أول مولود في الإسلام

أول مولود في الإسلام

إن الحديث عن أول مولود في الإسلام يحمل أبعادًا دينية وتاريخية وثقافية غنية، إذ لا تقتصر أهمية هذه الحادثة على البعد الزمني فقط، بل تشمل أيضًا الرمزية الكبرى التي حملها هذا الحدث بالنسبة للمجتمع المسلم الناشئ. فقد شكّل ميلاد أول مولود في ظل الإسلام تأكيدًا على استمرارية الأمة الإسلامية ونموّها في ظروف شديدة الحساسية، وقطعًا للشكوك التي راودت بعض النفوس الضعيفة من اليهود والمنافقين حول قدرة المسلمين على التناسل والبقاء بعد الهجرة.

يُعدّ عبد الله بن الزبير بن العوام أول مولود وُلِدَ للمهاجرين بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، وهو بذلك أول مولود في الإسلام بعد التأسيس الرسمي للدولة الإسلامية في يثرب. وتكتسب هذه الولادة بعدًا رمزيًا وتاريخيًا واسعًا، حيث ارتبطت بزمن مفصليّ في مسيرة الإسلام، وتمثل شهادة حيّة على دخول الإسلام مرحلة جديدة من الرسوخ والثبات.

السياق التاريخي لولادة عبد الله بن الزبير

عاش المسلمون في مكة فترة عصيبة من الاضطهاد والعذاب، وواجهوا مختلف صنوف الأذى على يد قريش. وقد استمر هذا الوضع حتى أذن الله بالهجرة إلى المدينة، حيث بدأت ملامح الدولة الإسلامية تتشكل، وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في تنظيم المجتمع المدني، وتقوية أركان الدولة الفتية. في خضم هذا التحول التاريخي، كانت ولادة عبد الله بن الزبير في المدينة أول بشارة تعلن انطلاق الحياة الجديدة في البيئة الإسلامية المحضة.

وقد كانت السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق، زوجة الزبير بن العوام، حاملًا أثناء الهجرة، فلما وصلت إلى قباء في المدينة المنورة، وضعت مولودها عبد الله، وكان ذلك بعد هجرة المسلمين بزمن يسير. فعمّ الفرح والسرور بين المسلمين، وتفاؤلوا بولادته كثيرًا، خاصة بعد أن أشاع اليهود أن المسلمين لا يُولد لهم أولاد بعد هجرتهم، فكانت ولادة عبد الله ردًّا مباشرًا على تلك الشائعة، ودليلًا على كذبها.

الأثر النفسي والرمزي لولادة عبد الله بن الزبير

من الناحية الرمزية، كانت ولادة عبد الله بن الزبير دلالة واضحة على استمرار نسل المهاجرين في المدينة، ودليلًا على بركة الهجرة وبداية الاستقرار في الأرض الجديدة. كما أظهرت ولادته أن الله سبحانه وتعالى بارك هذه الأمة، وحماها من التوقف أو الانقطاع. وقد استبشر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بولادة عبد الله، وحنّكه بتمرة، ودعا له، مما أضفى عليه قدرًا كبيرًا من البركة والتكريم منذ نعومة أظفاره.

الحنك بالتمر، وهو إدخال جزء من التمر الممضوغ في فم الرضيع، سنّة نبوية فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في أول مولود للمهاجرين، وبهذا الفعل اكتسبت الولادة بُعدًا دينيًا مميزًا. فكان عبد الله بن الزبير أول من سنّ فيه النبي سنة التحنيك في المدينة.

نسب عبد الله بن الزبير وأهله

ينتمي عبد الله بن الزبير إلى أسرة عريقة في الإسلام، فأبوه الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد أوائل من أسلموا، وكان من أحبّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمه أسماء بنت أبي بكر، ذات النطاقين، وهي من أوائل المسلمات، وقد اشتهرت بمواقفها الشجاعة، وبدورها البطولي في الهجرة، حين كانت تنقل الطعام والشراب للنبي صلى الله عليه وسلم وأبيها في غار ثور.

أما جده لأمه، فهو أبو بكر الصديق، أول الخلفاء الراشدين، وأقرب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الأسرة المباركة، إذًا، شكّلت عمادًا قويًا في تأسيس الدولة الإسلامية.

نشأة عبد الله بن الزبير وتربيته

نشأ عبد الله بن الزبير في بيتٍ يغمره الإيمان والالتزام، وتشرّب منذ طفولته قيم الإسلام الأولى، كالصدق، والشجاعة، والزهد، والطهارة، والاعتماد على النفس. ومنذ نعومة أظفاره، كان عبد الله يرافق الكبار، ويتعلم من الصحابة، ويستمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويتشرب السنة النبوية مباشرة.

وكانت تربيته نتيجة تفاعل بيئة أسرية صالحة، متمثلة في أمه أسماء، وأبيه الزبير، وجده الصديق. لذلك، لم يكن غريبًا أن تظهر عليه معالم الفروسية والشجاعة منذ صغره. وقد رُوي أنه كان لا يخاف شيئًا، وظهر عليه النُبل والمروءة في مواقف متعددة.

