تكريم الإسلام للمرأة زوجة (1)

لطالما كانت مكانة المرأة في المجتمعات البشرية موضوعًا مثارًا للجدل، وشهدت تقلبات كبيرة على مر العصور من حيث التقدير والاحترام والاعتراف بالحقوق. وعندما جاء الإسلام في بيئةٍ بدوية جاهلية كانت المرأة فيها تُباع وتُشترى وتُورَّث وتُعامل كأنها من المتاع، أحدث نقلة نوعية جذرية في نظرة المجتمع للمرأة، ورفع من مكانتها، وكرّمها في جميع مراحل حياتها: بنتًا، وأمًا، وأختًا، وزوجة. وفي هذا المقال، نسلّط الضوء على تكريم الإسلام للمرأة في مقام الزوجة، وهي المكانة التي خُصّت بكثير من الآيات والأحاديث والأحكام التي تدلّ على عظمة هذا الدور، وعمق ارتباطه ببناء الأسرة والمجتمع.

الزوجة شريكة حياة لا متاع

أولى مظاهر تكريم الإسلام للمرأة زوجةً هو أنه جعلها شريكة حياة، لا مجرد خادمة أو وسيلة للمتعة. فالعلاقة الزوجية في الإسلام قائمة على المودة والرحمة، قال تعالى:

“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً” (الروم: 21).

في هذا النص القرآني، تتجلّى أسمى صور الشراكة الإنسانية؛ فالزوجة مأوى وسكن نفسي وروحي، وليست أداة لإشباع الغريزة فقط، بل هي محلّ للسكون والمودة والرحمة المتبادلة.

حق الاختيار والقبول

ألغى الإسلام جميع صور الإجبار والقسر في الزواج. لا يصح في الشريعة الإسلامية عقد الزواج دون رضا المرأة وقبولها، وجاء في الحديث:

“لا تُنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن” (رواه البخاري ومسلم).

هذا النص النبوي يحسم المسألة: لا زواج إلا برضا الزوجة. هذه نقطة تحول مهمة في تاريخ حقوق المرأة؛ فالإسلام منح المرأة صوتًا حاسمًا في أمر مصيري كاختيار الزوج، بعدما كانت في الجاهلية تُزفّ لمن لا تعرفه ولا تريده.

المهر: تكريم لا ثمن

منح الإسلام المرأة مهرًا محترمًا عند الزواج، وجعله حقًا خالصًا لها لا يجوز لأحد التصرف فيه دون إذنها، قال الله تعالى:

“وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً” (النساء: 4).

والمقصود بـ”نِحْلَةً” أي عن طيب نفس، لا مَنّ فيه ولا امتهان. ولم يجعل الإسلام المهر ثمنًا للمرأة، بل هو تكريم لها وتعبير عن احترام مكانتها.

النفقة: واجب الزوج دون مقابل

ألزم الإسلام الزوج بالإنفاق على زوجته في كل ما تحتاجه من مأكل وملبس ومسكن، وإن كانت غنية، فليس من واجبها أن تنفق على نفسها أو على بيتها. قال النبي ﷺ:

“ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف” (رواه مسلم).

حتى إن المرأة لو كانت صاحبة أموال، لا تُلزم بالإنفاق، لأن واجب النفقة واقع على عاتق الزوج، وهو نوع من التكريم والاحترام لدورها كامرأة مسؤولة عن تربية الأبناء والعناية بالأسرة.

حسن المعاشرة والرحمة

حسن المعاشرة من أوضح صور التكريم النبوي للمرأة زوجة. قال رسول الله ﷺ:

“خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” (رواه الترمذي).

هذا الحديث يرسّخ قاعدة ذهبية: معيار الخيرية في الإسلام لا يُقاس بالصلابة أو الشدة، بل برحمة الزوج مع زوجته، واحترامه لها، وتقديره لإنسانيتها. والنبي ﷺ كان النموذج الأسمى، إذ كان في بيته يخصف نعله، ويخدم نفسه، ويمازح زوجاته، ويستمع إليهن.

الحماية من الأذى النفسي والجسدي

حرّم الإسلام كل أنواع الإيذاء النفسي والجسدي للمرأة، وجعل أي اعتداء عليها ظلمًا وإثمًا. حتى في حال الخلاف، وجّه الإسلام إلى أساليب الإصلاح والتدرج، دون قسوة أو عنف. قال تعالى:

“فَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا” (النساء: 35).

وهذا يدل على أن الإسلام لا يشجع على الفراق، بل يدفع في اتجاه الإصلاح والاحتواء، وفي ذلك حفظ لكرامة المرأة ومكانتها داخل الحياة الزوجية.

العدل بين الزوجات في حال التعدد

سمح الإسلام بالتعدد في حالات محددة ووفق شروط صارمة، لكنه في الوقت ذاته أوجب العدل بين الزوجات، وعدّ الميل إلى واحدة دون الأخريات ظلمًا. قال تعالى:

“فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً” (النساء: 3).

فالعدالة هنا شرط أساسي، والميل العاطفي غير المقصود لا مؤاخذة فيه، ولكن الميل في المعاملة والإنفاق والسكن مرفوض، لما فيه من ظلم وإجحاف بحق الزوجة.

حماية الحقوق عند الطلاق

في حال وقوع الطلاق، حافظ الإسلام على حقوق المرأة وأوصى بها خيرًا، وجعل لها عدة لتبرأ الرحم وتُعطى فرصة للمراجعة، وألزم الزوج بالنفقة والسكن في فترة العدة. بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال:

“فَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا” (الأحزاب: 49).

فلا مكان في الإسلام للإهانة أو التشهير بالمرأة عند الطلاق، بل الكرامة تُصان حتى في لحظات الفراق، بما يعكس عظمة الشريعة ورحمتها.

مكانة الزوجة في بيت النبوة

لم يكن النبي محمد ﷺ مجرد داعٍ إلى حسن معاملة الزوجة، بل كان القدوة في ذلك، في بيته مع زوجاته. كان يستشيرهن، ويستمع إلى آرائهن، ويواسيهن، ويُشركهن في مواقف عظيمة من حياة الدعوة. ففي صلح الحديبية، حين لم يستجب الصحابة لأمر النبي بالحلق والنحر، أشارت عليه أم المؤمنين أم سلمة بالرأي الحكيم، فعمل به فكان فيه الفرج.

وهذه الشراكة الفعلية، التي تبرز أن الزوجة في الإسلام ليست مجرد تابعة، بل صاحبة رأي يُحترم ومكانة يُعتد بها.

الجدول: مقارنة بين معاملة المرأة كزوجة في الجاهلية والإسلام

المرأة الزوجة كعماد للأسرة

الأسرة في الإسلام هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع، والزوجة هي الركن الأهم فيها، فهي من تُنجب وتُربّي وتُحسن التوجيه، وهي من تُضفي على البيت سكينةً ودفئًا. لم ينظر الإسلام للزوجة نظرةً دونية، بل جعلها مركز الاستقرار العاطفي والنفسي، وجعل التعامل معها من أعظم أبواب الخير في الدنيا والآخرة.

إن تكريم الإسلام للمرأة زوجة لا يقف عند الحقوق والتشريعات، بل يتعداها إلى تكوين ثقافة أسرية متكاملة تحترم المرأة، وتُقدّر تضحياتها، وتُعلي من شأنها في كل المحافل، بدءًا من تفاصيل الحياة اليومية، وانتهاءً بمكانتها في المجتمع ككل.

المراجع

1. ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة للنشر.

2. البخاري، الجامع الصحيح، دار ابن كثير للطباعة والنشر.