراجعًا في السلطة نتيجة للصراعات الداخلية وتداخل العناصر العسكرية والسياسية.
- الخلافات والنزاعات: تعرضت الدولة الفاطمية للعديد من النزاعات مع الدول الأخرى، خاصة الخلافة العباسية والسلاجقة، مما أثر على استقرارها وقوتها.
- التسامح والتعايش: رغم بعض التعصبات المذهبية، اشتهرت الدولة الفاطمية بتسامحها تجاه الأقليات الدينية والثقافية، مما جعلها مركزًا للتبادل الثقافي والعلمي في ذلك الوقت.
2. الثقافة والعلم:
- النهضة الثقافية: شهدت الدولة الفاطمية نهضة ثقافية وعلمية، حيث كانت لها دور كبير في نشر العلم والمعرفة، خاصة من خلال مراكز التعليم والجامعات والمكتبات التي أُنشئت في تلك الفترة.
- العلماء والمفكرين: ازدهرت الدولة الفاطمية بعلماء ومفكرين بارزين في مجالات مثل الطب والفلك والرياضيات والفلسفة، مما ساهم في تقدم الحضارة الإسلامية في تلك الفترة.
- المؤسسات الثقافية: نشأت في عصر الفاطميين مؤسسات ثقافية مهمة مثل الجامع الأزهر ودار الحكمة، التي كانت تعد منارات للعلم والمعرفة في العالم الإسلامي.
3. التحولات الاجتماعية والاقتصادية:
- التنوع الثقافي: كانت الدولة الفاطمية تمثل تنوعًا ثقافيًا وعرقيًا كبيرًا، حيث استفادت من مختلف العناصر البشرية في إدارة شؤون الدولة وتنمية اقتصادها.
- التجارة والاقتصاد: كانت المدن الفاطمية مراكز للتجارة والتبادل الثقافي، مما جعل الدولة تزدهر اقتصاديًا وتكتسب نفوذًا دوليًا.
4. الإرث والتأثير:
- تأثير الدولة الفاطمية: بالرغم من انهيار الدولة في نهاية المطاف، إلا أن لها تأثيرًا كبيرًا على الحضارة الإسلامية، ولا يزال لها بقاء في المعارف والعلوم التي تمثلت فيها.
- التاريخ الإسلامي: تعتبر الدولة الفاطمية جزءًا مهمًا من تاريخ الإسلام، ودراسة فترتها تساهم في فهم تطور الحضارة الإسلامية عبر العصور.
نسب الدولة الفاطمية
قضية أصول الفاطميين تعد واحدة من القضايا المعقدة التي تشكلت حول تاريخ هذه الدولة الإسلامية الهامة. اللقب الذي ارتبط بالفاطميين، وهم الذرية التي انبثقت من عبيد الله المهدي، يشير بشكل أولي إلى صلة هؤلاء الحكام بأسرة النبي محمد عبر علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء، مما يعني أنهم من العلويين، أي من فروع الشيعة. لكن قضية النسب للعائلة الفاطمية لم تصل إلى اتفاق بين المؤرخين، بسبب التباين السياسي والمذهبي بعد وفاة الرسول، بالإضافة إلى امتناع الفاطميين عن الكشف عن أصولهم لفترة طويلة، وتغيير أسماء الأئمة حتى عهد عبيد الله المهدي.
من جهة، هناك مصادر تنفي نسب الفاطميين لعلي وفاطمة، وتشير إلى أصولهم الفرسية أو المجوسية، وتصف بعضها عبيد الله بأنه ابن يهودي، وتعزو نسبه إلى ميمون القداح الفارسي الأصل. وعلى الجانب الآخر، تؤكد مصادر أخرى، غالبيتها من الشيعة، صحة نسب عبيد الله المهدي وترجعه إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق.