مكانة عبد الله بن الزبير في الإسلام

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، واصل عبد الله بن الزبير طريق الجهاد في سبيل الله، وكان من أبرز الصحابة الذين شاركوا في الفتوحات الإسلامية الكبرى. وقد عُرف بشجاعته الفائقة، وحنكته في القتال، وقوة شخصيته، حتى كان يُضرب به المثل في الثبات والإقدام.

تدرج عبد الله في المراتب السياسية والاجتماعية، حتى بلغ مرحلة طالب فيها بالخلافة بعد وفاة يزيد بن معاوية، فبايعه أهل الحجاز خليفةً، وبايعه كثير من أهل الشام والعراق. وبذلك أصبح أحد أبرز من نافسوا على قيادة الأمة في المرحلة التي أعقبت الفتنة الكبرى وانقسام الدولة الإسلامية.

غير أن خلافته لم تدم طويلًا، فقد تمكن عبد الملك بن مروان من إعادة السيطرة على الشام والعراق، وأرسل الحجاج بن يوسف الثقفي ليحاصر مكة، حيث تحصن عبد الله بن الزبير. وقد انتهى الحصار بقتله سنة 73 هـ، بعد معركة بطولية، رفض فيها عبد الله التسليم، وفضّل الشهادة على الرضوخ.

دور والدته أسماء في مسيرته السياسية

كان لأسماء بنت أبي بكر دور محوري في تشجيع ابنها على الثبات وعدم الاستسلام. وقد دخل عليها عبد الله قبل مقتله بيوم واحد، يطلب مشورتها، فقالت له قولتها الشهيرة: “إن كنت خرجت تطلب الدنيا، فبئس العبد أنت، وإن كنت خرجت تطلب الحق، فاصبر عليه حتى تموت دونه، فوالله ما ضُربت على ذلك ببطنك”.

وبالفعل، كانت تلك الكلمات دافعًا قويًا لعبد الله لمواصلة الثبات، وعدم الاستسلام للحجاج. وبذلك، خُلّد اسمه في التاريخ الإسلامي كمثال للمقاومة في وجه الطغيان، والشجاعة في الدفاع عن المبدأ، ولو على حساب النفس.

الرمزية الكبرى لأول مولود في الإسلام

إن ميلاد عبد الله بن الزبير لم يكن مجرد حدث بيولوجي، بل كان حدثًا يحمل أبعادًا اجتماعية ونفسية ودينية عميقة. فقد جاء بعد انتشار الإشاعة اليهودية حول توقف ولادات المسلمين، ليكون دحضًا لتلك الشائعة، وإثباتًا عمليًا على أن الله تعالى يحفظ أمة الإسلام، ويمدها بما يكفل استمرارها.

وقد فرح المسلمون فرحًا عظيمًا بمولده، لأنه أعاد لهم الثقة في المستقبل، ورسّخ لديهم الإحساس بأن النصر آت، مهما تكاثرت المصاعب. وكان ذلك من العوامل النفسية التي ساعدت على ترسيخ الانتماء الجماعي للدين والدولة الجديدة.

الجدول التالي يوضح أبرز المعلومات عن عبد الله بن الزبير:

الأثر الاجتماعي لولادة عبد الله بن الزبير

من منظور اجتماعي، شكّلت ولادة عبد الله بن الزبير نقطة تحول مهمة في وعي المجتمع الإسلامي الناشئ، لأنها حملت دلالة على البدء في تأسيس الجيل الثاني من المسلمين، أي الجيل الذي سيكمل المسيرة بعد الرعيل الأول من الصحابة. وقد أثبت هذا الجيل حضوره في الأحداث الكبرى، من الفتوحات إلى القيادة، إلى الجهاد، إلى طلب الخلافة، إلى الصمود أمام الاستبداد.

ولم تكن أهمية عبد الله بن الزبير نابعة فقط من كونه أول مولود بعد الهجرة، بل من مسيرته الشخصية التي جسدت الالتزام بمبادئ الإسلام، والتمسك بالحق، والثبات على المبدأ.

الخلاصة

يُعد عبد الله بن الزبير أول مولود في الإسلام بعد الهجرة، وهو شخصية محورية في التاريخ الإسلامي، تجتمع في شخصه رمزية الولادة في بيئة إيمانية خالصة، مع رمزية القيادة والشجاعة والمقاومة. وقد ارتبطت ولادته بنقطة تحول تاريخية، وهي الانتقال من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة بناء الدولة، وارتبطت حياته بمفاصل مفصلية في تاريخ الأمة، من الفتوحات إلى الخلافة إلى الصراع السياسي.

لقد خُلّد اسمه في الذاكرة الإسلامية، ليس فقط بوصفه أول مولود بعد الهجرة، بل كرمز للثبات والإيمان والفداء في سبيل المبادئ الإسلامية. وكانت حياته برهانًا عمليًا على أن الجيل الذي وُلد في ظل الإسلام قادر على حمل الراية، والمضيّ بها نحو المجد والتضحية، ولو كان الثمن حياته نفسها.

المصادر:

1. ابن سعد، الطبقات الكبرى، الجزء الثالث.

2. ابن كثير، البداية والنهاية، المجلد السابع.