تاريخياً، اسم “الفاطميين” لم يكن الأولي، إذ كان يُطلق على الإسماعيلية في بداية ظهور الحركة، وقد اعتنق هذا الاسم بعض أتباع القرمطة الإسماعيليين في بادية الشام تحت زعامة القُرمطي الإسماعيلي يحيى بن زكرويه. ويمكن تتبع أصول الحركة الفاطمية إلى التعاليم الشيعية الإسماعيلية، التي تؤمن بظهور المهدي المنتظر من سلالة النبي محمد، وتعتمد على علي وفاطمة عبر فرع إسماعيل بن جعفر الصادق. ومن المؤكد أن إسماعيل بن جعفر الصادق كان له تأثير كبير في بناء العمل السياسي للشيعة الإسماعيلية، وقد اتبع مبدأ التقيّة وعمل بخفاء تام.
في نهاية المطاف، وبالرغم من التناقضات والتباين في الآراء، فإن الفاطميين لهم مكانة مهمة في تاريخ الإسلام، وتاريخهم يعكس التحولات السياسية والمذهبية والثقافية التي شهدها العالم الإسلامي في ذلك الوقت الحيوي.
الدولة الفاطمية تاريخياً
شمال أفريقيا كانت أرضًا خصبة لنشر المذهب الإسماعيلي والتشيع العلوي في العصور الوسطى، حيث تركزت الحركات الدينية والفكرية المتعددة التي شكلت تجاربًا ثقافية ودينية متنوعة. تمركز هذا المذهب في العصور الإسلامية الأولى في مناطق الكوفة متعددة الأجناس والقوميات، وانتقل غربًا بعد المُلاحقات التي تعرَّض لها الشيعة، ووجدوا في شمال أفريقيا بيئة مناسبة لانتشار تعاليمهم.
تأسس المذهب العلوي منذ نشأته في المشرق وظهر في بيئة الكوفة مُتعددة الأجناس والقوميَّات، وتمركز في شمال أفريقيا حيث ضعفت السيطرة العبَّاسيَّة. تأثر هذا المذهب بتشيُّع العلويين الذين كانوا جميعًا من فرع الحسن بن عليّ بن أبي طالب، ونشروا التعاليم المُشتركة للمذهب الشيعي ومآثر العلويين.
في شمال أفريقيا، ازدهر المذهب الإسماعيلي بشكل أكبر وأكثر تنظيمًا وسريةً، وتركَّز في مناطق البربر الصعبة مثل تامة في المغرب الأوسط. ولدى انتقال الداعية أبي عبد الله الشيعي إلى المغرب، ازدهرت دعوته وانتشر المذهب بين قبائل البربر، وهي البلاد الممتدة من طرابلس الغرب إلى طنجة.
بعثت القيادة الإسماعيليَّة الداعي أبو عبد الله سالِف الذِكر إلى اليمن ليتدرَّب على يد الحسن بن فرج بن حوشب بن زادان، وخرج مع قافلة الحُجَّاج اليمنيين إلى مكَّة، ومن ثم انضم إلى قافلة كتامة وسافر معهم إلى المغرب. في إيكجان، تمكَّن أبو عبد الله من دعوة الناس إلى المذهب الإسماعيلي وحقق نجاحًا كبيرًا، وعمل على بث الفكر السياسي والديني للمذهب، ورغم المعارضة التي واجهها من بعض الزعماء في المنطقة، إلا أنه نجح في تكوين مجموعة داعمة له.
تتجلى في هذه السياقات الثقافية والدينية تدفق الفكر والعقيدة والسياسة عبر الزمن، وكيف تشكَّلت الحركات الدينية والفكرية في شمال أفريقيا بمختلف أشكالها وتجلِّياتها، ممَّا يعكس غنى التنوع الثقافي والديني في تلك المنطقة في العصور الوسطى.
قيام الدولة الفاطمية
اندلعت صراعات شرسة بين الأغالبة والداعي أبي عبد الله نتيجة لتوتر العلاقات مع حاكم مدينة ميلة في أرض كتامة. كانت مدينة ميلة تحت سيطرة موسى بن عياش، الذي كان يعارض بشدة الدعوة الإسماعيلية ويشكك في تأثيرها على مركزه ونفوذه. وكانت ميلة تعتبر مركزًا عربيًا مهمًا في قلب بلاد كتامة، حيث كانت الأُسر الحاكمة في المغرب تؤيد السلطة المركزية في بغداد.
لم تكن ميلة فقط محطة رئيسية في الصراع بين الأغالبة والداعي، بل كانت أيضًا عقبة أساسية أمام انتشار الدعوة الإسماعيلية في الخارج. لذا، بدأ الداعي بحملات عسكرية للسيطرة على ميلة، ونجح في ذلك خلال شهر ذي القعدة من سنة 289 هـ.
مع سيطرة الداعي على ميلة، تبعتها فترة من الاضطرابات والصراعات، حيث استعادت الأغالبة المدينة بعد فترة وانتصروا في معارك مع الإسماعيليين في منطقة ملوسة. وفي آخر شهر رجب سنة 290 هـ، هُزمت الأغالبة في معركة قاسية مع الإسماعيليين، مما دفعهم للانسحاب إلى سطيف.
مع استمرار الصراعات والهجمات، استولى الداعي على سطيف، ومن ثم على مدينة طُبنة في طرف إفريقية. ومن خلال هذه الانتصارات، فتح الإسماعيليون ثغرة في الحصون الغربية لإفريقية، مما أدي إلى تراجع نفوذ الأغالبة وسيطرة الداعي على المنطقة.
في سنة 296 هـ، نجح الداعي في القضاء على دولة الأغالبة في إفريقية، وبدأ في تنظيم النظام السياسي وإصلاحاته في المنطقة. اعتمد الداعي الإسماعيلي على القناعات والإقناع لتحقيق هدفه، مما ساهم في تهدئة الأوضاع واستقرارها تحت حكمه.
تجاوز الداعي حدود إفريقية ووسع نفوذه إلى مراكز أخرى، مثل سلمية وإيكجان، حيث نجح في إقامة دولته الإسماعيلية وإضفاء الطابع الشيعي على مؤسساتها. ومع ذلك، استمرت التحديات والصراعات في المنطقة، ولكن بتوجيهات الداعي وحكمه الحكيم، تمكنت دولته من الاستقرار والتنمية خلال الفترة التالية.
التوسعات و الفتوحات في عهد الدولة الفاطمية
بعد استقرار الفاطميين في إفريقية وتوسيع نفوذهم ليشمل المغرب الأقصى، واجهوا تحديات متعددة في محاولتهم للسيطرة على هذه الأراضي الواسعة. بدأت تلك الجهود بفتح المغرب وتوسيع نفوذهم به، حيث نجحوا في هزيمة حكامه الأدارسة وتأسيس سلطتهم هناك. لكن تمرد بن أبي العافية أدى إلى بعض الاضطرابات، قبل أن يتمكن الفاطميون من استعادة السيطرة بفضل جهود أبي القاسم، وكانت هذه الفترة مليئة بالصراعات والحروب مع الخوارج في المغرب.
توسعت الدولة الفاطمية لتشمل أيضًا مصر، حيث كانت الدولة الإخشيدية حاكمةً هناك، ولكن انهيارها الاقتصادي والسياسي سهل دخول الفاطميين واستيلامهم للسلطة بسهولة نسبية. قاد جوهر الصقلي حملة لضم مصر إلى الدولة الفاطمية، وواجه تحديات من حكام الإخشيد وجيوشهم، لكن بالتوجيه الصحيح والدعم الشعبي تمكن من النجاح في هذا السعي.
تأسست القاهرة المعزية كعاصمة جديدة للدولة الفاطمية، حيث تم تصميمها بطريقة تعكس التنوع العرقي والثقافي للجيش الفاطمي. كانت هناك استراتيجية في توزيع المدينة حسب الجنسيات والأعراق لضمان استقرار السلطة وتفادي التوترات العرقية.
بعد توطيد سلطتهم في مصر والمغرب، توجه الفاطميون نحو التوسع في المشرق، وخاضوا صراعات مع القرامطة وغيرهم من الدول في تلك المنطقة. استمرت الحروب والصراعات على مدى فترة طويلة، حتى تمكنوا أخيرًا من توسيع نطاق سلطتهم وجعلوا من القاهرة المعزية مقرًا دائمًا لحكمهم.
تتضح من هذه السيرة الذاتية للدولة الفاطمية أهمية الاستراتيجية العسكرية والسياسية في بناء وتوسيع الدولة، إلى جانب الدعم الشعبي والقدرة على التكيف مع التحديات المتغيرة في الساحة السياسية والعسكرية.
العصر الذهبي للدولة الفاطمية و ذروتها
عُرِفَت الدولة الفاطمية بفترة عُصورها الذهبية وتحقيقها للعزّ والكمال في عهد الخليفة الخامس، أبو منصور نزار العزيز بالله، حيث شهدت تمكين السيطرة الفاطمية على مصر والشام، وانتشار السلام والرخاء في جميع أنحاء الدولة، مع بلوغها أقصى اتساعها في هذه الفترة. لقد كان دور العزيز حيويًا في تأسيس وتشكيل الدولة الفاطمية وهويتها، ويُشبه دوره إلى حد ما دور أبي جعفر المنصور في الدولة العباسية، حيث بدأ عهده في سنة 365 هـ.
العزيز كان مسؤولًا عن إرساء الأسس الإدارية والتنظيمية للدولة، حيث تم تنظيم الدواوين بشكل دقيق لتسهيل الإجراءات الإدارية، واهتمامه بالترف والبذخ يُظهر من خلال الأموال التي أنفقها على قصوره وممتلكاته. كما قام بتعيين وزراء كفؤين من اليهود والنصارى لتولي الحكم، لضمان عدم ترسّب نفوذ كبير للبربر في الحكومة والتي كانت تشكل الجيش الفاطمي بأكمله تقريبًا.
واستحدث العزيز منصب الوزراء، وكان هناك اهتمام بتعددية الأعراق في تشكيل الجيش الفاطمي، حيث أنشأ جيشًا جديدًا يتكون من الجنود الترك والأكراد والسودان، بهدف تحقيق التوازن في القوى العسكرية وتجنب تكاتف الجنود البربر على حساب الحاكم.
وبالإضافة إلى الجوانب الإدارية والعسكرية، كان العزيز يسعى لنشر المذهب الإسماعيلي في دولته، وكان يسمح بسب الصحابة لتعزيز هذا المذهب. وعلى الصعيد العسكري، شهد عهده إنجازات في الفتوحات والحملات العسكرية التي توجت بتحقيق انتصارات في المدن الحدودية.
إلى جانب ذلك، فقد أثار العزيز الجدل فيما بعد بسبب تقلب شخصيته وإدارته للدولة، حيث بدأ في فترةٍ معينة في تغيير منهجه مع السُنة وأصبح متطرفًا في الدين، مما أثار الاستياء والمعارضة من قبل الشعب وزعزع الاستقرار السياسي. وبسبب هذه التحولات والأزمات الداخلية، بدأت الدولة الفاطمية تظهر عليها علامات الضعف والسقوط، خاصة بعد وفاته وتولي ابنه الحاكم بأمر الله الحكم.
الحاكم بأمر الله كان من أبرز الخلفاء الفاطميين وكان يُعتبر أحد أعلام الإسماعيلية عبر التاريخ. قاد خلال عهده جهودًا لتثبيت أركان الدولة وتهيئة أمورها، وحسّن علاقته مع أهل السُنة وأظهر اعتدالًا بعد التقلبات التي شهدها عهد والده. ومع ذلك، فقد أثيرت الجدليات حول سلوكه وتغيراته الشخصية التي أثرت على استقرار الدولة، وانتهى عهده بانحدار سياسي وتفكك للسلطة.
بشكل عام، كانت فترة حكم العزيز وابنه الحاكم بأمر الله تعكس مرحلة من التطور السياسي والاقتصادي والثقافي في الدولة الفاطمية، إلى جانب التحديات والتقلبات التي شهدتها هذه الفترة والتي ساهمت في بداية مسار انحدار الدولة الفاطمية نحو السقوط.
بعد وفاة الحاكم بأمر الله، تولى الحكم في الدولة الفاطمية ابنه الظاهر لإعزاز دين الله، وهو حدث لم يبلغ سن الرشد بعد، فأصبحت “ست الملك” الحاكمة الفعلية للدولة، وتمكنت من إدارة شؤون الدولة بشكل جيد. ورغم هذا، فإن وفاتها في منتصف عهده أثرت بشكل كبير على الاستقرار السياسي، حيث بدأت الثورات والتمردات تنتشر ضد حكم الظاهر.
خلال فترة حكم الظاهر، بدأت الأمور تتعقد، حيث خرج صالح بن مرداس في الشام وانتزع من الدولة حلب، ثم جاء حاكم الرملة حسان بن المفرج البدوي وانتزع معظم أنحاء الشام. ومع ذلك، استمر حكم الظاهر لخمس عشرة سنة، ثم توفي وتولى ابنه معد المستنصر بالله الخلافة وهو لا يزال صغيرًا في السن.
عهد المستنصر بالله كان من أطول الفترات الحكومية في تاريخ الدولة الفاطمية، حيث دام حكمه نحو 60 سنة، وكانت هذه الفترة مزدهرة في بدايتها، حيث وصلت الدولة الفاطمية إلى أوج قوتها واتساعها. ومع ذلك، بدأت الأمور تتدهور بسبب العديد من التحديات والأزمات.
أحد أبرز الأحداث خلال حكم المستنصر هو الجوع الهائل الذي ألمّ بمصر واستمر لسبع سنوات، مما أثر بشكل كبير على اقتصاد الدولة واستقرارها. وفي هذه الفترة، بدأت الثورات والتمردات تنتشر في العديد من أقاليم الدولة، مما أدى إلى فقدان السيطرة على الأوضاع.
وتزايدت الخسائر للدولة الفاطمية عندما فقدت الشام وبغداد ومناطق أخرى بيد السلاجقة والصليبيين، وهذه الهزائم تسببت في انهيار هيبة الدولة الفاطمية وتنامي الفوضى والصراعات الداخلية.
ومن أجل استعادة الاستقرار، استدعى المستنصر الوزير بدر الدين الجمالي، الذي كان له دور كبير في استعادة القوة والاستقرار للدولة، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والعسكرية. ولكن على الرغم من ذلك، فشل بدر الجمالي في بعض النواحي العسكرية ولم يتمكن من حماية بعض المناطق من تقدم الخصوم.
من هذه الفترة وصاعدًا، تعرضت الدولة الفاطمية لمزيد من الضعف والتدهور، وبدأت السيطرة تنزلق من يدي الخلفاء الفاطميين إلى أيدي الوزراء والقوى العسكرية، مما أدى إلى نهاية عصر الفاطميين وبداية فترة جديدة من الاضطرابات والصراعات في تاريخ المنطقة.
بداية النهاية للدولة الفاطمية
دخول الجيوش الصليبية إلى بيت المقدس في القرن الحادي عشر ميلادي كان حدثًا مميزًا في تاريخ الحروب والصراعات بين الدول والأديان. وقد دامت المقاومة الفاطمية في المدينة لمدة شهر تقريبًا خلال زمن حكم المستعلي، الذي كان يعتبر من أوجه الحكم الفاطمي، وكان له دور كبير في السياسة والعسكرية للدولة. وعلى الرغم من المقاومة الشرسة، إلا أن الصليبيين نجحوا في احتلال بيت المقدس، مما أدى إلى تقلص السلطة الفاطمية في تلك المنطقة وخسارة أملاكها في بلاد الشام.
فيما يخص الخلافة الفاطمية بعد وفاة المستنصر، فقد شهدت فترة مضطربة وصراعات داخلية بسبب اختلاف وجهات النظر بين الفاطميين، وخاصة بعد قرار المستنصر بنقل ولاية العهد إلى ابنه الأصغر أحمد المستعلي بالله بدلاً من ابنه الأكبر نزار المصطفى لدين الله، مما أدى إلى تقسيم الإسماعيليين بين مؤيدي النزارية والمستعلية، وهو الانقسام الذي استمر على مر السنين وأثر على استقرار الدولة.
في فترة حكم المستعلي، شهدت الدولة الفاطمية تحولات سياسية وعسكرية هامة، بما في ذلك محاولات استعادة بلاد الشام من الصليبيين، والتي أسفرت عن خسارة فادحة في معركة عسقلان. وتجلى نفوذ الوزراء الفاطميين بشكل واضح خلال هذه الفترة، حيث كانوا يمتلكون سلطة كبيرة في الدولة ويؤثرون على قرارات الخلفاء.
وفيما يتعلق بخلافة المستعلي وابنه البكر الآمر بأحكام الله، فقد شهدت هذه الفترة صراعات داخلية ومحاولات للسيطرة على الحكم، وانتهت بوفاة المستعلي وتولي ابنه الطيب الخلافة. ومع تولي الحسن لدين الله الوزارة، شهدت الدولة الفاطمية حالة من التوتر والصراعات الداخلية التي أثرت على استقرارها وقوتها.
في النهاية، يُظهر تاريخ الدولة الفاطمية وخاصة في فترة المستعلي وبعده، التحديات الكبيرة التي واجهتها الدولة والتي أثرت على سياستها الداخلية والخارجية، وكيف أدت هذه التحديات إلى تراجع نفوذها وضعف سلطتها على المدى الطويل.
نهاية الدولة الفاطمية
بعد تولي صلاح الدين منصب الوزارة في مصر كأخر وزير سني في الدولة الفاطمية، تصاعدت التحديات التي واجهت الدولة وخاصة في مصر. كانت الدولة الفاطمية ما زالت قوية بدعم الجيش الفاطمي وكبار رجال الدولة، ومع ذلك، كانت مواجهة التهديد الصليبي مستمرة ومستمرة وكانت تهدد بيوت مصر الشرقية. كان على صلاح الدين تعزيز مكانته وتثبيت قدمه في الحكم لمواجهة التطورات السياسية المستقبلية.
لقد أظهر صلاح الدين قدرات كبيرة في إدارة شؤون الدولة وكان عازمًا على استحداث السيطرة الكاملة بما في ذلك السلطات التي ترتبط بمنصب الخلافة. نفذ العديد من الإصلاحات وتوفير الأموال للسكان وقام بتحسين الأوضاع، مما جعل الناس يحبونه ويثقون به. كما تمكن من تهيئة الجيش لصالحه بعد أن أظهر لهم حنكة في الإدارة. كما استخدم الدعم العسكري من نور الدين محمود لتعزيز قوته العسكرية ومكانته.
ومع تلك التحسنات، بدأت الدولة الفاطمية تشهد استياءً بين الطواشيَّة والقادة العسكريين. وقد حاول مؤتمن الخِلافة، مسؤول الجُند السودان، تحريض بيت المقدس لمهاجمة مصر بهدف إزاحة صلاح الدين والحفاظ على منصب الوِزارة. وعلى الرغم من محاولات التآمر، تمكن صلاح الدين من كشف الخيوط واعتقال مؤتمن الخِلافة.
ومع ذلك، فإن الأنباء عن اضطراب المركز الفاطمي في مصر دفعت الصليبيين للتخطيط لمهاجمة مصر مرة أخرى. يظهر هذا الوضع السياسي المتقلب والمتوتر الذي كانت تمر به الدولة الفاطمية في تلك الفترة، مما يعكس التحديات الكبيرة التي واجهتها الدولة وصعوبة تثبيت السلطة والاستقرار في ظل تهديدات خارجية وتحالفات داخلية معقدة.
بعد توحيد نور الدين الزنكي للشام ومصر تحت سيطرته، بدأ المشهد السياسي يتغير بشكل كبير، وشعر الصليبيون بالتهديد الحقيقي لمواقعهم في المنطقة. كان عموري الأول، ملك بيت المقدس، يعي أنه يجب التصرف بسرعة لإنقاذ الوضع، لذا قرر الاستعانة بالغرب الأوروبي والبحث عن تحالفات تعزز موقعهم في المنطقة.
توجه عموري الأول برسائل إلى ملوك وأباطرة أوروبا الغربية لطلب الدعم في تنظيم حملة صليبية جديدة لإنقاذ الموقف الصليبي المتدهور في المشرق. وعلى الرغم من أنه كان يأمل في تجنيد دعم قوي من هذه القوى، إلا أن الأوضاع السياسية في غرب أوروبا كانت معقدة، خاصة بالنزاع بين البابوية والإمبراطورية الرومانية المقدسة، مما جعل من الصعب تحقيق أهداف السفارة الصليبية.
بسبب عدم تحقيق الدعم المأمول من الغرب الأوروبي، اضطر عموري الأول للبحث عن تحالفات أخرى، وفي هذا السياق، استعان بالإمبراطورية البيزنطية وطلب مساعدة الإمبراطور عمانوئيل الأول كومنينوس. ولأن الإمبراطور كان يشعر بالغضب تجاه تحالف نور الدين الزنكي في المنطقة، قدّم دعمه لعموري الأول في إعداد حملة جديدة، وقام بإرسال أسطول قوي مدجج بالرجال والسلاح من القسطنطينية إلى دمياط.
في الوقت نفسه، استعد صلاح الدين لمواجهة هذه الحملة المحتملة بتدعيم مواقعه الاستراتيجية في الإسكندرية والقاهرة، وأعد بلبيس بالعساكر استعدادًا للقدوم المحتمل للأسطول البيزنطي. ورغم استعداده واحتراسه، إلا أنه خشية من وقوع مؤامرة فاطمية ضده، لذا قام بإجراءات أمنية مشددة، بما في ذلك إعدام مؤتمن الخلافة واستبدال موظفي القصر المعروفين بولائهم للخليفة الفاطمي.
مع توتر الأوضاع واحتمال وقوع حملة صليبية جديدة، تسبب ذلك في غضب الجُند السودانيين وانقلاب بعضهم ضد صلاح الدين. ورغم هذه التحديات، تمكن صلاح الدين من قمع الثورة الداخلية وإعادة الاستقرار، كما تمكن من التعامل مع التحالفات الخارجية بحكمة، مما أدى إلى استقرار نسبي في المنطقة رغم التوترات السابقة.
في اليوم الأول من صفر عام 565 هـ الموافق 25 نوفمبر 1169 م، وصلت القوات الصليبية والبيزنطية إلى مدينة دمياط، وعندما علم صلاح الدين بوصول هذه القوات المتحالفة، بادر بإرسال الرجال والسلاح والإمدادات إليهم، وأرسل أيضًا سفن حربية إلى فرع دمياط من نهر النيل، وفي الوقت نفسه، تواصل مع نور الدين محمود الزنكي في دمشق لطلب المساعدة وشن هجمات على الصليبيين في الشام لتخفيف الضغط على دمياط.
على الرغم من التحضيرات الجادة والاستعدادات الكثيرة، إلا أن الحملة المشتركة فشلت في تحقيق أهدافها، وذلك بسبب عدة عوامل. فقد دافعت حامية دمياط بشدة عن المدينة، وتراجع مخزون الإمدادات البيزنطية بسبب المسافة الطويلة من القسطنطينية، كما فشل الأسطول في دخول فرع دمياط بشكل يسمح له بالهجوم على المدينة. وأدى وصول عاصفة قوية مصحوبة بأمطار غزيرة إلى غمر معسكر الصليبيين وتحوله إلى مستنقع، مما استغله المسلمون لشن هجوم وتكبيدهم خسائر كبيرة.
بعد هذه الخسائر وعدم قدرة القوات المتحالفة على تحقيق تقدم، اضطر الملك الصليبي وقيصر الروم لطلب الصلح، وانسحبوا إلى بلادهم في 28 ربيع الأول عام 565 هـ الموافق 12 ديسمبر 1169 م، بعد أن قضوا أكثر من خمسين يومًا أمام أسوار دمياط دون تحقيق أي تقدم يُذكر في الحملة.
بعد الانتصار الذي حققه صلاح الدين في دمياط، تلقى رسالة من نور الدين الزنكي يطلب فيها منه بشدة قطع الخطبة للفاطميين وإعادتها للخليفة العباسي، ولكن صلاح الدين اعتذر بحجة الخوف من رد فعل سكان مصر الذين كانوا يميلون بشكل واضح نحو الفاطميين ويظهرون ولاءً لهم بسبب التأثير الشيعي القوي في البلاد. وعلى الرغم من ذلك، أصر نور الدين على ضرورة تنفيذ هذا الأمر من أجل تحقيق الوحدة الإسلامية والاستفادة من إمكانيات مصر في الجهاد ضد الصليبيين.
في شهر ذي الحجة من سنة 566 هـ الموافق شهر أغسطس 1171 م، أرسل نور الدين إنذارًا نهائيًا لصلاح الدين يأمره بقطع الخطبة للخليفة الفاطمي العاضد وإعادتها للخليفة العباسي بشكل لا رجعة فيه، وهدد بإجراءات صارمة إذا لم يطبق طلبه. ورغم أن صلاح الدين عرف بأن الغالبية العظمى من سكان مصر لا يتشيعون، وأن الدولة الفاطمية في طريقها إلى الانهيار، ولا تستطيع التحرك بعد أن تم القضاء على جند السودان، إلا أنه قرر الامتثال لأمر سيده في دمشق.
وفي يوم 7 محرم من سنة 567 هـ الموافق 10 سبتمبر 1171 م، قطع صلاح الدين الخطبة للفاطميين وأقامها للخليفة العباسي، وأعاد شعار العباسيين. وقد تم هذا التحول بسلام تام، حيث عادت مصر إلى حضن الدولة العباسية، وعادت الوحدة المذهبية إلى المنطقة. وفي ذلك الوقت كان العاضد لدين الله يعاني من المرض وقد اقتربت ساعة وفاته، فرأى صلاح الدين من الأفضل ألا يزعجه أو يزيد من همومه، وأمر رجاله بعدم إخباره بما جرى.
وبعد وقت قصير من قطع الخطبة للفاطميين، توفي الخليفة العاضد لدين الله، وبذلك انتهت حقبة الدولة الفاطمية التي استمرت لمدة 262 سنة، وغادرت المشهد السياسي فعليًا، مما أدى إلى استعادة الشرق الأدنى وحدته المذهبية تحت راية الدولة العباسية.
باختصار، يمثل العصر الفاطمي فترة حيوية في تاريخ الإسلام، تجمع بين العظمة والتحديات والتطورات الثقافية والسياسية التي لها أثر ملموس على التاريخ الإسلامي والعربي.
مصادر و مراجع
للحصول على معلومات موثوقة ودقيقة حول الأحداث التاريخية التي تم ذكرها، يمكنك الرجوع إلى المصادر التاريخية الموثوقة التي تعتمد عليها الباحثين والمؤرخين. وفيما يلي بعض المصادر الموثوقة التي يمكنك الاطلاع عليها:
- كتب تاريخية:
- “صلاح الدين والفاطميون” للمؤرخ علي محمد الصلابي.
- “تاريخ مصر في العصر الفاطمي” للمؤرخ إبراهيم الجيوشي.
- “صلاح الدين الأيوبي: السياسي والفاتح العسكري” للمؤرخ علي محمد الصلابي.
- مواقع إلكترونية موثوقة:
- موقع المكتبة الرقمية العالمية (https://www.wdl.org/ar/)، يحتوي على مجموعة من الوثائق والكتب التاريخية.
- موقع التراث العربي (https://alukah.net/heritage/)، يحتوي على مقالات ودراسات تاريخية موثوقة.
- مراجع تاريخية في المكتبات والمؤسسات الأكاديمية: يمكنك زيارة المكتبات الجامعية ومراكز الأبحاث التاريخية للاطلاع على المراجع والدراسات الأكاديمية حول فترة صلاح الدين والدولة الفاطمية.
